قيل الكثير عن الجائحة الوبائية التي تجتاح العالم وكتب الكثير عن فيروس كورونا واليوم بإمكاننا أن نقول بكل ثقة أنه تتوفر لدينا كمية كبيرة من المعلومات عن هذا الوباء الذي غير وجه العالم و أربك حياة البشر وفرض على الشعوب الانصياع إلى أحكامه وأقداره وقوانينه وفرض على الحكومات الخضوع إلى تدابير وقائية خاصة علها توقف انتشار الفيروس وتمدده في انتظار أن يصل العقل العلمي إلى اكتشاف لقاح ينقذ البشرية مما يهددها من فناء وتلاش. ولكن على عكس ما كنا نتوقع من أننا اليوم بعد كل المعلومات المتوفرة حول الجائحة الوبائية قد أصبح بمقدورنا التعرف على حقيقة هذا الوباء و السيطرة عليه بقدر كبير ومن كوننا في الطريق الصحيح إلى كسب الرهان والانتصار عليه ، فإن ما قالته الدكتورة نصاف بن علية الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة قد أعادنا إلى لحظة الحيرة التي انتابت البشرية إثر الاعلان عن ظهور فيروس كورونا لأول مرة في مدينة يوهان الصينية وانتشاره في أرجاء المعمورة وتهديده لحياة الشعوب. لقد ذكرت بأنه مع كل أسف فإن المعلومات العلمية بخصوص الفيروس هي اليوم متضاربة إلى حد التناقض وهذا نتيجة القدرة العجيبة التي يمتلكها الفيروس في التحول والتنوع من جسم بشري إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر بما يعني أنه في كل يوم نكتشف معلومات مختلفة عن هذا الوباء من ذلك مثلا أن هناك اختلاف بخصوص مدى صحة انتقال العدوى في الهواء أم لا ؟ وبخصوص بقاء الفيروس في جسم الشخص المتوفى الحامل للفيروس أم أنه بعد ساعات قليلة من الوفاة يفقد خطورته وبالتالي يمكن دفن الميت بطريقة إعتيادية من دون الخوف من حصول العدوى على عكس ما كان شائعا في السابق. وذكرت بأنه لا نتوفر على معلومات دقيقة بخصوص التوقيت الذي سوف يتم فيه الإعلان عن التوصل إلى اكتشاف لقاح ناجع إزاء الجائحة حيث أنه رغم أن وجود مخابر طبية عالمية متخصصة متقدمة بشكل كبير في الوصول إلى لقاح إلا أنه لا يمكن تحديد التوقيت الذي سوف يكون فيه اللقاح جاهزا و متوفرا في الأسواق. وذكرت أنه حتى لو تم التوصل إلى لقاح لإيقاف تمدد الوباء وانتشاره إلا انه ليس لدينا طمأنة كافية من أن اللقاح سوف يتم القيام به مرة واحدة أم أنه سوف يفرض علينا استعماله مرة أو مرتين كل سنة كما لا نملك ضمانات أخرى حول مدى نجاعته وقدرته على إيقاف العدوى بصفة كبيرة. وذكرت بأنه على فرض التوصل إلى اكتشاف لقاح في الأشهر القادمة فإن الحقيقة التي يجب أن نقولها هي أن الفيروس سوف يلازمنا لسنوات أخرى وسوف نضطر أن نتعايش معه لفترات أخرى وهذا يعني أن هذا الوباء سوف يفرض علينا تغيير نمط حياتنا وطريقة عيشنا فاليوم سواء اكتشفنا اللقاح أم لم نكتشفه فإنه علينا أن نعترف بأن الأمر خطير وأن الموقف عصي عن الفهم والتأويل فالعالم الذي كان مطمئنا على يقينياته واعتقاداته المتصلبة بات اليوم غارقا في حيرة كبرى فلا حقيقة صامدة ولا معنى واضحا وإنما كل الخلاصة هو اللا يقين الذي يخيم على العالم واللا فهم الذي يأسر البشرية ويكبلها بسبب عجزها على التغلب على هذه الجرثومة الصغيرة التي انتصرت على العقل العلمي وهزمت العقل السياسي وفرضت عليه إعادة ترتيب الحياة وأجبرته على إعادة فهم الزمن وإعادة ترتيب علاقة الانسان مع نفسه ومع العالم الخارجي ومع الطبيعة والتفكير في معنى مختلف للوجود وللحياة. كل هذه الملاحظات التي جاءت على لسان الدكتورة نصاف بن عليه رغم أنها تكتسي خطورة وترسل موجات سلبية من شأنها أن تنتج مشاعر الاحباط والقلق والحيرة إلا أنها أمام المعطيات الاخيرة التي تم نشرها في وسائل الإعلام بخصوص توفر لقاح في آخر السنة الحالية تعد أقل خطورة من المعلومة التي تقول بأن الشعب التونسي سوف يتحصل عندما يتوفر اللقاح ويكون جاهزا للترويج على مليونين من الجرعات وبأن الأولوية سوف تكون لأصحاب الاحتجاجات من المرضى بما يعنى أنه من جملة إثنى عشر مليون نسبة هو تعداد الشعب التونسي فإن سدس هذا العدد فقط هو الذي سوف يتمتع بهذا اللقاح بما يطرح السؤال بخصوص بقية الشعب الذي لن يكون بإمكانه الاستفادة بهذه اللقاحات وهي وضعية خطيرة سوف تزيد من تداعيات الأزمة الوبائية في علاقة بكل الكلام الذي اقنعونا به من أن الحل الوحيد تجاه فيروس كورونا يبقى في التوصل إلى اكتشاف لقاح وأنه مع دخول اللقاح المرتقب إلى الأسواق فإن متاعب الشعوب سوف تنتهي غير أن المعطيات القادمة إلينا من بلدان ما وراء البحار تقول لنا بأن الشعب التونسي لن تتوفر له إلا كمية محدودة من اللقاح لا تتجاوز مليوني جرعة لقاح… والسؤال اليوم هو معرفة مصير بقية الشعب في غياب حصوله على لقاح غير متوفر له ؟؟