وبعد أن فشلت كلّ محاولات بن يوسف للقاء المندوب السامي الفرنسي وتيقّن "من فشل مساعيه لربط الصلة بالمندوب السامي الفرنسي "طلب أن يحضر لدى شارل سوماني في بيته لتوضيح موقفه وكشف حقيقة خصمه لكن سوماني في آخر لحظة فضّل أن يتمّ الحديث خارج بيته وهذا له دلالته. إذن الحديث مع "شارل سوماني" سيدور كما أسلفت ذكره حول محورين رئيسيّن أوّلهما سيوضّح بن يوسف موقفه من فرنسا أي علاقته بها والثاني هو كشف موقفه من خصمه أي بورقيبة… وسأبدأ بالمحور الأوّل أي ما قاله بن يوسف لسوماني في ما له علاقة بتوضيح موقفه أي علاقته بفرنسا حيث قال: "إنّه لأمر مُدْهِش... يَخْلقون لي شخصيّة ليجعلوا منّي العدوّ الأوّل لفرنسا لقد وقفتُ ضدّ العصابات وقمتُ شخصيّا باستنكار العنف عند طريق بعثة أرسلها" إدريس الأوّل" ملك ليبيا لحمل بورقيبة قصد ضمّ صوته لصوتي لنقيم الدليل عن طريق نكث( معاهدة الاستقلال الداخلي) على أنّ الأمر لا يتعلّق إلّا بخلاف نظري حول مبادئ الاستقلال والاستقلال الداخلي ولا أرغب في إيجاد وضع يعطّل السير الذي دشّنته تونس نحو التحرير »..(انتهى كلام بن يوسف) إذن بن يوسف ينكر أمام فرنسا أن يكون وراء التحريض وتسليح اليوسفييّن وإدخال المرتزق لتونس وتكوين جيش التحرير وتسليحه لتعطيل وإلغاء وثيقة الاستقلال الداخلي هو يعتبر نفسه صديقا لفرنسا لذلك فهو مندهش من أن يجعلوا منه العدوّ الأوّل لفرنسا بل أكثر من ذلك فهذه الوثيقة ليست "خطوة للوراء" وليس هي خيانة ارتكبها بورقيبة بل هي "تدشينا للسير نحو تحرير تونس" الذي بدأه بورقيبة فسبحان مبدّل الأحوال فهل هذا الذي يقول بن يوسف هو جزء من الجَزْرَةِ التي سيقدّمها بن يوسف لفرنسا من خلال حواره مع سوماني بعد أن لوّح بالعصا في مناسبات سابقة؟ ويواصل بن يوسف قائلا" لسيموني:" في ما يخصّ مهمّتي الشرقيّة فلنتجنّب الاستسلام للمبالغ إنّي أريد أن يتحصّل الغرب على شخصيّته الدوليّة وأعلم أنه ينبغي أن يستعمل الغرب هذه الشخصيّة المكتسبة' (شخصيّة بن يوسف في علاقته مع الشرق) من جديد بالاشتراك مع فرنسا حسب صيغة تكون موضوع تفاوض وذلك لأنّ فرنسا هي التي صنعتنا ولأنّه لا يمكن لنا أن نقوم بشيء في العالم بدونها ولأنّنا تعودنا عليه لا أريد إلّا أن أكون سفيرا لفرنسا عند الشرق وأنا الوحيد الذي له تأثير يسمح لفرنسا بأن تستمدّ من هذه المنطقة كل الفائدة الأخلاقيّة والماديّة الناجمة عمّا قامتْ به من تضحيات وعن التضحيات التي تمكّنني منها. هذه أوراقي وأوراق فرنسا لما تريدون منّي أن أنقص من حظوظي عند وقوع مفاوضات محتملة وقد أصبح لا مناص منها "(انتهى كلام بن يوسف) أجدني مضطرّا لأن أشرح قليلا ما أراد أن يبلّغه بن يوسف لفرنسا لأنّه تعمّد نوعا من عدم الوضوح فهو يقول :" إنّ علاقتي بالشرق كبيرة وأنا قادر على أخذ هذا الشرق للمعسكر الذي أريد وإنّ أريد أن يتحصّل الغرب على شخصيته الدوليّة لكن هذا سوف لن يكون إلّا على يد فرنسا بعد التفاوض معها لأنّ فرنسا هي التي صنعتنا ولأنّه لا يمكن أن نقوم بشيء في العالم بدونها لأنّنا تعودنا عليه لا أريد إلّا أن أكون سفيرا لفرنسا...ما هذا الإغراء وما هذه الوعود فإنّ بن يوسف يعد فرنسا بعد التفاوض معها طبعا –حول حظّه من مصير تونس-بأن يجعل منها زعيمة العالم الغربي(المحور الغربي) ويجعل دول المشرق والمغرب العربي منحازة لهذا العالم إن لم تكن تحت سيطرة هذا المحور بدون أن ننسى أنّنا وقتها نعيش في عهد المحاور وقد يكون قد قصد كذلك ما له من تأثير على مؤتمر باندوغ لعدم الانحياز .. .فبماذا سأعلّق على هذا؟ "بن يوسف" يريد أن يكون سفير فرنسا لدى الشرق وهو يريد أن يتفاوض- حسب صيغة معيّنة- مع فرنسا ليساعدها بهذه الشخصية المكتسبة والتي هي قريبه جدّا من الشرق - -لأنّه الوحيد الذي له تأثير يسمح لفرنسا بأن تستمدّ من هذه المنطقة (الشرق والمغرب) كلّ الفائدة الأخلاقيّة والماديّة جزاء لها(لفرنسا) عمّا قامتْ به من تضحيات والذي سيمكّنه من القيام بهذه المهمّة هي الأوراق التي بيديه والتي هي في نفس الوقت أوراق فرنسا. فلماذا هذا السخاء اليُوسفي مع فرنسا حيث وعدها بأن يمكّنها من الشرق والمغرب؟ نجد الجواب عند بن يوسف إذ يقول :"لأنّ فرنسا هي التي صنعتنا ولأنّه لا يمكن أن نقوم بشيء في العالم بدونها ولأنّنا تعودنا عليه" هذا من حيث المبدإ وثانيا من أجل تمكينه من المشاركة في المفاوضات حول الاستقلال التام الذي هو آت ولا مناص منه . .عندما قرأتُ هذا للمرّة الأولى وهو موثّق في وثيقة تاريخيّة أصليّة لم أصدّق ما وقعت عليه نظري إذ هذا الذي قاله الزعيم بن يوسف لم يقله حثالة الحثالة من الفرنكفونييّن الذين يعتبرهم العُرُوبيون من أتباع بن يوسف عملاء فرنسا وزعيمهم في العمالة هو بورقيبة ومن هذه المقتطفات نستشفّ الشخصيّة الأولى لبن يوسف إذ هو أزاح اللثام عن قدرته على المناورة على المستوى المغاربي والعربي وإعلام الطرف الفرنسي أنّه يملك أوراقا تسمح لفرنسا أن يستمرّ تأثيرها وأن تعود عليها بالفائدة فهو إذا يضع نفسه في خدمة فرنسا ومصالحها المرتبطة بمصالح الغرب فإن لا نسمّي هذا خيانة لعرب الشرق وحتى لسكّان المغرب العربي فماذا نسميه؟. ذلك أنّ بن يوسف صرّح أنّه سيضع الثقة التي وضعها فيه المشارقة والمغاربة وكذلك دول عدم الانحياز في خدمة فرنسا خدمة تعود عليها ماديّا خاصة فهل هذا هو الجُزْء الثاني من الجزرة التي يقدّمها لفرنسا أليس هذا هو الاستعمار الجديد وهل هنالك عمالة أفضع من هذه العمالة ؟ . فلماذا يفعل بن يوسف كلّ هذا لماذا يبيع نفسه لفرنسا ويعمل بكلّ الوسائل أن ينال رضاها؟ الجواب سيكون في المحور الثاني من الحوار الذي عنوانه "كشف حقيقة خصمه". يتبع