تتالى السنين و الايام منذ اندلاع الثورة المجيدة، ثورة الحرية و الكرامة ثورة جاءت لتنهي نظاما سياسيا لقيطا انقض على مكاسب الدولة الوطنية حيث اضحت الخدمات العمومية في عهد المخلوع في اتعس الحالات و همش التعليم العمومي و الصحة العمومية و النقل العمومي و بدأت الدولة في التخلي عن دورها و كرست ثقافة الاستهلاك من خلال جلب السيارات الشعبية و تقنين التعليم الخاص و النفخ في صورة المصحات الخاصة الى جانب تغيير السلوك الاستهلاكي للمواطن التونسي هذا دون ان ننسى الجانب المافيوزي الذي حل بنا حيث انتهكت المؤسسات العمومية من طرف العصابة الحاكمة و افتكت الاراضي و المشاريع الواعدة من اصحابها و عم الظلم بالبلاد مما حتم نهاية هذا الحكم. في الاثناء ثار الشعب وانتصر في انهاء هذا النظام الفاسد تحت عنوان ثورة او انتفاضة بمساعدة خارجية ام لا هذا غير مهم لأن ذلك سيحيلنا في التشكيك حتى في استقلالنا وفي الحركة الوطنية التونسية بما ان الولاياتالمتحدةالامريكية وزيارة حشاد مرفوقا ببورقيبة لعبت دورا رئيسيا في استقلال تونس. و لكن للاسف الشديد منذ اندلاع الثورة انقضت طبقة سياسية غير طبيعية على دواليب الحكم و املت علينا اولويات ليست تلك التي حلمنا بها ابان اندلاع الثورة المباركة و لعل ذلك كان نتيجة لغبائنا نحن الشباب الذي اوقد تلك النار و اعتقد او اقنعوه ان دوره انتهى ولابد من جيل اخر لقيادة مرحلة ما بعد الثورة فأصبحنا نتخبط في صراع ليس صراعنا هو صراع جيل اخر هو صراع هوية و ايديولوجيا اكل عليها الدهر و شرب و مما عمق تلك الازمة هو الجانب الجيوسياسي حيث راهنت الولاياتالمتحدة في وقت ما على السيطرة على المنطقة العربية بوكالة تركية عبر ما يسمى بالإسلام السياسي مما جعلنا نتخبط سنوات في صراع لم نبحث عنه و لم نكن نعتبره اولية ذات جانفي 2011، مما ادى بالبعض الى الحنين الى الماضي و شتم الثورة في حين ان الثورة بريئة من كل هذا و لكن هذه النخبة بين قوسين التي تربت في الاستبداد لم تحسن التعامل مع الديمقراطية و لم تفهم ان الصراعات الذاتية التي خاضتها ايام الجامعة لا يمكنها ان تفيد البلاد في شيء ثم اولائك الذين راهنو على دعم الاتراك بمصادقة امريكية لم يستسيغوا ان الامور تغيرت و ان الامريكان تغيرت اولوياتهم. وللأسف الشديد ان الكل منغمس في هذا الصراع الاعرج وأصبح الكل يخون الكل من اليمين الى اليسار بمجرد التعامل او التنسيق في حين ان اهداف الثورة لم تتحقق ولن تتحقق ان لم نترك هذا الصراع جانبا. اولوية الاولويات اليوم هو المسألة الاقتصادية والاجتماعية لأن المواطن البسيط أصبح يعاني الامرين جراء غلاء المعيشة ثم ان المواطن اليوم أصبح ينعم بحرية التعبير والاحتجاج وبالتالي لن يسكت على كل هذا الالم والتجويع حتى وان اعطيناه بعض المسكنات. وها نحن معشر النقابيين والناشطين في المجال الاجتماعي لا زلنا نتخبط في ما قبل الثورة حيث فرضت علينا دكتاتورية المونوبول لان هذا المنوبول يحذق التنسيق بين مختلف هذه القوى المتقاتلة على الهوية فهو ينسق مع الاسلامين ليلا و مع اعدائهم نهارا و يستفيد من التناقضات بل توج على ظهورها حيث نال جائزة نوبل التي نالها كذلك صانع القنبلة الذرية. على كل لقد قمنا بثورة الحرية والكرامة ولكن لازال لدينا من هو فوق القانون في المجال النقابي حيث يواصل هذا اللاعب الانفراد بالسلطة بل معاشرتها ومنعها من تطبيق القانون وحتى احكام المحكمة الادارية ظلت حبرا على ورق ولم تنفذ في سبيل ارضاء هذا العشيق. وفي الاثناء ضاع العامل حيث كرست هشاشة التشغيل ولم نسع يوما الى تغيير مجلة الشغل للقطع مع الانتدابات المؤقتة بصفة عشوائية والتي تكرس الثقافة الاقطاعية. كما واصلت الدولة في استعمال الاليات والحضائر وشتى انواع "الماكياج" القبيح. هذا دون ان ننسى ان العقد الاجتماعي في تونس أصبح حبرا على ورق حيث يعد الحوار الاجتماعي غائبا تماما خاصة على مستوى المؤسسة حيث لا توجد ثقافة الحوار وحتى هياكل الحوار داخل المؤسسة تظل ديكورا خاضعا لميزان القوى في المؤسسات الكبرى وتكاد تكون غير موجودة في جل المؤسسات امام عدم مبالات تفقديات الشغل التي انهكتها هي كذلك بيروقراطية الادارة والخلط بين دور الرقابة ودور المصالحة خلافا لما تنص عليه الاتفاقية الدولية الخاصة بتفقد الشغل. ولابد ان نشير كذلك الى تدهور المفاوضات الاجتماعية التي ظلت فوقية وغير ممثلة لرغبات العمال واقتصرت على الزيادة في الاجور التي سرعان ما تلتهم جراء التضخم وغلاء المعيشة. هذا بالإضافة الى عدم ملاءمة الاتفاقيات المشتركة مع واقع سوق الشغل الحالي حيث نسجل غياب اتفاقيات مشتركة في قطاعات ذات نسبة تشغيلية عالية مثل مراكز النداء وصناعة الادوية وشركات الاعلامية بأنواعها والشحن الجوي وغيرها من القطاعات التي لم تواكبها اتفاقيات صيغت منذ حوالي نصف قرن في ظروف وواقع يختلف عن واقعنا هذا وبالتالي هي في حاجة الى مراجعة شاملة. و في حين الرجوع الى الصواب بعد هذه الازمة الصحية التي ستعيد ترتيب مراكز النفوذ في العالم و سنتجه حتما الى اكثر توازنا بوجود اكثر من قوة عالمية حيث نجد انفسنا نحن التونسيين الذين راهنا على "المادة الشخمة" كما يقول الزعيم بورقيبة آنذاك بالرغم من الاخطاء التي ارتكبها خلال حكمه خاصة فيما يتعلق بالنرجسية المفرطة في بعض الاحيان و عدم تفكيره في استمرارية المشروع الذي بناه عبر تحضير خليفته و لكنه يبقى الوحيد الذي كانت له رؤية واضحة لهذا الوطن و ها نحن اليوم نستفيد من هذه الرؤية و يجب ان نستغل ما حققناه حيث نجد انفسنا اليوم نحن أبناء هذا البلد الصغير و الفقير على مستوى الموارد نمتلك اليات الانتاج في هذه الثورة الصناعية الرابعة التي ترتكز اساسا على الاختراع و تطوير الذكاء الاصطناعي و هو ما نمتلك مؤهلاته و ما علينا الا الاستثمار فيه. الصراع اليوم يجب ان يتحول الى الأمور الاساسية الى بناء الدولة المعاصرة والتموقع جيدا مع القوى العالمية الصاعدة حتى نتسلق سلم النمو ونحقق الرفاه الاجتماعي. الصراع اليوم كذلك هو كيف ننمي معدل الدخل الفردي الوطني ونجعله محور اهتماماتنا لان نمو الدولة في ظل افقار مواطنيها يظل امرا غير معقول وهو ما يحيلنا الى اعادة النظر في كل الإجراءات والقوانين التي ادت الى استغلال العمال في المقابل تغيير العقلية وارساء ثقافة العمل وجعل العمل في فكر التونسي هو عبادة فعلا وليس "مسمار في حيط" او «مطية للاستعباد". اخيرا ارهقتنا صراعات الباندية اعلاميين كانوا او سياسيين او حتى رجال اعمال متى تتركوننا وحالنا نحن الذين آمنا بهذه الثورة المباركة ولا زلنا نؤمن بها، نحن شباب هذا الوطن ألم يحن الوقت لنملأ الفضاء العام بصراع على الافكار والبرامج ونتخلص من كل هذه الرداءة ثم نشرع في ترتيب الأولويات لأن التركة ثقيلة تتطلب منا جهودا استثنائية في خدمة الوطن بعيدا عن الشعبوية والمحسوبية. يتبع .... محمد علي قيزة ( 1 ) مهندس ومواطن يؤمن بالثورة أمين عام الكنفدرالية العامة التونسية للشغل