حدثنا كبارنا رحمهم الله من باب التربية والتعليم في ذلك الزمان الجميل القديم ان الكذب والصدق تقابلا يوما صدفة في الطريق وكان الكذب في صورة رجل بدين سمين بينما كان الصدق في صورة رجل ضعيف تبدو عليه علامات المرض والوهن المبين فقال الكذب للصدق مالي اراك يا اخي هزيلا نحيلا بينما تراني انت سمينا بدينا ؟ فرد عليه الصدق وهو مكتئب حزين ان الجواب بسيط ايها العدو المبين فهل تجهل حقا ان الكاذبين اتباعك وانصارك كثيرون و قد اشبعوك بكثرة كذبهم وبهتانهم وان جماعتي وانصاري كما تعلم قليلون ولا اجد في قلتهم ما يكفيني من الطعام والشراب لاشبع واروي منهم هيكلي وكياني؟ وهكذا يكون حديثنا قياسا سليما قويا من حديد مع الاسف الشديد فالكذب ضارب بيننا اوتاده وكل يوم يزداد بيننا اولاده واحفاده ولا شك ان كل مصائبنا وماسينا راجعة اليه ولم نجد في مرضنا به واستحواذه علينا من يشفينا منه ومن يداوينا ولا شك اذن اننا لوتحدثنا في المقابل لهذا الحال و اذا عرضنا جميع الفضائل فاننا سنتفق حتما وجزما ان اولها ودعامتها الصدق ولا شك اننا لا ولن نجد في اتفاقنا واجماعنا هذا من يناقش او يعاند او يجادل فلا غرابة اذن ان جعل الله تعالى الصدق من صفات كماله وجلاله وهو ذو العزة والجلال حتى يبين فضائله للناس ويدعوهم الى التقرب اليه بالصدق بلا مراء ولا جدال فقد قال متحدثا عن ذاته وقدسيته وعلاه لكل من امن به وصدق بهداه (ومن اصدق من الله حديثا)و( قل صدق الله) وقد جعل هذا الصدق ايضا ميزة لرسله وأنبيائه الذين رفعهم مقاما عليا فقال في ذلك قولا واضحا جليا( وجعلنا لهم لسان صدق عليا) ومما يؤيد هذا الكلام ان احد الأعراب نظر الى وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيام في سالف السنين والأعوام فقال وهو مطمئن و راض عنه غير نافر وغير غاضب (والله ما هذا الوجه بوجه كاذب). اما عن رسالة الاسلام فكلها صدق ولذلك فقد صدقها وامن بها الصادقون من الخلق وقد قال الله تعالى في كتابه المكنون( والذي جاء بالصدق وصدق به اولائك هم المفلحون) فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام جاء بالصدق والمؤمنون صدقوا برسالته فكانوا بذلك مؤمنين بحق والله سبحانه وتعالى يامر عباده بالتقوى والصدق في كل اقوالهم وافعالهم من اجل نصرة الحق المبين ليسود الخير عباده اجمعين في كل ان وفي كل حين( يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). كما بشر الله عباده الصادقين بمقعد صدق عنده يوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين فقال وهو اصدق القائلين في بيان نعيمهم واجرهم( وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم) وقال ايضا فيما اعده سبحانه وتعالى لهذا الصنف من البشر(ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر). كما امر الله جل جلاله وعظم سلطانه رسوله ومعه كل مؤمن صادق بحق ان يساله مدخل صدق وان يخرجه مخرج صدق فقال( وقل رب ادخلني مدخل صدق و اخرجني مخرج صدق) اي ان يكون دخول العبد وخروجه في مرضاة الله لينال بتوفيقه واعانته وفضله المراد والمطلوب الذي تمناه والذي ترجاه وما احسن ان ختم حديثنا بحديث نبينا محمد الصادق المختار الذي نرجو بطاعته و بشفاعته الجنة والنجاة من النار فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ان رجلا جاء الى النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله ما عمل اهل الجنة ؟ فقال (الصدق اذا صدق العبد بر و اذا بر امن واذا امن دخل الجنة قال يا رسول الله وما عمل اهل النار؟ قال الكذب اذا كذب العبد فجر واذا فجر كفر واذا كفر دخل النار) فهل بقي بعد هذا القول قول وهل بقي بعد هذا الجواب شك في شناعة رذيلة الكذب وفي فظاعة جريمة الكذاب وفي فضائل الصدق باعتباره نهج الحق ونهج الرقي والهادي الى طريق الصواب والمنقذ وحده من الضلال والانحطاط والخراب؟