في زيارة ثانية غير معلنة في ظرف ثلاثة أسابيع التقى الوفد الأوروبي الإيطالي الذي يضم وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي والمفوض الأوروبي لسياسة الجوار والمفوض الأوروبي للشؤون الداخلية و وزيرة الداخلية الإيطالية كلا من الرئيس قيس سعيد ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال هشام المشيشي وكاتبة الدولة المكلفة بتصريف أعمال وزارة الشؤون الخارجية سلمى النيفر إلى جانب السيد رمضان بن عمر المتحدث بإسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي حضر بدوره هذا اللقاء الذي تناول تداعيات موضوع هجرة الآلاف من التونسيين إلى السواحل الايطالية بحثا عن وضع أفضل ومستقبل موهوم في عملية عبور غير شرعية للحدود التونسية الايطالية البحرية والمخاوف التي يبديها الجانب الإيطالي من تواصل تدفق المهاجرين التونسيين والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه العملية على الداخل الإيطالي حيث عبر الإيطاليون عن قلق كبير من عدم قيام الجانب التونسي بأي اجراءات من أجل الحد من هذه الظاهرة التي امتدت واتسعت أكثر جراء اهتمام الحكومة الايطالية بمقاومة جائحة كورونا. ان المفيد الذي نخرج به من هذا اللقاء التونسي الإيطالي الأوروبي حول ظاهرة " الحرقة " التي يقوم بها الكثير من الشباب التونسي باستعمال قوارب الموت في رحلة بحرية قد تكون من دون رجعة وفي الكثير من الأحيان تنتهي يموت الكثيرين غرقى في عرض البحر، المفيد في التصريح الذي أدلى به ممثل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية السيد رمضان بن عمر الذي اعتبر أن النقاش الذي دار بين الوفدين قد أوضح أنه بقدر ما كان الوفد الإيطالي و الأوروبي واضحا في نظرته للهجرة غير الشرعية وصريحا قي موقفه من الظاهرة ومن الحلول المقترحة بقدر ما كان الجانب التونسي فاقدا لإستراتيجية واضحة وسياسة ناجعة وتغيب عنه الحلول العملية للأسباب التي كانت وراء الظاهرة فإذا كان الايطاليون والأوروبيون قد أعلنوا صراحة عن قرارهم رفض استقبال المهاجرين التونسيين القادمين دون تراخيص سفر وضرورة عودتهم القصرية من حيث جاؤوا ورفض بقائهم فوق أراضيها تحت أي مبرر من المبررات ومواصلتهم في نفس السياسة القديمة القائمة على المقاربة الأمنية من خلال توفير المساعدات المالية والاقتصادية وخاصة التعاون الأمني لحماية الحدود البحرية .. إذا كان الجانب الإيطالي في رؤيته واضحا وفي موقفه صريحا فإن ما لمسناه في حديث الجانب التونسي هو أن موقفه كان ضبابيا واكتفى بمجرد إعلان نوايا عامة معالمها غير واضحة ولا تحل المشكل حيث أكد الرئيس قيس سعيد في كلمته خلال هذا اللقاء " عن استعداد تونس المستمر لتطوير العلاقات والتعاون مع جميع الأطراف وإيجاد الحلول الكفيلة للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية »… وأضاف رمضان بن عمر القول : إن الذي غاب في هذا اللقاء أن الجانب التونسي لم يناقش السياقات التاريخية التي انتجت الاتفاق السابق مع الجانب الإيطالي والذي جعل من تونس حارسا للحدود البحرية الإيطالية لكل عمليات التسلل التي يقوم بها التونسيون والمهاجرون الأفارقة بعد أن تحولت تونس إلى منطقة عبور نحو أوروبا ذلك أن السياقات القديمة التي جعلت من المهاجرين التونسيين غير مرغوب فيهم وغير مقبولين في إيطاليا وجعلت الدولة التونسية إزاء هذه السياسة الأوروبية للهجرة تكتفي بمساعدات مالية واقتصادية ولوجستية لحماية السواحل الايطالية قد تغيرت .. اليوم الهجرة إلى إيطالية قد تحولت إلى واقع وحقيقة لم يعد ممكنا التعامل معها وفق النظرة القديمة التي تكتفي بمجرد تقديم مساعدات في الجانب الأمني .. اليوم التصور القديم الذي يقوم على فكرة حرية التبادل بدل تبادل الحرية لم يعد مقبولا فأوروبا تريد من تونس اتفاقا يفسح المجال لتدفق السلع الأوروبية ويسمح للفرد الأوروبي بحرية كبيرة للتنقل في حين أن هذا السياق الذي انتج هذا الواقع قد تغير نحو اقرار اتفاق جديد يقوم على تبادل الحريات فكما تسمح تونس بحرية مطلقة لتنقل السلع والأفراد في بلادنا فان المعاملة بالمثل والمعاملة المتساوية تقتضي أن يسمح الجانب الايطالي كذلك بحرية التنقل للأفراد التونسيين . اليوم الهجرة غير الشرعية أو ما اصطلح على تسميته " بالحرقة " لم تعد مجرد ظاهرة وإنما أصبحت حقيقة وواقعا سوف يتواصل ولن يتوقف رغم الرقابة المشددة لمنع التسلل نحو السواحل الايطالية مما حولها من إمكانية وحل اضطراري لتحسين الوضع الاجتماعي إلى حق يستمد شرعيته من موقع تونس كشريك متميز بالنسبة للاتحاد الأوروبي ومما يقوله الأوروبيون عن الثورة التونسية والوقوف إلى جانبها في هذه المرحلة من الانتقال نحو الديمقراطية ومن واجب المساندة التي ما فتئوا يعلنون عنها لإنجاح الثورة التونسية من أجل ذلك فان المقاربة السياسية والأمنية لم تعد مفيدة وفقدت واقعيتها نحو تبني مقاربة جديدة تقوم على الاعتراف بالحقوق والحريات للمهاجربن التونسيين لكن الخوف كل الخوف أن تكون هذه الزيارة غير المعلنة التي أداها الوفد الإيطالي و الأوروبي إلى بلادنا مناسبة لإجراء مفاوضات موازية في الكواليس من أجل إمضاء اتفاق جديد يقنن لما بعرف اليوم " بإعادة القبول " الذي يشرع الترحيل القصري للتونسيين فقط من دون كل المهاجرين القادمين من القارة الاوروبية وكذلك ترحيل كل الجنسيات التي تعلن للجانب الإيطالي أنها انطلقت من السواحل التونسية. ما يقلق اليوم بعد هذا النقاش في موضوع الهجرة غير الشرعية هو الوقوف على أنه لا الرئاسة ولا الحكومة يملكان سياسة واضحة ولا استراتيجية متكاملة ولا طريقة وخطة للتفاوض ولا حلولا عملية لموضوع الهجرة غير الشرعية من شأنها أن تحفظ كرامة وحقوق المهاجرين التونسيين إلى بلد الطليان على متن قوارب الموت من أجل البحث عن الجنة الموعودة التي يعتقدون انها موجودة هناك بعد أن تخلت عنهم دولتهم و كل السياسيات الحكومية السابقة التي فشلت في ايجاد بدائل اجتماعية واقتصادية تحول دون الاضطرار إلى مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية في رحلة قد تكون من دون رجعة.