الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
عاجل/ ترامب يتّجه للمشاركة في حرب إيران وضرب هذه المنشأة النووية
ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية
صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها
"عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات
باجة: اعادة اكثار واحياء قرابة 5 الاف صنف من الحبوب بنجاح
الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28
عاجل/ بلاغ هام حول التجارة عبر الانترنات
ماهر الكنزاري: ''لا ألوم اللاعبين على الخسارة، بل أنا فخور بالروح التي أظهروها داخل الملعب''
حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف
اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني
شنيا الماكلة اللي تنفع أو تضرّ أهم أعضاء بدنك؟
الاتفاق على احداث لجنة قيادة وبرنامج وطني لتفعيل "إعلان قرطاج" للصحّة الواحدة
الملعب التونسي يعزز صفوفه بالحارس نور الدين الفرحاتي
إيران تعتقل عميلا للموساد الإسرائيلي
تحذير طبي: خطر الاستحمام بالماء الساخن قد يصل إلى الإغماء والموت!
منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة
المنتخب التونسي يشارك في بطولة افريقيا للرقبي السباعي بالموريس يومي 21 و 22 جوان الجاري
قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة
الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)
المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير
تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية
عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..
الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)
تصعيد خطير في الشرق الأوسط... والصين تتّهم ترامب ب''صب الزيت على النار''
بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا
عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول
بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين
تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟
الصين تتهم ترامب ب"صب الزيت على النار"
منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب
الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة
مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..
موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة
الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..
تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية
قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة
عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..
الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية
عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."
6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع
بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد
دورة برلين للتنس : موعد و توقيت مباراة أنس جابر و باوليني
كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء
أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..
عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..
كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟
كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي
ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الاول) : العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات
المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية
الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟
يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين
تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية
عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)
القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا
خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد
قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة
ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس
طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"20 تمرة جريديّة" لِصالح الحاجّة : لَيْس لنا في الأخير إلَّا الذكريات، بِها نحْيا وَمِن دُونها نَمُوت
مصطفى الكيلاني
نشر في
الصريح
يوم 23 - 06 - 2020
"المَوْت هُو لَيْل الذاكرة، وَمِن غَيْر ذاكرة نحن نَمُوت" (هانز جورج غادامير)
طِفلٌ دائم هُو الإنسان مَهْما تَقَدّم به العُمُر. والطِفلُ، هُنا، هُو ذاك الطَيْف القَدِيم المُتقادِم في عَمِيق إنّيّة صالح الحاجّة، كاتب "20 تمْرَة جريديّة" الصادر في هذه الأَيّام عن دار دِيار للنشر التُونسيّة. وهذا الطَيْف نَراه مُشرقا بِرُوح عاشِقة مُتيقِّظَة لما كانَ وبِما هُو خارج عن الزَمَن المِيقاتِيّ، كَدَيْمُومة مُتَكَرّرة بِثابت حَرَكَنها وَمُتَحَرِّك ثباتها، كما هِي نواةُ الإنِّيّ ((moi بِعَمِيق الأنا (je).
ويندفع صالح الحاجّة بِأَقصى الجُهد الكاتِب إلى عَمِيق جُوانِيّته بِعِشق جارف مُحايِث لِفائض رُوحه النابضة حَياةً. وَلِتُوزر، والجَريد التُونسيّ عامَّةً، مَحَبّةٌ خاصّة لدَيْه تُلائم تماما بَيْن ذات العاشق الولْهان وذات الأُمّ المعشُوقة، وهي مَحَبّة خاصّة لا يُدْركها إلَّا من خبر أقصى الحياة بِإدْراكِ أقصى المَوْت، وأقصى المَوْت بِأَقصى الحياة، وَمَنْ طَوَّف في أقاصِي الزَمَن وعاشَ الانتِصارات والانكِسارات وغالبَ بِنُبل الرَجُل المُحارب خُصوما أَكفّاء وغَيْر أَكفّاء، شُرَفاء وَلُؤماء، وعجّت في رُوحه أهْواء الأفراح والأتراح.
ب "عِشرين تمْرَة" أو "عِشرين حِكاية جريديّة يلتفت صالح الحاجّة إلى أوْقات ووضعيّات وَسِياقات مُتعاقبة ماثلة بِآثارها الّتِي لا تزال حَيّة في عَمِيق رُوحه المُعَنّاة المُنْتشية تَذَكُّرًا الجريحة المُكابرة إخفاءً لِعَنائها الحَرِيصة على التَعافِي في وقتٍ تُفَرّخ فيه الكراهيّة كراهيَّات المُصِرّة بِغَضبها الخافت أو المُخفَّت على الالْتِفات في طَريق مُعتمة إلى الوَراء البَعِيد والقَريب. فتنبجسُ مِن الداخل الجُوانِيّ الذكريات، المَشاهد، المَواقف، الوُجوه...
وتنتظم هذه الحِكايات- الذكريات بِخَيْط ناظم بَدْؤه نَجاح ابْن بائع الفُول الجريديّ في الدِراسَة وتخرّجه جَرَّاحًا... يَلِي ذلك حِكاية "الجَدّة فطيمة" كَأَنّها تختصر دَلالةً تُوزر بِأَصالة الأُنثى وَجَمال رُوحِها وبِحكْمتها البَسِيطة العَمِيقة وأقوالها وأفعالها المَرحة. و"للشيخ حَمُّودة البورطلّي" المُتَزهّد حِكاية هِي مِن تُراث الطُفولة الكاتِبة والمَجْمُوعة التُوزرِيّة، كَأَنْ يختصر المَحْكِيّ رُوح التَصَوّف في بلاد الجَريد ضمن التَصَوّف الشعبيّ العامّ وظاهرة انتِشار المزارات في
تونس
وبُلْدان المغرب العَرَبِيّ...
كذا يَتَجَلَّى بعضٌ مِن ذاكرة صالح الحاجّة في لحظة تداعيها الصَادق الجَميل بِالمُطابق وغيْر المُطابِق، رُبّما، للوقائع، وذلك بِتَأثير شهوة السَرْد وتَصَرُّف المخيال السارد عند رتْق مواطن سَدَى النسيان، كَأَيّ عَمَل استذكارِيّ يستحيل إلى كِتابة أَدَبِيّة. فَبِجَمالِيّة الحِكاية يختار صالح الحاجّة مواقف مَزْحِيّة مُتَدَاولَة في حَياة "الجريديّة" (سُكّان الجَريد التُونسيّ، وتُوزر تحديدا)، ك حِكايَة "المُولدي الجريدي يطلب شهادةَ وفاةٍ له" لِإحساسه بِالمَوْت نتيجةَ البطالة والفَقر والإفلاس وسعْيه إلى أن يُدْفن. فيوغل المحكِيّ في اللَّا- مَعْقُول بطلب مُوظّف البَلَدِيّة مِن المُولدي الجريديّ شهادة طبّيّة تُثبت وَفاته لِتَسْليمه الشَهادة في الدفن، ولا إمْكان لِلْحُصول عليْها لِأَنّه غيْر قادر على دفْع ثَمَنها في الأَخير.
وبِجَمالِيّة السرْد الحِكائيّ أَيْضًا يُحيي صالح الحاجّة ذكريات مِن زَمَن مَضَى وانقَضَى، بِفائض العِشق ذاته، بتيقّظ الرُوح تذهب بعيدا في "حِكايَة الصبابطي لا يَرى السَماء"، وهي حِكاية ماسِح الأحذية الفيْلسُوف يُدْرك في الحان وبِتأثير الكُؤوس فِيه ما يَصل ويُباعد بَيْن الإيمان والكُفر، ويحْيا الفَرَح والحُزن مَعًا، وَيُدْرك فرط الأَلَم في آنٍ واحد: حالٌ أُخرى عِشقيّة تُقارب وعي الكارثة وتَشِي بِمَرارة مِن أَلِف الانحِناء عِند مسْح الأحذية وَنَسِي السَماء، بل ما عادَ قادرا على التحْدِيق فيها بَعْد الّذِي أصابَ ظهره مِن تَقَوُّس.
مَوْقفٌ أو مشهد آخر مِن الحياة الاجتِماعيّة التُوزريّة يتجلّى في "سِي السعيد هارب مِن بورقيبة"'. ومَفاد الحِكاية مالك مَكْتبة لِلْأَدوات المدْرسِيّة مشهُور لدى النِساء بِإتقانه فَنّ المُغازَلة وَمُداوَمته عليْها أَرْعبتْه إحداهنّ بِإعلان كراهِيّتها لِبُورقيبة بِسَبَب منْعه لِتَعدّد الزوْجات، وهي الراغبة في الزَواج به: مَحْكِيٌّ يُحِيلنا إلى مُوَفَّى خمسينات القرْن الماضي، وخوْفٌ عامّ مِن دَوْلة الاستقلال الناشئة آنذاك.
وتحضر الطُرفة الجريديّة في "بغل عَمّ خليفة لم يحترم الوَزير" لِرَفضه جَرّ "الكالِيص" الّذِي رَكبه وَزِير الصِناعة في إحدى زِياراته التَفَقّدِيّة لِتُوزر والوالِي المُرافق له. وقد صَدّقَ الجَمِيع قَوْل الوالي بِتَحْوِيل
توزر
إلى مِنطقة صناعيّة إلَّا رئيس البَلَديّة والبغل الّذِي انضَمّ في الأخير إلى صَفّ المُعارَضة.
طرفة أُخرى
توزريّة
تَضَمّنتْها حِكاية "حَمّة الجريدي لم يحصل على تسكرة الفَقر": أَبٌ فَقِير يشتغل دافنَ مَوْتى يسعى لدى العُمدة لِتَحْصيل شهادة فَقر طَلبها مِنه مُدِير المَدْرسة لِتَوْفير الموادّ المدْرَسِيّة لِوَلده وَلُمْجة يَوْمِيّة. وَيَمُرّ العام مِن غيْر أن يلتحق الابْن بِالمَدْرسة لِأَنّ المُدِير لم يستلم شَهادَة الفَقر والعمدة مُمْتنع عن تسْلِيم الشَهادة لِحَمّة الجريدي في انتظِار الحُصول على رشوى...
وفي المُجتمع التُوزرِيّ شخصيّات طَرِيفة كَثيرة بِعَدَد "الجريديّة" ك "خليفة المهفّ" الّذِي دَرس في العِراق. وَلِأَنّ السُلْطة لم تعترف بِشهاداته اشتَغَل في متجر صغير مُداوما على الأكاذِيب وشَدّ أنظار جُلّاس المقهى إليْه، ومِن ادِّعاءاته إعلان صَداقته الحَمِيمة لِ صَدّام حسين وإعلامه لِلْحُضور مِن جُلاّس المَقهى بِأَن صديقه صَدّام قد يَزُور تُوزر ذات يَوْم لِيُقَضِّي بها بَقِيّة عُمُره...
وإلى "خليفة المهفّ" يَرِدُ ذِكْر "الشيخ عَبْد الحميد الجريدي يَقْرأ كَفّ الوالي". وبهذه الحِكاية يَرِد اعتقاد أهل الجَريد في الأَوْلياء الصالحين" وما سُمِيّ "شُيوخ البَركة" وقِراءة الكَفّ والتنْجِيم. وَالكُلّ مُعْتقدون في كَرامَة الشيخ المُدَّعِي، وَمِنهم الوَالِي.
وكما تَرد الدعابة في حِكايات صالح الحاجّة تحضر السُخْرِية في "خالتي كَرْموصة الجريديّة... لَوْلا "الفيس بوك" لَانتحرت". وَمَفاد المَحْكِيّ امْرَأة عَجُوز مُولَعة حَدّ الهَوَس بِالحاسُوب، وَبِشَبكة التَواصُل الاجتِماعِيّ (الفايسبُوك) تَحْدِيدًا، بَعْد أن ترمّلت، لِتَستأنس بِهَذا الجِهاز وتسْتَعِين به على وحدتها حَدّ الإدْمان عليْه.
وَلِحكاية "مِرقاز الكيلاني كاركارة" وَجْهٌ آخر لِلطَرافة. فقد تَفَطّن رِجال الشُرْطة لِغِشّ بائع المِرْقاز المغشُوش (النَقانق) المَصْنُوع مِن لَحم القِطَط السائبة. وتَوَهّم عدد مِن الأَوْلِياء أَنّ وُجوه أبنائهم تغيّرت وبدَتْ تُشبه وُجوه القِطَط، كما ظَنّت امْرَأة حامل أنّ جَنِينها قُطَيْط لِكَثرة أكْلها لِلْمِرْقاز المَغشُوش. وآخر الحِكايَة منْع الكيلاني كاركارة مِن مُواصَلة عَمَله بِمُحاكَمته وسجنه وَتَكاثُر القِطَط إثْر ذلك في شوارع تُوزر.
مَلْمَح آخر لِلْمَحْكِيّ هُو سَبّ الجَلالة والدِين عِند فرْط الغَضَب: عادَة جريديّة توقّف عندها الكاتب في ""دبُوزة غاز"" بِلْقاسم وزُلَيْخة هَزّت تُوزر". فتَصَدّر حَدَث الغَضَب الحِكاية، عَقِبَه الْتِجاه "بِسّة المدلّل" وَمَعه صَدِيقه "حسونة الأعْور" إلى الحَان لِيَحْتسيَا معا عَدَدًا وفيرا مِن الكُؤوس. وقد أَتْقن صالح الحاجّة أُسْلوب التشويق مُرْجئا بَيان سَبَب الغَضب إلى آخر الحِكاية: عَجزٌ عن الإنجاب وتحْمِيل الزَوْج مَسْؤوليّة ذلك للزوْجَة وتعنِيفها مِرارا إلى أن هجرت بَيْت الزَوْجِيّة في تِلك اللَّيْلة الّتِي أقدمَ فيها "بِسّة المدلّل" على الانتِحار بِتفجير قارُورة غاز.
وَمِن الطَرائف الّتِي تبدُو كثيرة الانتِشار في
توزر
حِكاية "نِيشان بورقيبة شَغَل الجريد": مُدِير مَدْرسة مَنحهُ رَئِيس الجُمهوريّة السابق الحبيب بُورقيبة وِسامًا لما حَقّقته المَدْرسة مِن نجاحات باهرة. فَفَجاجةُ المَحْكِيّ استحالت إلى موْضُوع لِلتَفَكّه بَعْد أن انتَظَر الناس عَوْدة عبْد العَزِير المُدِير مُحَمَّلًا بِالمال والهَدايا، والنتيجة "نيشان" وَخَيْبة انتِظار وَخَبَر ادِّعاء بورقيبة في رِواية عبْد العزيز المُدِير أنّه سَبَب النَجاح لِنشره التعليم وَمُداواة عُيون "الجريديّة" مِن الرَمد...
كُلّ المَواقف الصعْبة، تقريبا، استحالت في حِكايات صالح الحاجّة إلى مَواقف هَزْلِيّة، بِمَا في ذلك حدث المَوْت في "ازْرطِي [أَي ابْتَلعِي] يا حَفْصَة". هِي حِكايَة فَتاة غَصّت بِالتَمر إلى أن هَلكت. وَنِهايتُها جُنون "حفّة" العاشق الّذي لا يتَوقّف عن تِكْرار "ازرطِيني يا حَفْصَة... ازرطِي يا حَفْصَة".
إلَّا أنَّ المزاح يستحيل أحيانا إلى وَجَع نفسيّ حادّ، كَوَجَع "الحاج التُهامِي" في "حِكاية الحاج تُهامي نمْلة" الّذِي اعترضَ على مَجَلّة الأحوال الشخصيّة مُصَرّحا في إحدى جَلساته الخَمْرِيّة بِأَنّ بُورقيبة اتّخذ قَرار مَنْع تَعَدُّد الزوْجات لِأَنّ له خصْيَة واحدة. فَأُوقِف بَعْد الوِشاية به وَعُذِّب وَأُهِين وَحُوكمَ وَسُجِنَ ثُمّ أُطلق سَراحه بَعْد عام، وهو في أَسْوإ حال، مُتَشبّها في مَذَلّته بِالنَمْلة.
فَ "الضمار" (خِفّة رُوح الجريدي) ينتقل مِن تُوزر إلى تُونس العاصِمَة بِحِكايَة "بوعرّاقِيّة الجريدي ومُوريس اليَهُودِي يسكران على حِساب هَيْكل": بُوعرّاقِيّة النازح مِن تُوزر إلى العاصِمَة يبدأ حياته المِهنيّة صَبِيَّ بائع جرائد ثُمّ يُصبح مالك كُشك يُقبل عليْه عَدَد وَفِير مِن قُرَّاء الجَرائد وَالمَجَلّات، وَمِن بَيْنهم المُعجبون بِمَقالات مُحمّد حَسَنين هيْكل. وفي لَيْلة كُلّ سبت يستدعي "بُوعَرّاقِيّة" صَدِيقه "مُوريس" مالك الحَان إلى كُؤوس يحرصُ على دفع ثَمَنها مُكَرّرًا استِفادته الربحيّة مِن هَيْكل، واليَهُودِي لا يفهم معنى اسْم هَيْكل. مُفارَقة طَرِيفة حَوَّلَها صالح الحاجّة إلى إحدى حِكاياته الجريديّة العشرين. وإنْ أحْداثُها تقع بَعِيدًا عن تُوزر فَالرُوح الجريديّة المَرحَة ماثلةٌ فيها...
وَلِهذه الحِكايات وَجْهٌ آخر يَبْدُو مُوغلا في الجدّ حَدّ المَأساة، ك حِكاية "عَمّ سالم رُوبافِيكيَا... مغرفة
توزر
"، بائع الخُضَر الوَرَقِيّة أمام سُوق تُوزر الّذِي يعلم أَسْرار كُلّ عائلات تُوزر ويَتَكَتّم عليْها مُقابل ما يحصل عليْه مِن حَفاوة خاصّة مِن جُلّاس المقهى. وقد انتهت الحِكايَة إلى قَتْله ذَبْحًا. كما تَضَمّنت حِكاية "ولد أُمّ السَعْد عادَ إلى تُوزر لِيَموت" قَتْلًا آخر بِإقدام "كاربوناتُو" الحاقد على قتل الشابّ، وَحِيد أُمّه، العائد مِن
فرنسا
بَعْد أَعْوام...
إنَّ ذاكرة الحِكايات شَبِيهة في تعاقبها بِفُروع نخلة سامقة تحمل عراجِينها العشرين.
هُو الحَنِين إلى الأَصْل، إلى البِدايَات الأُولى وما عَقبَ ذلك مِن أحداث في حياة الفرْد والمَجْمُوعة التُوزريّة الّتِي ينتمي إليْها، وَإِنْ ارْتَحل الكاتب وَطَوّف في الآفاق البَعِيدة. وهو حَنِينٌ ماثل في كُلّ الحِكايَات بِفَائض المَحَبّة لِلْأَحضان الأُولى، والأحضان الأَخيرة، رُبّما، في قادم الأَعْوام.
وما الالْتِفات، هُنا، إلَّا بِدَافع حال راهنة، كَمَن يبحث له عن بَريق أَمَل، لَمْعَةِ فَرَح، هَبَّةِ انتِشاء بِهَذَا الّذِي كان وإن تَعَدّدت مَناخاته بَيْن حَدَّيْ الهَزل والجِدّ، الملهاة والمأساة، بَساطَة الحَياة سالِفًا، وإشكالها حادِثًا، كَالوارد في رِوايَة صالح الحاجّة الجَدِيدَة "حَرْقة إلى الطليان".
إنَّ لِهَذه "التَمرات" العشرين مَذاقًا خاصًّا: سَدى مُتقن جَمِيل يَلِيه سدى آخر، فَآخر. والجامع بَيْن الحِكايات أُسْلوب سَرْدِيّ شَيّق سَلِسٌ، وَفي المُقابل لَذَّة استقبال واستمتاع.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
صدَرَ حديثاً: "20تمرة جريديّة" لصالح الحاجّة
صلاح الدين المستاوي يكتب لكم: واصل يا صالح إتحافنا بإبداعا تك فيما بقي من عمرك المديد إن شاء الله
تأملات في محكيات" متع بالمجان" لمحمد عدناني
«راني درويش أخطاوني يرحم والديكم»
صدر اليوم : 20 تمرة جريدية للكاتب التونسي صالح الحاجّة
أبلغ عن إشهار غير لائق