لم تفتني قراءة الاستاذ مصطفى الكيلاني لرواية صالح الحاجة : -حرقة الى الطليان- والتي قراتها قبله وعلقت عليها بما تيسر. لكن الذي جاء اخيرا بقراءة الاستاذ الكيلاني لتلك الرواية دفعني لاعادة قراءة الرواية من جديد ولكن لم تؤثر قراءتي هذه فيما فهمته وأدركته في قراءتي الاولى التي ابيت ان اتصور بان ساردها يمكن أن يكون هو بطلها ولو للحظة حتى وان عثر سي مصطفى على علاقة ما بين الرواية و" 20 تمرة جريدية " التي اصدرتها قبل ايام " دارديار للنشر " لنفس المؤلف ... تذكرت أني قلت في تعليقي عن تلك الرواية المشوقة جدا والهادفة والذي نشرته بهذا الموقع بتاريخ 13/11/2019. قلت انني أشفق أن يكون كاتبها قد تعمد أن يكون هو البطل فيها، وذلك لأنني احبه وأربأ به من تقمص لدور واحد من تلكم الادوار المسيئة اليه، والتي في تقديري لا تتماشى معه ولا مع طبعه لأنها لا تتناسب مع ذلك الانسان الطيب الوديع الذي عرفته، وكم جلست اليه، وقرات له ما كان يكتبه في جريدة الصباح واختها الصدى قبل ان ينشئ جريدته الصريح الورقية التي داوم على كتابة بطاقته اليومية الشهيرة فيها. لم اكتف بذلك التعليق ورأيت ان ازيد عليه بهذه الدردشة القصيرة بعدما قرات ما تفضل به الاستاذ الكيلاني الذي أطنب وقام بنقاش صاحب الرواية متبعا في ذلك أسلوبا علميا وقواعد لا يملكها غير خبير متمكن من قواعد النقد الادبي وعلى قلة معرفتي وعدم اختصاصي في هذه المادة ارجو بأن يسمح لي الأستاذ الكيلاني بالتطفل وتقديم قراءتي المتواضعة هذه المرة، متمسكا بما كتبته عنها في الورقة التي اشرت اليها الان بالمناسبة. لقد وجدت نفسي متفقا معه فيما ذهب اليه في بعض المقاطع من تلك الرواية وفي فهمه وخاصة فيما تتشابه فيها هجرة التونسيين في هذه السنوات حرقا في قوارب الموت لبلاد الطليان أو لأوروبا تفتيشا عن شغل أو إقامة وحتى لتجارة في الممنوعات أو المحرمات إن لزم الامر. إنها لم تكن بالبدعة التي ظهرت عندنا بل سبقتنا فيها افواج من الصقليين والمالطيين منذ عقود بطريقة معاكسة، وتلك هي من سنن التداول التي اوجبها التاريخ. كانت الهجرة وقتها من شمال البحر الابيض المتوسط لجنوبه وبمئات الآلاف في سفن أكبر علانية زمن المجاعة عندهم وقد وجدوا وقتها عندنا ملاذا آمنا، لما كانوا عن شغل أو عيش كريم يبحثون. وتأكيدا لما أكتب يمكن رؤية اثارهم في نهج المالطيين بالعاصمة وفي حي صقلية الصغرى الباقية أثارها الى اليوم شاهدة عليهم، ومثلهما في المدن الكبرى التي تقع على ضفاف البحر الأبيض المتوسط كدليل على ذلك. حقا انهم كانوا يتقنون صناعة ما لم تكن موجودة عندنا بكثرة مثل زراعة الخضر الفصلية والعنب وتربية الماعز والتشييد والبناء والميكانيك وخدمة الاعيان من الميسورين عندنا وخاصة في قيادة العربات المجرورة بالخيل، على سبيل التذكير قبل انتشار السيارة. لقد كان لهم الاستعمار الفرنسي أحسن سند ومعين فاندمجوا بيسر مع كبار المعمرين الاجانب الذين تركوا لهم بعض الفتات في الزراعة والخدمات التي لا تتماشى مع دين اهل البلد. لقد تبدلت الأوضاع من وقتها وتخلصنا من الاستعمار وقمنا بتاميم الاراضي وبات التونسيون في حاجة للشغل وتحسين احوالهم فبات البعض يسعى للهجرة لأوروبا التي فتحت أبوابها في ستينات القرن الماضي في زمن نهضتها وتطورها الصناعي والاقتصادي وكانت في اشد الحاجة لليد العاملة. أتذكر وانا في السلطة المحلية وقتها أننا كنا نعدهم ونرسلهم طبق اتفاقيات وشروط واضحة تصمن لهم الحد الأدنى في الاقامة والاجر الأدنى، ولكن ذلك انتهى بسقوط حائط برلين وتوسع الاتحاد الأوروبي ودخول البلدان التي كانت وراء الستار الحديدي وباتت عندهم مفضلة باعتبار الأصل والدين وأشياء أخرى لا فائدة من ذكرها. اما ما اثار انتباه الاستاذ الكيلاني في تلك الرواية ما تعلق بالخلاف البورقيبي اليوسفي، وتلك هي حقيقة عشتها كما عاشها كاتب تلك الرواية ورأيت كيف ينقلب الاخ على اخيه ويتمنى له الموت ويساعد عليه ان اقتضى الامر ذلك. وهو الذي يجري الان بيننا بعد الثورة المختلف عليها والتي أصبح الكل ضد الكل بدون اسباب مقنعة ، وتعطلت بذلك مسيرة الدولة ولم نجد من كبار القوم من يطفئ تلك الجمرة المستفحل اشتعالها ويرد هؤلاء للحقيقة ووجوب التعايش المشترك المفروض علينا كلنا. ومن المؤسف انه لم يقتصر علينا وحدنا كتونسيين بل امتد التيار الى بلدان عربية اخرى كمصر وليبيا وسوريا والعراق والسودان واليمن التي باتت تحت قصف هؤلاء من يزعمون الانفراد بالحقيقة المطلقة وبالاخوة الكاذبة في الدين واللغة. قد تكون مؤامرة تسلطت علينا، او دعوة شر نفذت فينا، بعدما عم الكذب عندنا والنفاق وبات البعض منا عميلا جهرة لمحور الشر الذي شنها علينا حربا بدون سبب يذكر الا تقمص دور الشيطان بعدما كثر مالهم وخفت عقولهم وركبهم غرور العظمة. قد يكون ذلك الكلام خارج السياق ولكن للقاري ان يأخذ العبرة مما يقصده الكاتب من تلميحات، رواية للتاريخ او للتذكير به سعيا للإفادة ودعوة القوم اليقظة بعد الغفلة. وبالمناسبة أختم كلامي لاؤكد ان هذه الدردشة ماهي الا تجديد لاعجابي السابق بما كنت عبرت عنه لما كان كتبه الاستاذ مصطفى الكيلاني عن 20 تمرة جريدية لصالح الحاجة التي خصها بقراءة مفيدة، وازددت اعجابا بسي مصطفى لمًا قرات كل الذي اثرى به رواية : " حرقة الى الطليان " واعترف انه صعب علينا المهمة لاننا بدأنا نتطفل على ميدان ليس من اختصاصنا. لذلك اقول بالرغم من ذلك بان النقد عادة يعتبر مكملا للكتابة وجزء لا يتجزأ من الموضوع الذي يطرق، وكنت عادة ارجي قراءته لما بعد القراءة الأولى حتى لا أتأثر به. وفي النهاية اتمنى انني قد أدركت مقاصد الكاتب فيما اراده وذهب اليه ومقاصد الناقد أيضا لأننا في القانون نشترط المقصد من كل فعل نفعله أو نتركه لانه وحده الذي يؤاخذ عليه في الجزاء. تونس في21/07/2020