من منّا لم يحلم بإكمال نصف دينه و تشييد وكر عائليّ سليم آمن دافئ يرى فيه صغاره يلعبون و يمرحون و يكبرون و يتعلّمون إستعدادا لبناء أوكارهم الخاصّة بهم و مواصلة رحلة سنّة الحياة ؟ من منّا لم يطرب لسماع رنين صوت رضيع يملؤ قلبه و قلب عشيرة عمره سعادة وإنشراحا و غبطة و أملا في مشاهدته يكبر و يربّي الرّيش و يجنّه عاليا و بكرامة و في طمأنينة يسعى و يدّخر و يبني و يعيش ؟ لكن ، و بصراحة ، ونحن نكتوي اليوم بلَفَح ظروف َعسيرة مريرة ضبابية و أزمات خانقة متواصلة متنامية لا تُنبئ بخير و لا بأوضاع مستقبلية مُرضيّة عادية ، مالفائدة في تشييد الأوكار و الإنجاب إذا لم نكن قادرين على أن نحسب للمستقبل ما وجب من الحساب و نسلّم المشعل للأبناء و الأحفاد وهو متقّد ثابت و ليس محتضرا خافتا على قاب قوسين من إنطفاء شعلته و تلف زيته و تعمّد رحمه تحت التّراب ؟ هل نسلّم إليهم هذا المشعل المتهالك بأيادي مرتجفة مرتعشة و ضمائر مشبوهة مرتبكة تاركين لهم البلاد و هي تغوص وتطفو في مستنقع هائج متقلّب ، شديد الحموضة و مليئ بأدواء الفتنة و التّعصّب و الإنحلال الأخلاقي و التّسيّب السّياسي وباقي مُحدثات التّفتّت و الإنهيار و التّلف و الخراب ؟ هل أصبحنا مثل تلك المخلوقات التي تتغازل و تتناسل و بعد أن تلد أو تبيض تهاجر نسلها و تترك صغارها يجابهون ، بمفردهم ، مخاطر الدنيا و يتعلّمون ، لوحدهم ، ضروريات البقاء على قيد الحياة ؟ إستيقظوا من غفْوتكم الثّقيلةالطّويلة وطهّورا أمخاخكم و نفوسهم من أدران الأنانية و أدواء تلك العقلية العمياء المَرَضيّة التي تتلخّص في تلك الجملة التي تقول :" أعيش حاضري و اليأتي الطّوفان بعدي.." ! يا ناس ، إنّها مسؤولية ، بما تمثّله هذه الكلمة من واجب التّبصّر و الإستشراف و التّضحية و الإلتزام بتسليم الأمانة لا منقوصة و لا مخدوشة و لا مغشوشة إلى فلذات أكبادنا حتّى لا يلعننا التّاريخ ويصنّفنا ضمن الأجيال الفاسدة المُفْسِدة العاجزة الإنتهازية ...