• توقعات مخيفة نشرتها الصحيفة الأمريكية (ستراتيجيك ألرت) في عددها 38 (17 سبتمبر الجاري) تفيد أن سياسات الولاياتالمتحدة الراهنة تتجه الى شن حروب إقليمية وحتى عالمية (و بالطبع تؤكد الصحيفة أنها لن تكون إلا نووية) وتقول :"إن العالم اقرب من الحرب النووية لأول مرة منذ أزمة صواريخ كوبا عام 1962 في عهد الرئيس كينيدي لأن تفاقم التماس و التهديد بين واشنطن وبيكين أصبح لافتا حيث كتبت الصحيفة الصينية (كسين هوا) شبه الرسمية في افتتاحيتها قبل أسبوع حرفيا بأن الجيش الأمريكي خلال الأشهر الستة الأخيرة نفذ 3000 طلعة لمقاتلات حربية قريبا من حدود الصين، وقام أسطوله البحري بإبحار مدمراته البحرية 60 مرة والاقتراب من الحدود البحرية للصين بتعلة "حماية أمن السفن التجارية و الناقلة للطاقة من الهجوم و القرصنة" ثم تؤكد الصحيفة أن طائرات أف 35 الأمريكية نفذت طلعات وتحليقات استطلاعية قريبا من حدود روسيا مما جعل الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية يصرح يوم 6 سبتمبر 2020 أن "موسكو تخشى أن يكون حلف الناتو يقوم بمناورات حربية غير معلنة تمهيدا لهجمة ضد روسيا »… وتستخلص الصحيفة الأمريكية (ستراتيجيك ألرت) بأن الرئيس ترامب كثيرا ما يذكر بالعلاقات الاستراتيجية الطيبة بين بلاده و الصين و روسيا لكن هذه النوايا الحسنة والتطمينات لعلها تصطدم بعقيدة الحرب لدى كل من خبراء البنتاغون ووزارة الخارجية وهي عقيدة ثابتة منذ زمن المحافظين الجدد و على نقيض سياسة ترامب السلمية. قليل من الملاحظين تنبهوا إلى مؤتمر صحفي عقده الرئيس ترامب يوم 8 سبتمبر الجاري أعلن خلاله الرئيس أنه سيضع حدا نهائيا لما سماه "مؤامرة المجموعة العسكرية الصناعية" ضده وأشار إلى أن بعض المتنفذين في هذه المجموعة يعدون ضده مؤامرة لإزاحته عن البيت الأبيض حتى تزدهر لديهم تجارة الأسلحة والصناعات الحربية وهي تجارة غير شرعية لكنها تحتاج للحروب حتى تنتعش" و معروف تاريخيا أن الرئيس (دوايت إيزنهاور) هو الذي اكتشف في أواخر الخمسينات تورط ما سماه أنذاك (المجموعة العسكرية الصناعية) في فرض الحروب على الولاياتالمتحدة و منها الحروب الكورية و الفيتنامية وهو ما يريد الرئيس ترامب وضع حد له لأنه دوما يربط الحروب الأمريكية خارج حدودها بعهد بوش الأب و بوش الإبن. و لم يكن خوف ترامب من المؤامرات الإنقلابية غير مبرر أو مجرد سياسة لكسب الأنصار بل إن بعض المؤشرات تدعم خشيته و مواقفه منها مثلا أن مجلة عسكرية (ذي أتلنتيك) و رئيس تحريرها هو (اللواء المتقاعد جيفري غولدبارغ) نشرت يوم 5 سبتمبر 2020 افتتاحية تدعو كبار الضباط الأمريكان المتقاعدين إلى إزاحة ترامب عن السلطة حتى لا يُعاد انتخابه و من محركي هذا التوجه (جون ماتيس) وزير الدفاع الأسبق الذي أقاله ترامب وهو أيضا أحد محرري (ذي أتلنتيك) نشر مقالا بعنوان (ترامب تهديد للدستور الأمريكي) نستنتج من هذه الحقائق التي نشرتها صحيفة أمريكية أن واشنطن في مستوى الإدارة السياسية ليست على ما نعتقد من الثبات و الرسوخ وهو مؤشر يدل على إنذارات ومحاذير لأن ظاهرة المؤامرات لم تعد مقصورة على دول العالم المتخلف بل أصبحت تهدد أقوى دولة منفردة بالسياسة الخارجية الموزعة على القارات الخمسة! وما هو حالنا نحن العرب أمام هذه التحديات؟ أعتقد صادقا بأن أخطر سؤال مطروح اليوم على دول ما بعد الثورات العربية وما يعرف بالربيع العربي هو السؤال الذي لم يطرحه أحد من الخبراء أو المسؤولين الجدد إلى اليوم والسبب أننا ضعنا بلا بوصلة في خضم الأحداث الجسيمة المتعاقبة والمؤامرات المختلفة التي تحاك ضد كل تغيير حضاري. أدركنا أن اليمين الغربي الأمريكي و الأوروبي شرع منذ توليه السلطة جزئيا أو كليا في عديد الدول النافذة يرتب لسيستم جديد من العلاقات الدولية لا تقوم على احترام سيادة الدول المستضعفة و لا على القانون الدولي بل تمخضت دراسات السياسات لديهم فأنتجت مولودا يسمى صفقة القرن وهو مولود مشوه لكنه سيفرض علينا بالقوة غايته تصفية القضية الفلسطينية نهائيا بمؤامرة يعد لها في ورش غربية و إسرائيلية ثم إعادة العرب بعد ربيعهم المجهض الى بيت الطاعة الصهيوني الإمبريالي و ستدعى الدول قريبا لهبة حضارية جديدة وإعلان موت الليبرالية الطاغية ونواميس السوق المتسيبة مما لا شك سينشأ عنه نمط جديد تماما للعلاقات الدولية والقانون الدولي والأخلاق الدبلوماسية والتجارة العالمية بعيدا جدا عن الهيمنة السياسية والسيطرة على مناطق النفوذ وتقاسم خيرات الأمم الأخرى تحت تعلات العولمة أو صفقة القرن وبمباركة المؤسسات الدولية التي تدير هذه المظالم وهي البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وهي الأدوات الطيعة و الأذرع الطويلة لنظام (بريتن وودس) المنهار على رؤوسنا جميعا.