أتحفنا الصديق صالح الحاجّة بعد روايته «حرقة للطليان» بمجموعة قصص لها علاقة بالجريد وما يُعرف عن أهله من ذكاء وطرافة، مجمّعا ذلك كله في كتاب من الحجم المتوسط في 95 صفحة فيها 19 قصة قصيرة معبرة ذات عناوين متنوعة ومختلفة قرأتها في جلسة لشدة طرافتها وجاذبية الأحداث التي لم يكن بعضها غريبا عليّ، وانا الذي كنت في يوم من الايام واليا على تلك الجهة الغنية بالطرافة والأدب والثقافة وخاصة النوادر الظريفة التي احسن عَبَد القادر مقداد ذلك المبدع تجسيمها في روايته المشهورة «حمّة الجريدي» التي ما زالت تُعرض وتجد رواجا ومتابعة في هذه الأيام التي التزمنا فيها الاعتكاف ببيوتنا خوفا من عدوى وباء كورونا المستورد من الصين التي باتت مصدر لكل صناعة. لقد تكرم عليً كاتب تلك المجموعة القصصية بنسخة أنيقة في إخراجها وشكلها وحسن تبويبها شدتني ولم اغادر مقعدي قبل ان آتي عليها. ذكرتني بما كان يُقال عن الجريد واصحابه وقد انتشرت طرائفهم وحكاياتهم التي باتت خاصية ينفرد بذكرها بعض المتحذلقين ممن يُحسنون روايتها في المجالس الخاصة. عرفت كاتبها ببطاقته الشهيرة التي كانت تلخص بروماتر السياسة وتطوراتها وما غاب عن القارئ، وكانت الركن الاساسي في جريدة «الصريح» لما كانت الصحافة صحافة. وبعدها أصبحت لي معه صحبة وموّدة وجلسة يومية نلتقي فيها مع مجموعة من الاصدقاء نتقارب في السن والتفكير، في مقهى عادية جدا كائنة بالمنار ودون كلفة. كنت أتابع ما كان يكتبه في الماضي بجريدة الصباح لما كانت الصحيفة الاكثر قراءة وانتشارا، ولكنني لم اكن أعرف انه كان قصاصا ماهرا وكاتب روايات قبل ان يهديني روايته «حرقة للطليان» في السنة الماضية، وكنت كتبت لكم عنها. اما مجموعته القصصية هذه التي اكتب لكم عنها فقد أخذتني اكثر، وقرأتها بشوق لانها لخصت كل عجائب الجريد والجريدية بذكاء ومعنى، وحتى النقد الخفيف الذي لم يسلموا منه. لقد وجدت تلك القصص تمثل تعبيرا صادقا عن جهة من الجمهورية التونسية كانت لها خصوصيتها وأدبها وشعرها وطرق حياتها وفلسفة اهلها التي هوّنت عليهم قساوة الحياة فيها. لذلك قررت ان لا أحرمكم من قراءة ذلك الكتاب كله، ولاني كرهت تلخيصه وعجزت عن تقمص اي دور فيه. ولكنه بقراءته ستزدادون معرفة وعلما، ولن تندموا على ذلك ابدا في تقديري. وأخيرا لم يبق لي بهذا التقديم السريع الا الاشادة بمواهب الاخ صالح الحاجّة الذي أحسن صنعا لما كشف لنا هذه الموهبة الجديدة التي كانت عنا مخفية. تونس في 19 جوان 2020