الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا
اتحاد الشغل يردّ على شائعات "هروب الطبوبي": ملا تفاهات وأخبار زائفة!؟
تراجع نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي لشهر جويلية الى 3ر5 بالمائة
حريق هائل في جنوب فرنسا..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل
شنوّة بش يقرا ولدك في التاسعة أساسي؟ دليل الكتب لسنة 2025-2026
الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا
لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني
ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟
عاجل/ بعد اتهام سائحة بريطانية لمرافقها على المظلة الهوائية بالتحرش بها جنسيا: نقابة القواعد البحرية للتّنشيط السّياحي تفجرها وتكشف..
عاجل - يهم التونسيين : فرصة عمل في الكويت
مصر.. الداخلية تنفي صحة فيديو إباحي "لضابطي شرطة"
عاجل: أمريكا تضرب البرازيل بداية من اليوم برسوم جمركية جديدة
80 سنة تعدّت على جريمة هيروشيما: أول قنبلة نووية في التاريخ... أما تعرف شنية الحكاية؟
عاجل: خبير يصرح....براكين نائمة في تونس والمنطقة العربية وقد تتحوّل إلى تهديد حقيقي
وسط تنديد فلسطيني.. مايك جونسون يزور الحرم الإبراهيمي
اتهام بالتحرش بسائحة بريطانية في سوسة: كاتب عام نقابة التنشيط السياحي يوضح ويدعو إلى مقاضاة الادعاء بالباطل
أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو
عاجل : وفاة بطل كأس العالم مع منتخب ألمانيا
آيك أثينا يتعاقد مع الصربي لوكا يوفيتش
حرارة معتدلة ورياح شرقية: شنوّة يستنا فينا نهار 6 أوت؟
جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل
مكاتب التشغيل تبدّل النظام: ما عادش لازم تمشي، الكل ولى أونلاين
بلطي، يروي هموم الشباب وقضايا المجتمع ويصنع الفرجة على ركح المسرح الصيفي سيدي منصور بصفاقس
المنظمة الدولية للهجرة تدعُو إلى معالجة مخاطر الهجرة غير الشرعية..
طقس الاربعاء: الحرارة في ارتفاع طفيف
الهياكل العظمية الحية" تشعل الخلاف بين إسرائيل وفلسطين في مجلس الأمن
نصف قرن من الفنون... والكرّاكة ما زالت تنبض من 15 إلى 31 أوت الجاري
ولاية اريانة: جلسة عمل لمتابعة تقدم إنجاز مشروع إعادة تهيئة المسلخ البلدي برواد
مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة
مستقبل القصرين.. انهاء التعاقد مع ماهر القيزاني بالتراضي
عاجل/ جريمة مروعة: شابين يقتلان صديقهما حرقا..وهذه التفاصيل..
تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين
استراحة صيفية
غدا انطلاق موسم التخفيضات .. صولد غير جاذب للتاجر والمستهلك!
أضرار فلاحية في القصرين
تراجع نسبة التضخم في تونس خلال جويلية 2025 إلى 5.3 بالمائة
الرابطة المحترفة الاولى - طارق جراية ينسحب من تدريب مستقبل قابس
اللجنة الأولمبية التونسية تحتفي بالبطل العالمي أحمد الجوادي بعد إنجازه التاريخي في مونديال سنغافورة
طقس الليلة
قابس: وفاة شخصين وإصابة 7 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في حادث مرور بالطريق الوطنية رقم 1 بمارث
وزارة الشؤون الدينية تكرم مكتب حجيج تونس
الترجي الجرجيسي ينتدب المدافع مكرم الصغير
مهرجان سيدي بومخلوف الدولي : "الكاف تغني صليحة" عرض رائع امتع الحضور
زغوان: رفع 163 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية المنقضي
دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!
شنوّا يلزمك باش تاخذ قرض من بنك في تونس؟
عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش
عاجل: وفاة فنان مصري مشهور داخل دار المسنين بعد صراع مع المرض
مسؤول يوضح: ''لا اختراق شامل لمنظومة التوجيه... والتحقيق متواصل''
تأكلها يوميًا دون أن تعلم: أطعمة تقلل خطر السرطان ب60%
تُعطّس برشا ومكش مريض؟ هاو علاش!
التراث والوعي التاريخيّ
جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي
فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات
حملات لوحدات الشرطة البلدية تسفر عن القيام ب 54 عملية حجز
بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..
اكتشاف علاج واعد لأحد أخطر أنواع سرطان الدم
تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"20 تمرة جريديّة" لِصالح الحاجّة : لَيْس لنا في الأخير إلَّا الذكريات، بِها نحْيا وَمِن دُونها نَمُوت
مصطفى الكيلاني
نشر في
الصريح
يوم 23 - 06 - 2020
"المَوْت هُو لَيْل الذاكرة، وَمِن غَيْر ذاكرة نحن نَمُوت" (هانز جورج غادامير)
طِفلٌ دائم هُو الإنسان مَهْما تَقَدّم به العُمُر. والطِفلُ، هُنا، هُو ذاك الطَيْف القَدِيم المُتقادِم في عَمِيق إنّيّة صالح الحاجّة، كاتب "20 تمْرَة جريديّة" الصادر في هذه الأَيّام عن دار دِيار للنشر التُونسيّة. وهذا الطَيْف نَراه مُشرقا بِرُوح عاشِقة مُتيقِّظَة لما كانَ وبِما هُو خارج عن الزَمَن المِيقاتِيّ، كَدَيْمُومة مُتَكَرّرة بِثابت حَرَكَنها وَمُتَحَرِّك ثباتها، كما هِي نواةُ الإنِّيّ ((moi بِعَمِيق الأنا (je).
ويندفع صالح الحاجّة بِأَقصى الجُهد الكاتِب إلى عَمِيق جُوانِيّته بِعِشق جارف مُحايِث لِفائض رُوحه النابضة حَياةً. وَلِتُوزر، والجَريد التُونسيّ عامَّةً، مَحَبّةٌ خاصّة لدَيْه تُلائم تماما بَيْن ذات العاشق الولْهان وذات الأُمّ المعشُوقة، وهي مَحَبّة خاصّة لا يُدْركها إلَّا من خبر أقصى الحياة بِإدْراكِ أقصى المَوْت، وأقصى المَوْت بِأَقصى الحياة، وَمَنْ طَوَّف في أقاصِي الزَمَن وعاشَ الانتِصارات والانكِسارات وغالبَ بِنُبل الرَجُل المُحارب خُصوما أَكفّاء وغَيْر أَكفّاء، شُرَفاء وَلُؤماء، وعجّت في رُوحه أهْواء الأفراح والأتراح.
ب "عِشرين تمْرَة" أو "عِشرين حِكاية جريديّة يلتفت صالح الحاجّة إلى أوْقات ووضعيّات وَسِياقات مُتعاقبة ماثلة بِآثارها الّتِي لا تزال حَيّة في عَمِيق رُوحه المُعَنّاة المُنْتشية تَذَكُّرًا الجريحة المُكابرة إخفاءً لِعَنائها الحَرِيصة على التَعافِي في وقتٍ تُفَرّخ فيه الكراهيّة كراهيَّات المُصِرّة بِغَضبها الخافت أو المُخفَّت على الالْتِفات في طَريق مُعتمة إلى الوَراء البَعِيد والقَريب. فتنبجسُ مِن الداخل الجُوانِيّ الذكريات، المَشاهد، المَواقف، الوُجوه...
وتنتظم هذه الحِكايات- الذكريات بِخَيْط ناظم بَدْؤه نَجاح ابْن بائع الفُول الجريديّ في الدِراسَة وتخرّجه جَرَّاحًا... يَلِي ذلك حِكاية "الجَدّة فطيمة" كَأَنّها تختصر دَلالةً تُوزر بِأَصالة الأُنثى وَجَمال رُوحِها وبِحكْمتها البَسِيطة العَمِيقة وأقوالها وأفعالها المَرحة. و"للشيخ حَمُّودة البورطلّي" المُتَزهّد حِكاية هِي مِن تُراث الطُفولة الكاتِبة والمَجْمُوعة التُوزرِيّة، كَأَنْ يختصر المَحْكِيّ رُوح التَصَوّف في بلاد الجَريد ضمن التَصَوّف الشعبيّ العامّ وظاهرة انتِشار المزارات في
تونس
وبُلْدان المغرب العَرَبِيّ...
كذا يَتَجَلَّى بعضٌ مِن ذاكرة صالح الحاجّة في لحظة تداعيها الصَادق الجَميل بِالمُطابق وغيْر المُطابِق، رُبّما، للوقائع، وذلك بِتَأثير شهوة السَرْد وتَصَرُّف المخيال السارد عند رتْق مواطن سَدَى النسيان، كَأَيّ عَمَل استذكارِيّ يستحيل إلى كِتابة أَدَبِيّة. فَبِجَمالِيّة الحِكاية يختار صالح الحاجّة مواقف مَزْحِيّة مُتَدَاولَة في حَياة "الجريديّة" (سُكّان الجَريد التُونسيّ، وتُوزر تحديدا)، ك حِكايَة "المُولدي الجريدي يطلب شهادةَ وفاةٍ له" لِإحساسه بِالمَوْت نتيجةَ البطالة والفَقر والإفلاس وسعْيه إلى أن يُدْفن. فيوغل المحكِيّ في اللَّا- مَعْقُول بطلب مُوظّف البَلَدِيّة مِن المُولدي الجريديّ شهادة طبّيّة تُثبت وَفاته لِتَسْليمه الشَهادة في الدفن، ولا إمْكان لِلْحُصول عليْها لِأَنّه غيْر قادر على دفْع ثَمَنها في الأَخير.
وبِجَمالِيّة السرْد الحِكائيّ أَيْضًا يُحيي صالح الحاجّة ذكريات مِن زَمَن مَضَى وانقَضَى، بِفائض العِشق ذاته، بتيقّظ الرُوح تذهب بعيدا في "حِكايَة الصبابطي لا يَرى السَماء"، وهي حِكاية ماسِح الأحذية الفيْلسُوف يُدْرك في الحان وبِتأثير الكُؤوس فِيه ما يَصل ويُباعد بَيْن الإيمان والكُفر، ويحْيا الفَرَح والحُزن مَعًا، وَيُدْرك فرط الأَلَم في آنٍ واحد: حالٌ أُخرى عِشقيّة تُقارب وعي الكارثة وتَشِي بِمَرارة مِن أَلِف الانحِناء عِند مسْح الأحذية وَنَسِي السَماء، بل ما عادَ قادرا على التحْدِيق فيها بَعْد الّذِي أصابَ ظهره مِن تَقَوُّس.
مَوْقفٌ أو مشهد آخر مِن الحياة الاجتِماعيّة التُوزريّة يتجلّى في "سِي السعيد هارب مِن بورقيبة"'. ومَفاد الحِكاية مالك مَكْتبة لِلْأَدوات المدْرسِيّة مشهُور لدى النِساء بِإتقانه فَنّ المُغازَلة وَمُداوَمته عليْها أَرْعبتْه إحداهنّ بِإعلان كراهِيّتها لِبُورقيبة بِسَبَب منْعه لِتَعدّد الزوْجات، وهي الراغبة في الزَواج به: مَحْكِيٌّ يُحِيلنا إلى مُوَفَّى خمسينات القرْن الماضي، وخوْفٌ عامّ مِن دَوْلة الاستقلال الناشئة آنذاك.
وتحضر الطُرفة الجريديّة في "بغل عَمّ خليفة لم يحترم الوَزير" لِرَفضه جَرّ "الكالِيص" الّذِي رَكبه وَزِير الصِناعة في إحدى زِياراته التَفَقّدِيّة لِتُوزر والوالِي المُرافق له. وقد صَدّقَ الجَمِيع قَوْل الوالي بِتَحْوِيل
توزر
إلى مِنطقة صناعيّة إلَّا رئيس البَلَديّة والبغل الّذِي انضَمّ في الأخير إلى صَفّ المُعارَضة.
طرفة أُخرى
توزريّة
تَضَمّنتْها حِكاية "حَمّة الجريدي لم يحصل على تسكرة الفَقر": أَبٌ فَقِير يشتغل دافنَ مَوْتى يسعى لدى العُمدة لِتَحْصيل شهادة فَقر طَلبها مِنه مُدِير المَدْرسة لِتَوْفير الموادّ المدْرَسِيّة لِوَلده وَلُمْجة يَوْمِيّة. وَيَمُرّ العام مِن غيْر أن يلتحق الابْن بِالمَدْرسة لِأَنّ المُدِير لم يستلم شَهادَة الفَقر والعمدة مُمْتنع عن تسْلِيم الشَهادة لِحَمّة الجريدي في انتظِار الحُصول على رشوى...
وفي المُجتمع التُوزرِيّ شخصيّات طَرِيفة كَثيرة بِعَدَد "الجريديّة" ك "خليفة المهفّ" الّذِي دَرس في العِراق. وَلِأَنّ السُلْطة لم تعترف بِشهاداته اشتَغَل في متجر صغير مُداوما على الأكاذِيب وشَدّ أنظار جُلّاس المقهى إليْه، ومِن ادِّعاءاته إعلان صَداقته الحَمِيمة لِ صَدّام حسين وإعلامه لِلْحُضور مِن جُلاّس المَقهى بِأَن صديقه صَدّام قد يَزُور تُوزر ذات يَوْم لِيُقَضِّي بها بَقِيّة عُمُره...
وإلى "خليفة المهفّ" يَرِدُ ذِكْر "الشيخ عَبْد الحميد الجريدي يَقْرأ كَفّ الوالي". وبهذه الحِكاية يَرِد اعتقاد أهل الجَريد في الأَوْلياء الصالحين" وما سُمِيّ "شُيوخ البَركة" وقِراءة الكَفّ والتنْجِيم. وَالكُلّ مُعْتقدون في كَرامَة الشيخ المُدَّعِي، وَمِنهم الوَالِي.
وكما تَرد الدعابة في حِكايات صالح الحاجّة تحضر السُخْرِية في "خالتي كَرْموصة الجريديّة... لَوْلا "الفيس بوك" لَانتحرت". وَمَفاد المَحْكِيّ امْرَأة عَجُوز مُولَعة حَدّ الهَوَس بِالحاسُوب، وَبِشَبكة التَواصُل الاجتِماعِيّ (الفايسبُوك) تَحْدِيدًا، بَعْد أن ترمّلت، لِتَستأنس بِهَذا الجِهاز وتسْتَعِين به على وحدتها حَدّ الإدْمان عليْه.
وَلِحكاية "مِرقاز الكيلاني كاركارة" وَجْهٌ آخر لِلطَرافة. فقد تَفَطّن رِجال الشُرْطة لِغِشّ بائع المِرْقاز المغشُوش (النَقانق) المَصْنُوع مِن لَحم القِطَط السائبة. وتَوَهّم عدد مِن الأَوْلِياء أَنّ وُجوه أبنائهم تغيّرت وبدَتْ تُشبه وُجوه القِطَط، كما ظَنّت امْرَأة حامل أنّ جَنِينها قُطَيْط لِكَثرة أكْلها لِلْمِرْقاز المَغشُوش. وآخر الحِكايَة منْع الكيلاني كاركارة مِن مُواصَلة عَمَله بِمُحاكَمته وسجنه وَتَكاثُر القِطَط إثْر ذلك في شوارع تُوزر.
مَلْمَح آخر لِلْمَحْكِيّ هُو سَبّ الجَلالة والدِين عِند فرْط الغَضَب: عادَة جريديّة توقّف عندها الكاتب في ""دبُوزة غاز"" بِلْقاسم وزُلَيْخة هَزّت تُوزر". فتَصَدّر حَدَث الغَضَب الحِكاية، عَقِبَه الْتِجاه "بِسّة المدلّل" وَمَعه صَدِيقه "حسونة الأعْور" إلى الحَان لِيَحْتسيَا معا عَدَدًا وفيرا مِن الكُؤوس. وقد أَتْقن صالح الحاجّة أُسْلوب التشويق مُرْجئا بَيان سَبَب الغَضب إلى آخر الحِكاية: عَجزٌ عن الإنجاب وتحْمِيل الزَوْج مَسْؤوليّة ذلك للزوْجَة وتعنِيفها مِرارا إلى أن هجرت بَيْت الزَوْجِيّة في تِلك اللَّيْلة الّتِي أقدمَ فيها "بِسّة المدلّل" على الانتِحار بِتفجير قارُورة غاز.
وَمِن الطَرائف الّتِي تبدُو كثيرة الانتِشار في
توزر
حِكاية "نِيشان بورقيبة شَغَل الجريد": مُدِير مَدْرسة مَنحهُ رَئِيس الجُمهوريّة السابق الحبيب بُورقيبة وِسامًا لما حَقّقته المَدْرسة مِن نجاحات باهرة. فَفَجاجةُ المَحْكِيّ استحالت إلى موْضُوع لِلتَفَكّه بَعْد أن انتَظَر الناس عَوْدة عبْد العَزِير المُدِير مُحَمَّلًا بِالمال والهَدايا، والنتيجة "نيشان" وَخَيْبة انتِظار وَخَبَر ادِّعاء بورقيبة في رِواية عبْد العزيز المُدِير أنّه سَبَب النَجاح لِنشره التعليم وَمُداواة عُيون "الجريديّة" مِن الرَمد...
كُلّ المَواقف الصعْبة، تقريبا، استحالت في حِكايات صالح الحاجّة إلى مَواقف هَزْلِيّة، بِمَا في ذلك حدث المَوْت في "ازْرطِي [أَي ابْتَلعِي] يا حَفْصَة". هِي حِكايَة فَتاة غَصّت بِالتَمر إلى أن هَلكت. وَنِهايتُها جُنون "حفّة" العاشق الّذي لا يتَوقّف عن تِكْرار "ازرطِيني يا حَفْصَة... ازرطِي يا حَفْصَة".
إلَّا أنَّ المزاح يستحيل أحيانا إلى وَجَع نفسيّ حادّ، كَوَجَع "الحاج التُهامِي" في "حِكاية الحاج تُهامي نمْلة" الّذِي اعترضَ على مَجَلّة الأحوال الشخصيّة مُصَرّحا في إحدى جَلساته الخَمْرِيّة بِأَنّ بُورقيبة اتّخذ قَرار مَنْع تَعَدُّد الزوْجات لِأَنّ له خصْيَة واحدة. فَأُوقِف بَعْد الوِشاية به وَعُذِّب وَأُهِين وَحُوكمَ وَسُجِنَ ثُمّ أُطلق سَراحه بَعْد عام، وهو في أَسْوإ حال، مُتَشبّها في مَذَلّته بِالنَمْلة.
فَ "الضمار" (خِفّة رُوح الجريدي) ينتقل مِن تُوزر إلى تُونس العاصِمَة بِحِكايَة "بوعرّاقِيّة الجريدي ومُوريس اليَهُودِي يسكران على حِساب هَيْكل": بُوعرّاقِيّة النازح مِن تُوزر إلى العاصِمَة يبدأ حياته المِهنيّة صَبِيَّ بائع جرائد ثُمّ يُصبح مالك كُشك يُقبل عليْه عَدَد وَفِير مِن قُرَّاء الجَرائد وَالمَجَلّات، وَمِن بَيْنهم المُعجبون بِمَقالات مُحمّد حَسَنين هيْكل. وفي لَيْلة كُلّ سبت يستدعي "بُوعَرّاقِيّة" صَدِيقه "مُوريس" مالك الحَان إلى كُؤوس يحرصُ على دفع ثَمَنها مُكَرّرًا استِفادته الربحيّة مِن هَيْكل، واليَهُودِي لا يفهم معنى اسْم هَيْكل. مُفارَقة طَرِيفة حَوَّلَها صالح الحاجّة إلى إحدى حِكاياته الجريديّة العشرين. وإنْ أحْداثُها تقع بَعِيدًا عن تُوزر فَالرُوح الجريديّة المَرحَة ماثلةٌ فيها...
وَلِهذه الحِكايات وَجْهٌ آخر يَبْدُو مُوغلا في الجدّ حَدّ المَأساة، ك حِكاية "عَمّ سالم رُوبافِيكيَا... مغرفة
توزر
"، بائع الخُضَر الوَرَقِيّة أمام سُوق تُوزر الّذِي يعلم أَسْرار كُلّ عائلات تُوزر ويَتَكَتّم عليْها مُقابل ما يحصل عليْه مِن حَفاوة خاصّة مِن جُلّاس المقهى. وقد انتهت الحِكايَة إلى قَتْله ذَبْحًا. كما تَضَمّنت حِكاية "ولد أُمّ السَعْد عادَ إلى تُوزر لِيَموت" قَتْلًا آخر بِإقدام "كاربوناتُو" الحاقد على قتل الشابّ، وَحِيد أُمّه، العائد مِن
فرنسا
بَعْد أَعْوام...
إنَّ ذاكرة الحِكايات شَبِيهة في تعاقبها بِفُروع نخلة سامقة تحمل عراجِينها العشرين.
هُو الحَنِين إلى الأَصْل، إلى البِدايَات الأُولى وما عَقبَ ذلك مِن أحداث في حياة الفرْد والمَجْمُوعة التُوزريّة الّتِي ينتمي إليْها، وَإِنْ ارْتَحل الكاتب وَطَوّف في الآفاق البَعِيدة. وهو حَنِينٌ ماثل في كُلّ الحِكايَات بِفَائض المَحَبّة لِلْأَحضان الأُولى، والأحضان الأَخيرة، رُبّما، في قادم الأَعْوام.
وما الالْتِفات، هُنا، إلَّا بِدَافع حال راهنة، كَمَن يبحث له عن بَريق أَمَل، لَمْعَةِ فَرَح، هَبَّةِ انتِشاء بِهَذَا الّذِي كان وإن تَعَدّدت مَناخاته بَيْن حَدَّيْ الهَزل والجِدّ، الملهاة والمأساة، بَساطَة الحَياة سالِفًا، وإشكالها حادِثًا، كَالوارد في رِوايَة صالح الحاجّة الجَدِيدَة "حَرْقة إلى الطليان".
إنَّ لِهَذه "التَمرات" العشرين مَذاقًا خاصًّا: سَدى مُتقن جَمِيل يَلِيه سدى آخر، فَآخر. والجامع بَيْن الحِكايات أُسْلوب سَرْدِيّ شَيّق سَلِسٌ، وَفي المُقابل لَذَّة استقبال واستمتاع.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
صدَرَ حديثاً: "20تمرة جريديّة" لصالح الحاجّة
صلاح الدين المستاوي يكتب لكم: واصل يا صالح إتحافنا بإبداعا تك فيما بقي من عمرك المديد إن شاء الله
تأملات في محكيات" متع بالمجان" لمحمد عدناني
«راني درويش أخطاوني يرحم والديكم»
صدر اليوم : 20 تمرة جريدية للكاتب التونسي صالح الحاجّة
أبلغ عن إشهار غير لائق