يواصل الأخ سالم الحداد تعداد مواقف الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف من جميع المسائل الماثلة أمامهما والتباينات الشخصية الحاصلة بينهما ويسأل في هذا الإطار ما هي القضايا التي افترقا واختلفا حولهما وما هي المسائل التي إلتقيا حولها. واستكمالا للحلقة الأولى يقول ما هو موقف الرجلين من دعم القضية الفلسطينية بتحفظ تشكيل حكومة شنيق الثانية تجاوبا مع الوعود الإصلاحية الفرنسية دخول المواجهة المحدودة مع فرنسا حتى تقبل التفاوض هذه المسائل وغيرها كانت محل اتفاق بين رأسي الحزب، مَنْ كان في تونس ومَنْ كان غائبا عنها، ولم يكن يفرق بينهما إلا أمران هما : أن كلا منهما كان يسعى لأن يمتلك الساحة الوطنية وأن يسيطر على فعالياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي إرهاصات المجتمع المدني أن كلا منهما يحاول أن يكون المخاطب الكفء لفرنسا دون الآخر. .وهذا ما سعى إليه كلمنهما :فقد عمل ابن يوسف في غياب بورقيبة من 1945 إلى 1949على تعزيز دوره السياسي في مؤتمر ليلة القدر سنة 1946،وفي مؤتمر دار سليم1948 ، وعلى إحاطة الحزب بمجموعة من المنظمات المهنية، اتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة وعلى نسج علاقات مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وبدأ يربط علاقات مع المقيم العام من خلال المساعدة على التهدئة. وكذلك فعل بورقيبة عندما عجل بالرجوع لتونس من القاهرة 1949 بعدما تأكد أن خصمه بدأ يسحب البساط من تحت قدميه، فأتى ببرنامج إصلاحي مضاد يتنزل ضمن صراع الحرب الباردة ويحظى بمساندة الولاياتالمتحدة، تم بمقتضاه خروج الاتحاد من الجامعة النقابية العالمية اليسارية وانضمامه للجامعة الدولية للنقابات الحرة الليبرالية، وانسحابه من منظمة الحرية والسلام وطرد سليمان بن سليمان من الحزب ثم قدم مشروعا إصلاحيا لفرنسا تم بمقتضاه تشكيل حكومة شنيق الثانية التي لم تلبث أن تنكرت لها فرنسا.فالخلافات حينئذ لم يكن مصدرها لا تكوين شخصية الرجلين ولا رؤية كل منهما لمستقبل تونس بل فرنسا التي كانت تمسك بخيوط اللعبة و تحركها من وراء الستار، فقد تعاونت مع ابن يوسف في تونس إلى أن قويت شوكته، وحتى تضعفه وتمزق صفوف الحركة النقابية استقدمت بورقيبة من القاهرة. هكذا كان الوضع قبل الاستقلال، فمتى تفجرت هذه الخلافات؟ وكيف تفجرت ومن فجرها وما هي خلفية تفجيرها؟ الصراع اليوسفي البورقيبي :متى وكيف ومَنْ ولماذا؟ إن الإجابة البسيطة هي أن الخلافات بدأت تطل برأسها مع اتفاقية الاستقلال الداخلي سنة 1955 التي لم تكن في مستوى التضحيات التي قدمها الشعب التونسي. لكن المحلل التاريخي الذي يروم الحقيقة عليه أن يصل إلى عمق الحدث فيعرف أهدافه البعيدة والقريبة، ولا يتسنى له ذلك إلا بمعرفة الأطراف الفاعلة فيه؟ والظروف الإقليمية والدولية الحافة ؟ هذا ما سأحاول أن أقوم به . أبادر إلى القول بأن هذه الاتفاقيات أتت كبداية لإحباط المشروع العربي التحرري الوحدوي الذي وجد صداه لدى أبناء المغرب العربي، فليس من مصلحة فرنسا لا عاجلا أو آجلا أن يتسرب هذا الصوت العائد من أعماق التاريخ وأن يستنهض النائمين من سباتهم وأن يفتح لهم آفاقا للتحرر والنهضة وآمالا للوحدة والسيادة، لذا كان عليها أن تحبط كل هذه المساعي بكل الطرق بما في ذلك اغتيال قابيل لأخيه هابيل.وحتى نتبين ذلك أطرح بعض التساؤلات : من الذي اختار توقيت التفاوض ؟ومن وضع شروطه؟ وهل كان ذلك اعتباطا أم لغايات مرسومة؟ من المعروف أن فرنسا هي التي اختارت التوقيت المناسب لها وهو بداية انطلاق الثورة الجزائرية التي اندلعت شرارتها في 1 نوفمبر 1954. ألم يكن الهدف هو الحيلولة دون تلاحم قوى التحرر في المغرب العربي ومحاصرة الثورة الجزائرية وقطع المدد العسكري الذي يأتيها عبر الحدود التونسيةوالجزائرية حتى تئدها في المهد ؟ ثم من الذي اختار الطرف التونسي الذي ستفاوض معه ؟ ألم تكن فرنسا أيضا هي التي اختارت هذا الطرف عندما اشترطت ألا يضم الوفد التفاوضي « أي شخص له علاقة براديو القاهرة أو اشتكى للأمم المتحدة»؟ فما معنى «العلاقة براديو القاهرة «؟ فمن هو التونسي أو العربي الذي لا يستمع لصوت العرب في تلك المرحلة؟ إن القضية هي أبعد من الاستماع؟ إنها تتعلق بالانخراط في المشروع القومي البديل المستقبلي للحضور الاستعماري. وهل تقديم شكوى سياسية بفرنسا الدولة المحتلة جريمة سياسية؟ ومن الذي قدم القضية، أليست حكومة شنيق ممثلة في الوزير صالح بن يوسف والوزير محمد بدرة التي حرص بورقيبة على تشكيلها، رغم اعتراض العديد من الفعاليات الوطنية حتى من داخل الحزب نفسه؟ لكن الأغرب أن يستجيب بورقيبة لهذا الشرط ويستبعد رفيقه، وهو من ترغب فرنسا في إبعاده، ويعين أخلص الناس إليه في تلك المرحلة وخاصة المنجي سليم ومحمد المصمودي. بذلك تكون فرنسا اللاعب الرئيسي في ساحة المغرب العربي، فهي التي اختارت نصيرها وأتاحت له فرص النجاح وقدمت كل وسائل الدعم الإداري والإعلامي والعسكري واختارت خصمها وهمشته وحاربت أنصاره وغطت على كل الجرائم السياسية التي ارتكبت ضدهم بما فيه جريمة اغتيال صالح بن يوسف التي لم يكشف عن تفاصيلها إلا بورقيبة نفسه افتخارا بما فعل وهو رئيس دولة ؟ والأهم من كل ذلك أن تختار فرنسا توقيت التفاوض حتى تقطع الطريق على الثورة الجزائرية وتئدها في المهد. كل هذا يتنزل ضمن التصدي للمشروع القومي سواء على مستوى المغرب العربي أو على مستوى العلاقة بين المشرق والمغرب، وهل أدل على ذلك من العدوان الثلاثي الذي كانت فرنسا أحد أطرافه والذي كان يستهدف تجفيف منابع حركات التحرر في المغرب العربي وأساسا في الجزائر وإطفاء الشمعة التي بدأت تضيء الدروب المظلمة أمام الجماهير العربية.إن الصراع الذي تدور رحاه على مستوى المغرب العربي في أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات كان بين مشروعين منطلقهما واحد هو : أين سيكون مستقبل المغرب العربي؟ هل هو ضمن الاتحاد الفرنسي كما يرغب الاشتراكيون الفرنسيون وأنصار المشروع من اليمين واليسار من الفرنسيين أو حتى من أبناء المستعمرات الذين تم احتواؤهم أم الاستقلال التام عنها والالتحاق بالأسرة العربية ومنظمة الأممالمتحدة كما رسمه مؤتمر ليلة القدر سنة 1946وميثاق المغرب العربي وهو الهدف الذي ما لبث يتشبث به الوطنيون؟ وعلى مستوى هذين الخيارين هل يمكن أن نسم المشروع القومي ابتداء بوحدة المغرب العربي وصولا إلى وحدة الأمة بأنه مشروع تقليدي يتشبث بالماضي ويعادي الحداثة، ألم تكن إحدى ركائز المشروع هي الحرية: حرية الوطن وحرية المواطن، وبذلك يعاد للمواطن العربي اعتباره كذات فردية وجماعية إنسانية كبلتها عصور الانحطاط والظلم والقهر والاستعمار؟ وهل يمكن تحقيق هذه الأهداف بعيدا عن الجماهير وطموحها إلى العدالة الاجتماعية؟ أليس كل ذلك رهينا بمدى اكتسابها للمعرفة ومزاحمتها للأمم الراقية التي تستعمرنا ولم تستغل شعوبنا إلا بهذا السبق؟ إن المعرفة هي مفتاح أي تغيير نحو التقدم وبدونها تتعطل آليات التطور، ومن هنا كان حرص المشروع القومي على جعل التعليم في مقدمة سلم الاهتمامات. ولا يتوقف هذا المشروع على ديمقراطية التعليم بفتح المدارس أمام الأجيال الصاعدة من البنين والبنات فحسب بل إن المؤسسة التعليمية لا تستكمل مهمتها النهضوية إلا باستحداث مؤسسات للبحث العلمي في مختلف الاختصاصات وخاصة في المجالات الإستراتيجية، تكون رافدا للمؤسسة التعليمية. وهذا ما لا يستطيع أي قطر بمفرده أن يوفره، لا من حيث الاعتمادات المالية فحسب بل كذلك من حيث الإطارات المؤهلة للقيام بهذا العمل، وهذا سبب من أسباب هجرة الأدمغة إلى البلدان المتقدمة. وتكاد البلاد العربية تكون مثالا للدول التي لا تولي أهمية كافية للبحوث العلمية إلا بشكل محدود رغم حاجتها الأكيدة إليها.ومتى كان الشعب التونسي وحتى في أحلك العهود جاحدا لفضل العلم أو مقصرا في طلبه ؟ ألم يكن ذلك مطلبه الملح منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عبر العرائض الشعبية المطالبة بفتح المدارس؟ ألم يكن تعصير التعليم مطلبا لجامع الزيتونة نفسه حتى يكون قادرا على التأقلم مع التحولات السريعة التي أحدثتها الحماية؟ هل هناك أفق آخر لتونس غير التعليم؟ فلماذا نجعل التعليم هبة أو منّا وخيارا يميز فريقا دون آخر؟ وعلى مستوى مستقبل نظام الحكم، مَن من الزعيمين تجرأ على طرح نوعية النظام هل هو ملكي أم جمهوري ؟ وهل من مصلحة أي منهما أن يفعل ذلك والصراع لم يحسم بعدُ والعائلة الملكية مازالت لم تسقط منها كل أوراقها ؟ وهل نتصور أن هذا الخيار سيتحدد بمعزل عن فرنسا ورهاناتها؟ هل كان اختيار النظام الملكي في المغرب والجمهوري في تونس بمعزل عنها بالرغم من الفوارق بين الأسرتين على العديد من المستويات؟ إن خيار نوعية النظام لم يطرح إلا بعد أن حسم الصراع لفائدة بورقيبة بمساعدة فرنسا.الخيار الاقتصادي والاجتماعي للرجلين نتيجة لغياب أي مشروع اقتصادي أو اجتماعي للمتنافسين أو للحزب نفسه فإن المحللين التجأوا إلى القوى المدعمة للطرفين ليستخلصوا منها التوجه الاجتماعي والاقتصادي لكل منهما وهو نفس الأسلوب الذي توخاه الأخ عميرة فقيّم منزع كل منهما من خلال المنظمات والشرائح المدعمة للرجلين، فمشروع بورقيبة هو مشروع « تونس الطبقات الوسطى والبورجوازية الصغيرة والموظفين والعملة والمثقفين التحرريين والليبراليين « ومشروع ابن يوسف هو مشروع «تونس الملاكين الكبار والبورجوازية والعائلات الكبرى وأعيان الأرياف وأعيان المخزن والمتورطين مع الاستعمار والخائفين على مصالحهم «. سبق أن أشرت إلى أن كلا الرجلين ينتمي إلى المدرسة الليبرالية وهذه ميزة كل القيادات السياسية في تونس وفي الوطن العربي في تلك الفترة فهي إفراز للطبقة الوسطى التي قادت حركة التحرر في تونس وفي كل أقطار الوطن العربي باستثناء الجزائر، وهذا ما جعلها تقف في منتصف الطريق. وتتكون أساسا من المحامين والأطباء والمثقفين الذين ساعدتهم ظروفهم الميسورة على الدراسة في مدارس محظوظة في بلدانهم ثم الالتحاق بالجامعات الأوروبية ويجابهون المستعمر انطلاقا من منظومته القانونية. ولا نجد في أدبيات حزب الدستور أي نص يشير إلى الاشتراكية باستثناء ما عرف به سليمان بن سليمان والذي رفضه بورقيبة في نطاق الحرب الباردة ثم أحمد بن صالح لكن في إطار الاتحاد العام التونسي للشغل ومن أجله حورب.غير أن الأخ عميرة أهمل هذا المعطى الموضوعي واستند إلى المنظمات والشرائح التي وقفت وراء كل منهما، والسؤال هو متى يكون هذا الانضمام معيارا لتقييم نمط الخيار الاقتصادي أو الاجتماعي؟ هل احترمت قيادات هذه المنظمات إرادة مناضليها فعادت إلى قواعدها وهياكلها للحسم في هذه القضية المفصلية؟ أم أن القضية لا تخرج عن بعض المناورات السياسية التي جرت مع بعض القيادات التي قامت بمبادرات شخصية؟ إن الاصطفاف الذي وقع كان نتيجة لمناورات سياسية أتقنها بورقيبة وساعدته عليها الظروف الحافة، ومن أهمها دعم الإدارة الفرنسية بكل هياكلها الاقتصادية والأمنية والعسكرية له، وليس من مصلحة هذه المنظمات أن تدخل في مغامرات والحال أنها لم تدخلها من قبل باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قام على الصبغة النضالية ولا يمكن أن يكون غير ذلك خلافا لبقية المنظمات التي من مصلحتها استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي . فأين يتجلى ذلك على مستوى المنظمة الشغيلة؟ الاتحاد العام التونسي للشغل والصراع اليوسفي البورقيبي تميزت العلاقة بين الاتحاد بالحزب منذ التأسيس بالموضوعية غير أن هذا لم يمنع من وجود علاقات شخصية بين قادة التنظيمين ، فمن المعروف أن علاقة ابن يوسف مع حشاد كانت وطيدة خلافا لعلاقته المتوترة مع عاشور. فقد استطاع ابن يوسف أن ينسج علاقة مع فرحات حشاد ومع الاتحاد العام منذ التأسيس وكان مستشار الاتحاد القانوني وهو الذي عمل على إبعاد الفاضل بن عاشور خوفا من البلْدية، ونفس الدور قام به هو في نطاق الحزب بعد الشعبية التي نالها إثر مؤتمر ليلة القدر، فهو صراع بين أرستقراطية متأصلة وبورجوازية صغيرة ناشئة، وبداية من هذه الفترة بدأ الحزب يستدرج قيادة الاتحاد إلى خطه السياسي الذي بلغ حد التبعية، وكثيرا ما حذر المثقفون حشاد من الانسياق وراء الحزب، ويبدو أنه أدرك هذا الخطأ لكن بعد فوات الأوان سنة1951، وحاول أن يتداركه فأعلن عن رغبته في تأسيس حزب سياسي على غرار الأحزاب الاسكندينافية لكنه جوبه بأن ذلك تمزيق لصفوف الحركة الوطنية في وقت هي أحوج ما تكون إلى الوحدة. لذا لا اعتقد أن حشاد لو كان حيا سيقف إلى جانب بورقيبة وربما أخذ الصراع مجرى آخر على مستوى الاتحاد على الأقل، وهنا تطرح إشكالات أخرى ليس هذا مجالها. ومع تفجر الخلاف فإن الذي وفر الفضاء الآمن للحبيب بورقيبة لعقد مؤتمره الأول في صفاقس بعد الاستقلال وضمن له حماية ألفين من النقابيين هو الحبيب عاشور وكان ذلك بمبادرة فردية وليس قرارا قاعديا أو هيكليا، ويعود ذلك إلى خلافه مع صالح بن يوسف الذي تخلف عن زيارة المساجين النقابيين بعد معركة 5 أوت1947 فاستفزه عاشور قائلا :»كم تكاليف أتعابك حتى ندفعها لك « فآخذ حشاد عاشور على استفزازه لابن يوسف، خلافا للمحامي الهادي نويرة الذي أدى دوره ، ومع ذلك فإن عاشور كتب في مذكراته أنه حاول التوفيق بين الرجلين، لكنه وجد أن كلا منهما «سفيه». وعندما احتد الصراع بين الصراع بين الحكومة والاتحاد في السبعينات والثمانينات، كان عاشور يُذكّر بورقيبة بدوره في تغليبه على خصومه منها صراعه مع ابن يوسف 1956 ومع الليبراليين سنة 1971أما أحمد بن صالح فإنه لم يعلن دعمه لبورقيبة في بداية صراعه مع صالح بن يوسف بل كان حذرا جدا وينبه النقابيين من الانخراط في العنف لأنه كان يحمل مشروعا يتناقض معهما، وهو العارف ببنية الحزب وآفاقها وحدود تصوراتها، وقد سبق لقيادة الحزب أن اعترضت على قيادته للمنظمة في المؤتمر الخامس، وهو ضد» الطرابيش»رمز البورجوازية الناشئة، وقد ورد في شهادة حامد زغل في مؤتمر صفاقس أن ابن صالح صرح قائلا أثناء المؤتمر»: إن بورقيبة سينزل بنفس السرعة التي صعد بها» والتصريح الوحيد المدعم للاتفاقية هو تصريحه الذي أعلن فيه» لو كان في الاتفاقية بند واحد يمنحنا فرصة تأسيس مجلس تشريعي لقبلتها» ثم اكتشف أن بورقيبه يراوغ عندما تفاهم معه أن يؤجل طرد ابن يوسف حتى يتاح مزيد من الوقت للتفاهم، لكنه لم يكن يرغب في ذلك فبادر بإصدار القرار ليقطع الطريق على كل وساطة، إذاك تحول بن يوسف لجامع الزيتونة ليعلن بداية القطيعة.وقد تمكن بورقيبة قبيل المؤتمر من استدراج بعض القيادات النقابية حيث دعا بعضهم إلى مقره في رحبة الغنم وأغراهم بالمساهمة في بناء الدولة. كما أنه من الضروري أن ننفض الغبار عن لبس تاريخي حول اللائحة الاجتماعية التي كثيرا ما يستغلها النقابيون الوزراء من أنصار بورقيبة ويبررون بها دعمهم له والتي تؤكد الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للاتحاد والتي تبناها الحزب في مؤتمر صفاقس، فهذه اللائحة لم تكن من وضعهم بل إن الذي صاغها هو المهندس الطاهر عميرة، وهو نقابي وكان يشرف على تدريب المقاومين التونسيين في ليبيا وحضر مؤتمر باندوغ صحبة صالح بن يوسف وعايش فعالياته الثورية ومن هذا المؤتمر انطلقت حركة دول عدم الانحياز التي قادها نهرو وتيتو وعبد الناصر. وقد انسحب الطاهر عميرة من مؤتمر صفاقس مع من انسحب من ولاية تونس العاصمة الموالية لابن يوسف احتجاجا على تهميشهم.