" بني يا وطني يا ليوث الصدام / و جند الفداء / نريد من الحرب فرض السلام / و ردّ العداء / لأنتم حماة العرين أباة / نشدتم لدى الموت / حق الحياة / مدى و مدى / و كنتم تريدون سبل النجاة / و رسل الهدى / فلو كان للخصم رأي سداد / و عقل يميل به للرشاد / و يردعه عن ركوب الردى / لما اختار نهج الوغى و الجلاد / و سالت هباء دماء الأبرياء./ فإمّا حياة و إمّا فلا / ...بهذه الكلمات رسم و صوّر الشاعر عبد المجيد بن جدّو الوضع ببنزرت في بداية الستينات زمن تشبث الاستعمار ببنزرت، و بهذه الكلمات أيضا صدح صوت المطربة الكبيرة عليا لتكون كالوقود في دماء كلّ الوطنيين الذين يأبون الظلم و لا يقبلون أن يروا آخر قلعة في بلادهم يتمسك بها المستعمر رغم جلائه عن بقية التراب التونسي بعد استعمار دام من سنة 1881 إلى سنة 1956.و في كلّ ذكرى من عيد الجلاء بتاريخ 15 أكتوبر يحلّ بيننا، ضيفا مبجلاّ على بنزرت، سيادة رئيس الجمهورية من الزعيم الخالد الحبيب بورقيبة إلى اليوم بالنّظر لما تكتسيه هذه الذكرى من أهميّة في حياة التونسيين و التونسيات جميعا. و غدا – و ككلّ ذكرى لعيد الجلاء - سيزور رئيس الجمهورية و رئيس مجلس نواب الشعب و رئيس الحكومة بنزرت احياء لهذه الذكرى المجيدة، لا في حياة أبناء بنزرت فحسب بل و أيضا لكافة أبناء الشعب التونسي من شماله و جنوبه مرورا بوسطه ، كيف لا و الكلّ يذكر و أنّ معركة الجلاء خضاها الشعب التونسي بأكمله حيث ساهم كلّ أبنائه هذا الوطن العزيز في هذه المعركة رغم عدم تكافئ القوى بين مستعمر مدجج بالسلاح و العتاد و الطائرات و شعب أعزل إلاّ من إرادة فولاذية تهدف إلى فك أغلال الاستعمار عن ثغر بنزرت و كان له ما أراد رغم دماء الأبرياء التي سالت هباء لأنّ هذا الشعب أبيّ رفع شعار " فإمّا حياة و إمّا فلا " فلم يجد المستعمر إلاّ الرضوخ أمام التضحيات الجسام التّي قدّمها الشعب التونسي و خرج المستعمر – الذي خططّ للإبقاء على بنزرت مستعمرة دائمة – يجرّ أذيال الخيبة. و الهزيمة. و اليوم و نحن نحيي الذكرى 57 لعيد الجلاء و بنزرت ترحب بضيوفنا الكرام على أرض الجلاء و قلعة النضال التّي غادرها المستعمر مهرولا لصلابة إرادة أهلها و شعبها و قادتها ، أ لا يحقّ لنا أن نسأل بأيّ حال عدت يا عيد ؟ و كيف حال بنزرت..؟ و كيف حال أهلها..؟ و ماذا حظيت به بنزرت المناضلة منذ الاستقلال إلى اليوم؟ و ما هو نصيبها من التنمية..؟ لذلك نقول مباشرة والبداية من بنزرتالمدينة التي تأخرت عن ركب الحضارة عقودا و عقودا، فهي تغرق في الفيضانات في كل موسم الأمطار و ترى سكانها يعانون الأمرّين؟ و بنزرت تعاني من التلوث المميت جرّاء ما تبثه المصانع من روائح و دخان ملوث للهواء؟ و بنزرت اهترأت بنيتها التحتية إلى درجة العبث؟ و بنزرت اجتاح غاباتها الجميلة البناء الفوضوي من أصحاب الجاه و النافذين؟ و بنزرت أصبح معلم " قصر المؤتمرات " فيها يشكو و يبتهل يوميا لعلّه يأتيه المهدي المنتظر و ينقذه لما تردّى فيه من وضع يدمي القلوب حيث أصبح محيطه مرتعا للحيوانات و موقعا لفضلات البناء ؟ أما شباب بنزرت فقد أخذت منه البطالة و دفعت الكثير منهم إلى عالم مجهول ؟ و لم تستثنى بقية معتمديات ولاية بنزرت عن هذا الوضع حيث صار وضعها أسوأ بكثير، فهذه جومين و سجنان في أسفل الترتيب تنمويا و اجتماعيا و اقتصاديا؟ و ماطر لم تعد ماطر بل أصبحت مهددة في فصل الأمطار بالفيضانات فضلا عن ما تعيشه من تهميش على كل الجبهات؟ و منزل بورقيبة لم تعد كما كانت " le petit paris " بل أضح فولاذها عبئا عليها و شوارعها مهترئة و وضعها محزن عموما؟ بل و بقية المعتمديات تعيش في أغلبها نفس المأساة و في مقدمتها البطالة في صفوف شبابها و بنيتها التحتية و الأساسية ؟ و بالتالي هي مناسبة يا سيادة رئيس الجمهورية و يا كلّ المسؤولين المصاحبين، أنّنا نحن ، أبناء الجهة ، لا نطلب منكم أن يتمّ الفضاء على كلّ مشاكل الجهة في ليلة و ضحاها ، لأنّه ليست لكم عصا سحرية و لكي تطاع اطلب المستطاع و لكن فقط نلتمس منكم و من كل المسؤولين أن تكون زياراتكم المستقبلية لبنزرت بمناسبة عيد الجلاء الأغر حاملة لإعلان بعض المشاريع الجديدة التّي يمكن أن تغيّر الوضع الذي عليه نحو الأفضل و ذلك اعترافا لما قدمه الشهداء من دماء خلال هذه الملحمة الكبيرة و خدمة لأبناء الجهة الذين طالهم التهميش على أكثر من صعيد؟ فهل يجد نداءنا هذا صداه لدى رئيس الجمهورية، قيس سعيد الذي سيحلّ غدا ضيفا مبجلاّ في ربوع قلعة النضال بنزرت الشامخة على الدوام...؟ و هي مناسبة للتذكير أيضا وأنه وبعد توقيع بروتوكول الاستقلال كان على فرنسا الخروج من تونس ولكنّها تأخّرت في ذلك، وبدأت معركة الجلاء في الثامن من شهر فيفري عام 1958 عندما شنّ العدوان الفرنسي هجوماً على قرية ساقية سيدي يوسف الحدودية مع الجزائر، ونجم سقوط شهداء بين تونسيين وجزائريين، لذا قرّرت تونس إجلاء القوات الفرنسية فعلياً من الأراضي التونسية التي كانت تتوغّل في قاعدة بنزرت. وتأزمت الأوضاع في شهر جوان من عام 1961 حيث استمرّ إطلاق النار على القاعدة، وفي الثالث وعشرين من شهر جويلية تم إيقاف إطلاق النار لترك الفرصة أمام فرنسا بالخروج وإخلاء القاعدة البحرية. وخرجت القوات الفرنسية من بنزرت في الخامس عشر من أكتوبر عام 1963 بمغادرة الأدميرال الفرنسي فيفاي ميناد من المدينة، وبخروجه انتهى الاستعمار الفرنسي لتونس فعلياً في ذلك التاريخ.