من لم يعش أحداث 1978 بأيّامها و لياليها الصّاخبة الدّامية المنفجرة المرعبة و أجوائها الخانقة المثقّلة بأدخنة الحرائق و روائح البارود و الغاز المسيل للدّموع ، و شوارعها و أزقّتها الملطّخة بدماء المصابين من الجرحى المستغيثين و القتلى المرميّين على قارعة الطّريق .... من لم يعش تلك الفترة المريرة المروّعة القاسية العصيبة ، كما عشناها نحن آنذاك و عانينا من شدّة لفح هجيرها ، لا يمكنه أن يتصوّر مدى خطورة و حجم مخلّفات مثل تلك الأوضاع الصّعبة الحرجة المدمّرة للعباد والبلاد والتي أيقضت فينا ، بغتة ، غرائز التّوحّش و أدواء الكراهية و العنف و العداوة والبغضاء و النّقمة و الضّغائن و الأحقاد.. علينا إذًا أن نستخلص العبرة من التّاريخ القريب و حتّى البعيد ونحكّم العقل و نوجد الحلول ، وهي موجودة ، و نستقيها من منابع الحكمة و التعقّل و الحوار المسؤول و المنطق الحضاري المترفّع المعقول..... قدَرنا أن نتسامح و نتناصح و نتباحث و نتناقش بهدوء و تحضّر و نوجد ، معا ، الحلول الممكنة المناسبة لمشاكلنا التي لا تحصى و لا تعدّ ... قدرنا أن نجتهد و ننسجم و نتّفق ، و ليس العكس ، لأنّنا لو لم ننجح ، لا قدّر الله ، في هذا الإمتحان المصيريّ المفصليّ الوشيك ، فسوف يكون الوطن بأسره هو الخاسر ، بمن فيه و ما عليه ، من حاكم و محكوم و طائر و زاحف و سابح ونابت و والد و مولود... بربّكم ... إتّفقوا ، و لا تجعلوا ذلك التّاريخ الأسود يعيد نفسه و تلك الأيام الملتهبة القاتمة القاتلة توقد نارها من جديد من تحت رماد التعنّت و التعصّب و التّسردك و فرض قانون القوّة و اتّباع سياسة الجري الأعمى نحو حافّة الهُوة..