لم يَعُد خافيا على مُتابع أنّ الرئيس التركي "طيّب رَجَب أردوغان" بَرَعَ في استخدام الإسلام السياسي وأذرُعِهِ في تحقيق أطماع توسّعيّة مرجعيّتُها "التاريخيّة" عزمه على استرجاع الجغرافيا السياسيّة للإمبراطوريّة العثمانيّة السابقة تحت عنوان إقامة "الخلافة الإسلاميّة" مُجَدَّداً وتجنيد "المُجاهِدين الإسلاميين" عَبْرَ العالَم في هذا السّياق. وَمَن لَم يُبْتَلَ بانعِدام الذاكرة سيتذكّر أنّ مُقاتِلي تنظيم "داعش" عندما دخلوا الأراضي السوريّة قاموا بحراسة قبر جدّ السلاطين العثمانيين الذي كان في منطقة تحت سيطرتهم داخِل الأراضي السوريّة إلى أن نقلوا رفات ذلك الجدّ إلى الحدود السوريّة-التركيّة ، ولاحقا قاموا بمحاصرة مدينة عين العرب "كوباني " السورية من داخل الأراضي التركية وأمام نظَر قوات جيش أردوغان وأجهزة مخابراته. كما أنّ الأغلبية العظمى مِن الإرهابيين التكفيريين الذين دخلوا الأراضي السورية استقبلتهم المطارات تركية ومنها تمّ نقلُهُم إلى الحدود التركية مع سوريا بتنسيق مع الجهات التركية. وَيَذكر المُتابِعُون أنّ هؤلاء الإرهابيين القادِمِينَ مِن ليبيا إلى تركيا حملوا معهم موادَّ كيميائية كغاز السارين وغاز الخردل واستخدموها في الأراضي السورية لاتهام الجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية ، لكنّ هذه الجرائم لم تنطلِ على المجتمع الدولي ولا على المجتمع التركي بعد أن فضحت وسائل إعلام تركية نقل غاز السارين من ليبيا إلى الأراضي السورية عبر تركيا واضطرت المخابرات التركية إلى الاعتراف بذلك محاوِلةً استيعاب الفضيحة بإلقاء القبض على بعض الإرهابيين وادّعاء تحميلهم المسؤولية ثمّ تغييب الجريمة. فالتاريخ العثماني الصاخب بجرائم الإبادة ضدّ الأرمن والعلويين والسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين البنطيين وغيرهم لا يتوفّر على رادِع إنساني أو أخلاقي يثني "أردوعان" سليل سلطنة قامت على القتل وجرائم الإبادة داخل العائلة العثمانية الحاكمة وخارجها عن استخدام وسائل قذرة لتحقيق أطماعه القذرة . فهو ومسؤولو أنقرة مِن أتباعه لا يجدون حرَجاً في إطلاق التصريحات الانكشاريّة بأنّ طرابلس الليبية سَتُلْحَقُ بالدولة التركية مثلها مثل الموصل وكركوك العراقيتين وحلب وإدلب السوريّتين !، على زعم أنّ هذه المناطق وغيرها إرثٌ عثمانيٌّ سليب (طبعاً لم يجرؤ أردوغان وأتباعه على تصريحات مماثلة بشأن فلسطين المحتلّة مثلا كي لا يُزعج حلفائه الصهاينة). ومَن نشأ على ثقافة إبادة الشعوب ليصلَ إلى مصالحه المشبوهة لا يتورّع عن استخدام أسلحة الإبادة ، ومنها الأسلحة الكيميائية. وهذا ما نخشاه أن يحصل عاجلا أو آجِلاً في ليبيا التي تتوفر فيها هذه الأسلحة في أيدي ميليشيات مرتزقة أردوغان على غرار "أنصار الشريعة" و"داعش" وغيرهما. كان نظام العقيد معمّر القذّافي قد بنى ترسانة مِن الأسلحة الكيميائيّة ، ولكنّه سنة 2004 أبرم اتفاقيات دوليّة للتخلُّصِ مِنها ، وقد دَمَّرَ فعليّاً 60 بالمائة مِن هذه الترسانة ، وكان بصدد تدميرها نهائيّا ، لكنّ حلف "الناتو" دَمَّرَ نظام القذافي وَتَخَلَّصَ مِن الأخير غيلةً قبل أن تُصبِحَ ليبيا خالية مِن الأسلحة الكيميائية. كانت مواقع هذه الأسلحة المتبقية محروسة مِن جيش القذافي ، لكن مع تفكُّك الأخير سنة2011 باتت مُباحة للميليشيات الإرهابية المسلّحة، التي تسرح وتمرح تحت غطاء ما يُسمّى حكومة "الوفاق"، خاصّة في منطقة "رواغة" بمحافظة الجفرة حيث توجَد حاويات مِن الصاج مليئة بسوائل وغازات كيماوية مِن مادّة الخردل خاصّة. وحسب أحد شيوخ القبائل فقد تَعَرّضت هذه الحاويات في وقت مُبكّر للنهب. لقد رحَلَ القذّافي مُخَلِّفاً ثلاثة مواقع على الأقلّ تنطوي على أكثر مِن ألف طنّ مِن مَوادٍّ تُستَخْدَم في صناعة الأسلحة الكيميائيّة و20طنّا مُكَعّباً مِن الخردل الحارق للجلد البشري، ناهيكَ عن آلاف القنابل المُجَهَّزَة بخردَل الكبريت. لكنّ الأخطر تلك المصانع العسكرية للأسلحة الكيميائية في منطقة الجفرة(في رواغة ومدّان) ،و التي كانت تخضع لرقابة دوليّة، لأنّها كان تُنتِج أسلحة جاهزة للاستخدام ، ولا يُعْرَف بالضبط مآل تلك الأسلحة، وقد كان لا يزال فيها تسعة أطنان من غاز الخردل الفتّاك، علما أنّ بَعض الميليشيات كان قد اعترف باستيلائه على بَعض هذه الأسلحة وهدّد باستخدامِها .وسَبَقَ لمصدر عسكري ليبي أن نَشَرَ تسجيلاً مُصَوَّراً في منطقة "مزدة "على بُعد160كم من جنوب العاصمة الليبية طرابلس يُظْهِرُ بعض عناصر الميليشيات وهم بصدد تجريب أسلحة كيميائية استولوا عليها من مخزن لجيش القذافي في منطقة "مشروع اللوز" يقع في مغارات جبليّة على الطريق بين "بوجهيم" وَهون". وإذا كانت قيادة الجيش الوطني الليبي تؤكّد أنّها على علمٍ بوصول أسلحة كيميائية إلى أيدي الإرهابيين داخل ليبيا لكنّها تُحجم عن إعلان ذلك كي لا يدبّ الذُّعر في أوساط الأهالي ، إلّا أنّ تقارير نُشِرَت خارج ليبيا تجزم بأنّ الكثير مِن المواد والأسلحة الكيميائية التي نهبتها الميليشيات التكفيرية بِيعَت خارج ليبيا ، وإن كان مُؤكّداً أنّها وصلت إلى دارفور وشمالي مالي، فإنّ لا أحد يُمكنه أن ينفي بأنّها قد تصل –إن لم تكن قد وصلت- إلى أيدي خلايا نائمة خاصّةً وأنّ أخبارا تمَّ تداولُها عن وصول كميّات مِن غاز الخردل وغاز السارين السّامّ إلى أيدي عناصر تنظيم "داعش". إنّ أردوغان بصدد استنساخ السيناريو الذي اعتمده في شمال سوريا وشمال العراق عبر إشاعة الفوضى "الخلّاقة". وَإذا كانت الميليشيات الإرهابيّة التكفيريّة المسلّحة في ليبيا كافّة تَعمل بشكل مُباشر أو غير مُباشر بالتنسيق مع أردوغان وتحت إشراف قيادته الإخوانيّة ، فإنَّ الحكومتين الجزائرية والتونسية مُطالبتان باليقظة والحذر وتكبيل نشاط أردوغان في ليبيا قبل أن يتمدّد إلى بلديهما وينال مِن مصالحهما الوطنية العليا ، كما أنّ المجتمَع الدّولي بأسْرِهِ مُطالَبٌ بالتصدّي الحاسم لسياسة أردوغان الذي يُطْلِق أذرعه العسكريّة الإجراميّة الإرهابيّة فتنشر الموتَ والدّمار مِن سوريا إلى الصومال وَمِن العراق إلى ليبيا ، وَ يبتزّ المجتمع الدولي بالمرتزقة الذين أدمنوا القتل في المدن السورية وأريافها مُستثمِراً مأساة الشعب الليبي الشقيق بَعدَ أن سَبَقَ وأن ابتَزَّ أوربّا بهجرة اللاجئين السوريين الذين صَنَع أردوغان مأساتهم واستثمرَها.