قال الله عزّ وجل: (كلّ مَن عليها فان ويبقى وجْه ربك ذو الجلال والإكرام). إنّ هذه الآية الكريمة – والله تعالى أعلى وأعلم – تَسلية.. وتعزية، لكل حيّ يُرزق في هذه الحياة (الفانية).. علمتُ ببالغ الأسى، رحيل علّامة مدينة تطاوين – (عروس مدن الجنوب التونسي) – ألا وهو: الشيخ التّقيّ.. النّقيّ.. سيدي محمّد الحبيب النّفْطي.. من علماء الزيتونة الأبرار والأخيار، عن عمر ناهَز (94) عاما.. لقد كابد وجاهد هذا الشيخ الأريب في سبيل العلْم: أخذا وعطاء.. استفادة وإفادة.. طول حياته.. وكان – وهذا من صفاته الحميدة، وأخلاقه المجيدة – يتنقّل للعمل الديني بين مسقط رأسه – تطاوين – وتونس (العاصمة)؛ وكان يحط رحاله كلما وصلها في بيت العلّامة المصلح: الشيخ الحبيب المستاوي – (منشئ مجلة جوهر الإسلام الغرّاء) - .. وكان هذا البيت الأثيل: "خليّة نحل – تُعسّل بامتياز، لميزتين مُهمّتين، هما: احتواؤها على مكتبة قيمة – على عادة الشيوخ منذ الطلب – استوعبتْ أمهات المصادر الدينية، وغيرها من المراجع العلمية؛ لذلك كان الشيخ النفطي يجد في هذا المقرّ الساكن – بعد الراحة والطمأنينة فيه – بُغيته المنشودة، فيستعين بما يحْلو ويجْلُو من الكتب طَوْع يديه، خصوصا دواوين الفقه والفتاوى. كان بيْت الشيخ الحبيب المستاوي هذا – على تواضعه ومحدودية مساحته – مقصدا أثيرا، للزيارة.. والاستراحة.. والضيافة.. لأعْلام أجلّاء من جميع الأنحاء: شرقا وغربا.. للشيخ محمد الحبيب النّفطي رحمه الله سَمْتُه وصيتُه، لذلك أُتيح له العمل والمشاركة في أكثر من موقع، وهو مجال تخصّصه: كعالم دين (أوّلا)، ثم لمواهب اجتمعت فيه وتفرّقت في غيره (ثانيا) وأنا أجْملها في هذه النّقاط باختصار، كمرآة ناصعة تعكس (شخصية) هذا الرجل العملاق في زمننا هذا: خطيب ومدرّس في المسجد الكبير بتطاوين. رئيس جمعية المحافظ على القرآن الكريم / (فرع تطاوين) عضو بالمجلس الإسلامي الأعلى/ تونس عضو بلجنة مراقبة (المصاحف) مرشد ديني في بعثة الحج (التونسيّة) رئيس بعثة الحج في سنة (1410ه = 1989م) واعظ منتدب للجالية المسلمة في بلاد الغرب مدرّس في شهر رمضان المعظم – في مساجد دولة الامارات مشاركته بالحضور: في مؤتمرات وندوات عديدة، أُقيمت في مكة، وفاس، والجزائر، وبغداد... تَوَلّيه الإجابة والإفتاء من كل الأنحاء، عن استفتاءات الناس في الداخل والخارج، مثل: فرنسا/ إيطاليا / بلجيكا / كندا / أمريكا / وغيرها من البلدان. كنت زُرت سيدي الفقيه الشيخ محمد الحبيب النفطي -أول مرة-في آخر حياته، وهو طريح الفراش بتاريخ يوم الإثنين (20 ذي الحجة 1438 = 11 سبتمبر 2017م) ثم أتبعتها بزيارة أخرى حينما كنت مشاركا في الاحتفال (بخمسينية مجلة جوهر الإسلام) التي أقيمت في مدينته تطاوين. رحمه الله تعالى رحمة الأبرار.. وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار .