صادق مجلس الوزراء أخيرًا على تحوير الفصل 96 من المجلة الجناية والعودة به الى أصله كما جاء ومنذ سنة 1913 عند صدور المجلة الجنائية في عهد محمد الناصر باشا باي وفي أيام الحماية الفرنسية على تونس. لم يكن ذلك الفصل يثير انتباها ولا أهمية تُذكر لولا تحويره وتطويعه لأسباب مشبوهة في زمن حكم الرئيس بورقيبة. وبالتحديد بتاريخ11 أوت 1985 في زمن المرحوم محمد مزالي. جرى ذلك التغيير بأمر مباشر من رئيس الدولة بنية مقاومته للفساد وبتشجيع من الدائرة المقربة التي تغيرت وكانت تنصحه بذلك مكرا ودهاء. كانت كلمة حق أريد بها باطل ويتذكرها الكبار ممن عاشوا تلك الفترة واهتموا بالسياسة. كانت عملية انتقاء مقصودة، انتهت بطلاق الماجدة وسيلة لأسباب لها علاقة بالخلافة التي باتت وقتها هدفا ومطمعا. لقد وجدها المقربون فرصة لأبعاد الماجدة عن بورقيبة ليخلو لهم الجو وليتمركزوا أكثر لأنها كانت عقبة في طريقهم ووجدوا لهم بعدها طريقا بواسطة احدى قريبات الرئيس التي باتت تعبر. كان من نتيجة ذلك التحول مضايقة الوزير الأول محمد مزالي بصفته وريثا شرعيا بموجب الدستور الذي أراده بورقيبة الذي بات يتعب ويكبر. لقد استعجلت الجماعة الأمر وبدأت تفكر وتخطط باختلاق القضايا المفتعلة لإحداث فراغ في القصر، كان ذلك بمساعدة ابنة أخت الرئيس بورقيبة سعيدة ساسي التي اخذت مكان الماجدة وسيلة لتحكم وتقرر. لقد بدأوا بتزيين ما كان يحبه بورقيبة بحجة ان ذلك سوف يزيده قربا من الشعب وحبا، من ذلك قيامه بحملة لإزالة الأكواخ ومحاسبة البعض ممن اتهموهم بالإثراء دون وجه شرعي. بدأت الخطة مباشرة بعد أحداث الخبز التي أثرت في شعبية محمد مزالي وتدهور الوضع المالي والاقتصادي الذي بات يزعج. أتذكر ذلك كله وكنت مقرّبا جدا من الوزير الأول ووسيطا بينه وبين السيدة وسيلة التي كانت ترتاح لي وتحملني رسائلها له من حين لآخر، وهذا ما يسمح لي بكشف بعض الأسرار التي سقط عنها واجب التحفظ. أتذكر أن الخطة بدأت بكثرة غياب السيدة وسيلة عن القصر وحلت محلها سعيدة ساسي في فترة كان بورقيبة يحتاج أكثر لمن يرعاه وبتابع اوقاته لتناول الدواء والغذاء وكان من طبعه أن يسهر ويستيقظ مبكرا. وهكذا بدأت الدسائس تكبر بالتقرب من مصدر القرار الذي تغير ويظهر على حساب الآخرين وعلى رأسهم الماجدة ومحمد مزالي وبورقيبة الابن وعلالة العويتي. انها قصة لا يسمح المجال لي بالحديث عنها أكثر على حساب الموضوع الذي اخترته لأسباب التوسع في الفصل 96 من المجلة الجنائية الذي اخترته لهذه الدردشة. لقد بدأت هذه القصة بانتقاد تخطيط مسار ميترو تونس الذي أزعج احدى الفاعلات في القصر سعيدة ساسي ومعها مدير ديوان الرئيس بورقيبة منصور السخيري، وشملت مكتب الدراسات الفنية الذي كان يديره المهندس القدير المنصف ثريا الذي تم ايقافه اعتباطا. ودفع ثمن التدخل في ذلك الامر معجلا بورقيبة الابن الذي جازف بكشف الحقيقة لوالده بصفته مستشاره، وتعرض للطرد والإهانة بحجة توليه الدفاع عن الفاسدين؟ كنت وقتها مقربا من الوزير الاول محمد مزالي الذي تلقى الامر بإحالة المعنيين على القضاء الجزائي الذي لم يكن وقتها مختصا بالحكم على الاجتهاد والخطأ غير المتعمد، لقد رأيته أيامها في حيرة ضمير ولا يدري كيف يتصرف. واسر لي أيامها ايضا وزير العدل رضا بن علي عليه رحمة الله بحسرة بعد مصادقة مجلس الوزراء على التوسع في الفصل 96 موضوع كلامنا هذا، وما قاله له سرا وزير التعليم العالي وقتها استاذ القانون المرحوم عبد العزيز بن ضياء، بان ذلك التوسع سوف يطالهم جميعا عاجلا أم آجلا بما فيهم وزراء ذلك العصر. تذكرت ذلك وانا اكتب وتعجبت من تفطن ذلك الوزير المختص في التشريع لتلك الثغرة وقد طال به العهد وبقي في السلطة لأكثر من ثلاثين عاما وزيرا في زمن بورقيبة وفي زمن بن علي وبات الشخصية الثانية في الحكم لسنين ولكنه لم يعمل على إزالة الأذى حتى ناله. لم يسلم منه قبله محمد مزالي وغيره من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة وقد احيلوا كلهم على القضاء بتهم التصرف دون وجه في الاموال العمومية وصدرت عليهم أحكام بالسجن والغرامة وكلها لقضايا مركبة ولأسباب سياسية في الأكثر. ولها علاقة بالخلافة التي كانت الشجرة المحرمة التي تأذى كل من اقترب منها واكل او لم ياكل. كنت أيامها رئيسا لهيئة الدفاع عن المرحوم مزالي بصفتي محام وتتبعت كل قضاياه التي انتهت بعد 15 عاما قضاها كلها في المهجر وأخيرا عاد العقل والمنطق لنظام الحكم الذي امر بإبطال الحكم بسعي من الوكيل العام لدى محكمة التعقيب الذي خوله القانون بموجب الفصل 276 من مجلة الإجراءات الجزائية، ولكن ذلك الفصل استمر العمل به وما زال فاعلا الى اليوم. لم يسلم منه أيضا الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي الذي نال بموجبه مئات الأعوام سجنا وانقرضت في حقه الدعوى العمومية بالوفاة، كما نال أتباعه أحكاما نافذة وما زال البعض منهم هاربا أو متخفيا وضاعت على تونس اموال طائلة تعذر استرجاعها بسبب الأحكام الغيابية المعلقة على اعتراض اصحابها أو غلق الملفات بالصلح وتلك قضية اخرى كان يمكن تجاوزها بعد عشرة أعوام مرت على الثورة ولم تستقر الاوضاع ونتصالح لأن ذلك هو الطريق الوحيد الذي بات يحمينا من هول الحقد والكره وحب التشفي. اما تحوير الفصل المذكور فاني اعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح بشرط أن ترد الحقوق لأصحابها وخاصة المال المهرّب. تونس في 11 جوان 2020