يوم الخميس 25 جوان 2020 لن يكون يوما عاديا في تاريخ تونس السياسي وبالطبع لن يكون كذلك يوما كسائر أيام عمل مجلس نواب الشعب وهو يوم يضاف إلى قائمة الأيام الفارقة التي حصلت بعد الثورة وكانت مؤثرة في مرحلة الانتقال الديمقراطي وبناء تونس الجمهورية الثانية وقيمة هذا اليوم في كونه شهد مساءلة نواب الشعب لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ دامت منذ صباح يوم الخميس وتواصلت حتى فجر اليوم الموالي بسبب امتلاكه أسهما في شركة خاصة لها علاقة تعاقدية مع وزارة البيئة في موضوع معالجة النفايات ما اعتبر تضاربا في المصالح على معنى القانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في غرة أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح الذي يمنع الجمع بين الوظيفة السياسية والوظيفة التجارية ويمنع أن يكون للشخص منصب أو يزاول عملا في هيكل من هياكل الدولة وفي نفس الوقت يزاول نشاطا اقتصاديا أو تجاريا مرتبط وله علاقة مالية مع الدولة أو إحدى هياكلها و سبب هذه الأزمة العاصفة التي شغلت الكل وكانت حديث الشارع التونسي واعتنت بها الصحافة المحلية والعربية ما اتضح من خلال الوثائق التي تم الكشف عنها أن رئيس الحكومة يجمع بين وظيفته السياسية بصفته رئيس حكومة وصفته رجل أعمال ومستثمر في القطاع الخاص في مجال بيئي مع الدولة من وراء امتلاكه أسهما في شركة تجارية استفادت من صفقات مع الدولة. المقلق في هذه الموضوع هو أنه أثير في توقيت والبلاد مثقلة بكم كبير من المشاكل والأزمات و في ظرف لا يتحمل فيه الشعب مزيدا من الخيبات والهزات النفسية و في وقت أعلن فيه رئيس الحكومة أن شعار حكومته الوضوح والنزاهة ومحاربة الفساد فإذا بنا نستفيق على مصيبة وصدمة قادمة من عين الفساد ما جعل تداعياتها سيئة جدا على الحالة الذهنية والنفسية للشعب الذي لم يعد يتحمل مزيدا من فقدان الثقة في السياسيين الذين من يوم إلى آخر بأدائهم الهزيل والضعيف والمتهاوي يقدمون صورة سيئة جدا عن رجل السياسة المؤتمن على خدمة الشعب و إصلاح البلاد ومقاومة كل مظاهر الفساد والاخلالات التي تعيق البلاد عن النهوض من جديد . المقلق في كل هذا هو الوقت المهدور الذي يضيعه السياسيون في مناقشة قضايا لا يحتاج فيها إضاعة المزيد من وقت مشاكل البلاد وهموم الناس أولى به .. المقلق فيما سمعناه من ضجيج واتهامات وتشنج وردود فعل في غير محلها إزاء قضية على خطورتها هي من الوضوح الذي لا تستحق معه أن يبقى البرلمان إلى مطلع الفجر منشغلا بها .. المقلق فيما حصل هو ما سمعناه من شخصيات حزبية ومن حديث سياسي يحاول أصحابه الدفاع عن أمر من غير الممكن الدفاع عنه وبذل الجهد الضائع في تبرير ما لا يمكن تبريره .. المقلق أن نرى من يناور ويحاول أن يتعسف على النصوص القانونية الواضحة للدفاع عن مسألة مدانة .. المقلق أن يغرق الجميع في معركة الأرقام والتواريخ والوثائق والإثباتات وحرب أخرى في التأويل والفهم والآراء المتضاربة وهي مسألة متبعة ومقصودة الغاية منها تمييع القضية المهمة وإرباك المتابع حينما يلتبس عليه الموضوع وتحجب عنه الرؤية الواضحة وتضيع الحقيقة بين كم كبير من المعطيات . إن المقلق في كل ذلك هو أن هذه المسألة لو حصلت في بلد أوروبي أو في دولة من الدول التي ننعتها بالكفر وغير المؤمنة والمارقة عن الدين لكانت انتهت بعد ساعات قليلة من ظهورها بطريقة من الطرق من دون أن تخلف الكثير من الحيرة وإضاعة للوقت .. المقلق في هذه المسألة أنها واضحة وجلية ولا تحتاج كل هذا النقاش والحديث الواسع. المقلق أن ما حصل هو بكل بساطة تضارب للمصالح وقع فيه رئيس الحكومة عن جهل أو عن قلة دراية ومعرفة أو عن قلة إهتمام المهم أن الخطأ حاصل والمسؤولية السياسية واقعة بناء على منطوق الفصل 4 من قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح الذي عرف وضعية تضارب المصالح بالوضعية التي يكون فيها للشخص مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة يستخلصها لنفسه أو لغيره تؤثر أو من شأنها أن تؤثر على أدائه الموضوعي والنزيه والمحايد لواجباته المهنية وزاد الفصل 17 من نفس القانون بأن حجر على الأشخاص الجمع بين مهامهم التي يشغلونها في الدولة والمؤسسات العمومية والوظائف التي يشغلونها في الشركات الخاصة والمشاريع التجارية والاقتصادية التي لها علاقة تعاقدية بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات والمنشآت العمومية بصفة مباشرة أو غير مباشرة وزاد الفصل 20 بأن منع على الأشخاص ممارسة مهامهم التعاقدية بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية والمنشات العمومية اثناء ممارسة مهامهم . من كل ذلك نخلص إلى أن الملف الذي أمامنا يقع تحت طائلة وضعية تضارب للمصالح الذي يمنعه القانون بقطع النظر عن كل التفاصيل التي يريد البعض إغراق المشهد بها و أن وضعية رئيس الحكومة هي وضعية تضارب للمصالح طالما وأن له علاقة بشركة اقتصادية لها نشاط مع وزارة من وزارات الدولة يقطع النظر عن كل التواريخ والأرقام والمعطيات المشوشة للذهن .. إن المحصلة اليوم أنه لدينا رئيس حكومة هو في نفس الوقت رجل سياسة والمسؤول الأول في الدولة و بالتوازي مع ذلك يمارس نشاطا تجاريا من خلال امتلاكه لأسهم في شركة استفادت بصفقة من الدولة . إن المحصلة بلغتنا التونسية التي يحبذها رئيس الحكومة " نقطة وأرجع للسطر " .