لم ينتظر المتتبعون لأحداث الساحة السياسية الساخنة والمتقلبة طويلا .. ولم يستغرق الأمر كثيرا من الوقت للتفاعل مع مخرجات اجتماع مجلس الشورى لحركة النهضة المنعقد يوم الأحد 12 جويلية الجاري للنظر في موضوع شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة بعد أن حسمت الحركة أمرها في هذا الموضوع في اتجاه إنهاء مسؤولية إلياس الفخفاخ على رأس الحكومة وإعطاء تكليف لرئيس الحركة راشد الغنوشي بإجراء مشاورات ومفاوضات مع رئيس الجمهورية ومختلف الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد والبحث عن حل لأزمة تضارب المصالح التي تلاحق إلياس الفخفاخ واقتراح بديل له، حتى جاء الرد سريعا ودون تريث من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال اجتماع جمعه بعد ظهر يوم الإثنين 13 جويلية الجاري مع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي والذي توجه فيه بخطاب واضح ومباشر وصريح لحركة النهضة حيث أبدى رفضا قاطعا لما دعت إليه الحركة من الدخول في مشاورات من أجل تغيير رئيس الحكومة ونفى أن يكون قد حصل اتفاق أو مشاورات مع أي من الأحزاب السياسية حول هذا الموضوع في إشارة إلى ما تم تداوله في الآونة الأخيرة من تسريبات في بعض وسائل الإعلام العربية حول ما دار في لقاء الغنوشي بقيس سعيد من حصول اتفاق بين الرجلين للدخول في ترتيبات لما بعد مرحلة الفخفاخ و اعتبر أن من يروج لهذا الأمر هو من يفتري على رئيس الدولة في رسالة واضحة تصف بالافتراء كل ما قيل في اجتماع مجلس شورى النهضة من حصول توافق بين الغنوشي وقيس سعيد على إنهاء حكم الفخفاخ وزاد بأن أكد على أنه لن يجري مشاورات مع أي كان حول موضوع بقاء الفخفاخ من عدمه على رأس الحكومة ما دام هذا الأخير لم يستقيل أو توجه إليه لائحة لوم أو تسحب منه الثقة وهي الآليات القانونية التي سمح بها الدستور لتنحي رئيس الحكومة من منصبه وما دام الوضع على ما هو عليه من عدم استعمال الآليات الدستورية لتنحية رئيس الحكومة فإنه لا مجال للحديث عن مشاورات من أجل تشكيل حكومة جديدة ولا حديث عن تغيير رئيس الحكومة ووفق هذا التحليل فإن إلياس الفخفاخ حسب قيس سعيد يبقى رئيسا للحكومة و بصلاحيات كاملة ويتمتع بوضع قانوني ودستوري سليم وانهى كلمته بقوله إن هذا الكلام هو للتاريخ حتى يسجل ويكتب أن رئيس الجمهورية لم يقبل بمطلب حركة النهضة للدخول في مشاورات معها من أجل مستقبل الفخفاخ وأنه في هذا السياق لن يقبل لا بالابتزاز ولا المساومة ولا بالمناورات ولا بالعمل بقرارات الغرف المغلقة. الواضح من خلال هذا الحديث الذي توجه به قيس سعيد إلى حركة النهضة رأسا وإن كان لم يسمها بالإسم أنه ينتصر للشخصية التي جاء بها ورشحها لتتولى منصب رئيس الحكومة .. وواضح كذلك أن إلياس الفخفاخ رغم كل الذي حصل يحضى اليوم بدعم كامل من رئيس الجمهورية في أزمة تضارب المصالح التي تلاحقه .. وواضح أيضا أن الصورة التي جمعت قيس سعيد والفخفاخ ونور الدين الطبوبي على رمزيتها قد حدد من خلالها قيس سعيد وجهته السياسية القادمة وحدد تحالفاته السياسية واختار شركاءه في الحكم للفترة المقبلة واختار في هذا اللقاء جلب المنظمة الشغيلة إليه لتوفير قدر من الهدوء لحكومة الفخفاخ التي يدعمها حتى تواصل في الحكم بعيدا عن الهزات الاجتماعية التي قد يحدثها الاتحاد في قادم الأيام والبلاد مقبلة على انفجار إجتماعي كبير وحتى يتفرغ للمعارك السياسية القادمة بعد أن فتح النار على حركة النهضة وأعلن الحرب عليها وفتح معها جبهة قتال في لا نعلم ارتداداتها. إن المحير في حديث رئيس الجمهورية الأخير و اعتبر غير مفهوم هو استبعاده الحديث عن شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة وتجاهله لكل التهم الموجهة إليه بخصوص الجمع بين المنصب السياسي والعمل في شركة خاصة لها ارتباط مهني ومالي مع الدولة وتواصل هذا الارتباط حنى بعد توليه الوزارة .. إن المحير في كلام قيس سعيد هو لماذا لم يتعرض إلى أزمة تضارب المصالح التي هي اليوم موضوع تحقيق جهات ثلاث قضائية وبرلمانية ودستورية وهو يرد على مطلب حركة النهضة البدء في مشاورات حول أزمة الحكم التي وراءها رئيس الحكومة ؟ إن المقلق اليوم هو أن رئيس الجمهورية قد دافع عن رئيس الحكومة من دون أن يوضح لنا موقفه من مسألة تضارب المصالح التي تلاحق الشخصية التي رشحها لمنصب رئيس الحكومة وقال بأنها هي الشخصية الأكثر كفاءة ؟ أن المحير والذي لم يفهمه الكثير من الناس هو لماذا لم يتعرض إلى الجانب القانوني والسياسي والأخلاقي في شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة وهو الحريص دوما على تطبيق القانون والدستور ؟ أن المدهش في كلمة قيس سعيد هو اعتبار أن مقترح النهضة هو نوع من الابتزاز والمناورة ومن عمل الغرف المغلقة من دون أن يلتفت إلى خطورة شبهة تضارب المصالح على العمل الحكومي وعلى صورة الدولة عند الناس حينما يشاهد الشعب كيف تحمي الدولة الفساد وتدافع عنه .. لماذا لم ينتبه قيس سعيد إلى أن مخرجات اجتماع شورى النهضة قد تكون محاولة لإنقاذ صورة الحكومة ورئيسها والائتلاف الحاكم التي تضررت واهتزت كثيرا بسبب أزمة تضارب المصالح التي تلاحق الفخفاخ مما يستوجب من رئيس الدولة إعادة تقدير الموقف من أداء رئيس الحكومة وأداء حتى الحكومة برمتها إن لزم الأمر ؟ ما لم يفهم في كلمة رئيس الجمهورية فضلا عن استعماله معجما لغويا فيه الكثير من ألفاظ الحرب والاتهام والتخوين وهي مسألة من حيث الخطاب التواصلي غير لائقة برئيس دولة في علاقته بمكونات المشهد السياسي ، غياب القلق لديه من حالة التفكك التي يشهدها الائتلاف الحاكم الفاقد للتضامن المطلوب و المتعارف عليه في مثل هذا النوع من الحكم القائم على الائتلاف الحزبي التعددي وعدم قلقه من التحقيقات التي تجرى اليوم للتثبت من وجود شبهة تضارب المصالح التي ترافق رئيس الحكومة والذي أكدته هيأة مكافحة الفساد على لسان رئيسها شوقي الطبيب ما جعل إلياس الفخفاح يتحول إلى عبء ثقيل على الحكومة وأزمة تزادا إلى الأزمات الكثيرة التي تعاني منها البلاد . ما لم يفهم وتحول إلى قلق هو لماذا أغلق قيس السعيد الباب أمام التشاور لمحاولة الخروج بالبلاد من هذه الأزمة السياسية التي تسبب فيها رئيس الحكومة بجمعه بين منصبين متضاربين في نفس الوقت وتمسك بحرفية النصوص القانونية الدستورية والحال أنه في عالم السياسة فإن بعض الأزمات السياسية الحادة والدقيقة تحل على خارج أحكام الدستور والقانون ومن خلال التجربة والممارسة الديمقراطية التي قد تكون أسلم وأفضل من إدخال البلاد والعباد في المجهول والاحتقان والصراعات الزائدة والانقسامات المدمرة والدفع بالجميع نحو أفق مسدود ليس له من مخرج وفتح نعارك البلاد لا تحتاجها ؟ فهل تسرع قيس سعيد الرد على مبادرة النهضة ؟ وهل أخطأ رئيس الجمهورية حينما هول من مخرجات مجلس شورى النهضة وحملها ما لا تحتمل ؟ وفي الأخير هل جانب رئيس الدولة الصواب حينما سكت عن لب الموضوع وغيب جوهره وهو وجود شبهة تضارب مصالح حقيقية وجدية تلاحق رئيس الحكومة وتمسك بشكليات الكلام وبالقراءة الحرفية للدستور؟