جلول: أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    خطير/بينهم تونسيون: قصر يتعرّضون للتعذيب في أحد السجون الإيطالية..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواصل التحضيرات بجنوب إفريقيا    اليوم النظر في شرعية القائمات الثلاث المترشحة لإنتخابات جامعة كرة القدم    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    شكري الدجبي يطالب بمواصلة العمل بالإجراء الاستثنائي لفائدة الفلاحين    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأربعاء 24 أفريل 2024    مفزع/ حفل زفاف يتحول الى مأساة..!!    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    ماذا ستجني تونس من مشروع محطة الطاقة الكهروضوئية بتطاوين؟    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    قفصة: الاطاحة بمروجي مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    اختناق عائلة متكونة من 6 أفراد بغاز المنزلي..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    %39 زيادة رصيد الخزينة العامة.. دعم مكثف للموارد الذاتية    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم من مدريد: اغسلوا أيديكم !
نشر في الصريح يوم 14 - 11 - 2020

يقول المثل الشعبي، إذا تعدّى أحد حدود اللياقة تجاه آخر: " أكل معه دون أن يغسل يديه " (كلا معاه بلا غسيل يدين) هذا ما يلاحظ فيما يكتب وينشر ويقال عن السيد رئيس الجمهورية، وهو مخالف تماما لما كان قبل وصول هذا الأخير إلى قصر قرطاج، وتسلمه الرئاسة، نتيجة انتخابات شُهد لها بالنقاوة والنزاهة والشفافية، بأغلبية فريدة حتى الآن في عرف انتخابات تونس. لكن، قبل الاسترسال في الكتابة، أستسمح من هو بصدد قراءة هذه الديباجة، ببعض من وقته وحلمه، كي أشرح وأوضح الواقع والحقيقة، تجنبا لما قد يخالج بعض الأنفس والعقول التي يسهل عليها الاتهام، بلا روية ولا تأكد. لم أتشرف قط، وحتى يوم الناس هذا، بمعرفة الأستاذ قيس سعيّد، ولا حتى سمعت اسمه، إلى أن جاءت الانتفاضة فأطاحت بالنظام السابق، فواكبت المرئية الوطنية الأحداث، وأتت بخبراء وأخصائيين ليشرحوا للمشاهدين المنصتين، توافق الأحداث والتصرفات والقوانين والأحكام مع نصوص القانون وشرائعه، فكان من البارزين الأستاذ قيس سعيّد. هكذا كان تعرّفي بالمواطن الذي أحرز بسرعة على احترامي وتقديري، لصفات أو خصال عدّة لاحظتها فيه، أذكر منها الجدّيّة، لغته وسلاستها ونقاوتها من أيّ خلط، حياده الكامل في تعليقاته التي تركزت على القانون وأصوله، فجاءت خالية بريئة من أيّ انتماء أو بحث عن تأثير. أكبرت ذلك وأنا في صومعتي على بعد مئات الأميال، أجتر حنيني إلى وطني، فحمدت الله على أنه لا يزال ثريا بالعقول النيّرة، رغم ما يطفو، فيشوّه الرؤيا ويسدل الضباب، حتى يُظنّ، كما ظننت وأنا ابن البلد، أن تونس افتقرت لا اقتصاديّا فحسب، بل وبشريّا عقلانيا ثقافيا أيضا. ثمّ جاءت المفاجأة، تلخصت في ترشح ذلك الأستاذ المربّي لانتخابات الرئاسة فتعجّبت وشككت. لكن عندما أعلنت النتيجة التي، أقل ما يُقال بشأنها أنها مثيرة الإعجاب والتعجب، لخروجها عن المعتاد منذ أن ابتلينا أو نعمنا بالاستقلال. عندها همست لنفسي دون شعور أو تفكير فقلت " مسكين ".
إن من عادتي التفريق والفصل بين الوطنية والسياسة. لأني أومن، نتيجة التجارب والمقارنات، بين مَن عاشرت وزاملت وعملت وتابعت، من قادة وزعماء، من العرب وغير العرب، أن الوطني لا يمكنه، ولا يستطيع أن يكون سياسيّا حقا، والسياسي يمكن أن يكون وطنيا أيضا لكنه يُخضع، عند الحاجة، الوطنية للسياسة فتضيع الأولى. لي بخصوص هذا الرأي، قصة مع الرئيس أحمد بن بلّة رحمه الله، ألخصها في قولي له بالقاهرة: إن شئت مواصلة خدمة الجزائر، أخلع سترتك هذه واقلبها، دع الوجه الوطني، واستعمل السياسي. قال أجئتني لتقول لي هذا لا غير؟ قلت نعم! وأرجو من الله ألا أحتاج لتذكيره. قاسى ما قاسى، وبعد تحرّره جاء إلى مدريد، فاستضفته. بعد العشاء شرعنا نتبادل الحديث فعرّجت لأذكره، فرفع يده بسرعة وأوقفني قائلا: "لا حاجة، لم أنس، وطوال أيام محنتي كانت كلمتك حاضرة معي."
تبعا لهذا اليقين محوت كلّ تقديراتي وأحكامي على الرئيس الجديد، وبقيت أنتظر ما سيكون من أمره، لأني عشت عن قرب من أكثر من واحد، وضع نفسه في دوامة السياسة، مسلحا بوطنيته وما تمليه عليه، فنهشته وأكلته ذئاب السياسة التي، كأني بها تعوي قائلة دخلت حرمنا فنل ما تستحق. تذكرت في الأثناء، مقولة " المؤمن غرّ،" والمغرور يصحو فانتظرت. انتظرت متابعا الخطوات الأولى التي حفظتها، وارتسمت في ذهني، وهي التي تبدأ بالذبذبة والتردّد والضبابية لدى المسؤول الجديد، فيبدأ بالتعرف ماديا على المكان وزواياه، ومهنيا، أي سياسيا وإداريا، على مستلزمات ومقتضيات المنصب. سرعان ما يأتي هنا دور الحاشية القريبة، أو البطانة، فتقوده وتسيّره كما شاءت، فيسير التغيير رويدا، تغيير في كل شيء حتى في مظهر المسؤول نفسه، إذ تتغير هيئته وملامحه وأناقته وتحركاته، طبقا لقوانين وقواعد مكلف بها ما يسمى "صائن الصورة أو ملمّع الصورة." تابعت كلّ هذا، فلم أر منه الكثير، بل رأيت الجديد، فازدادت خشيتي، لأن الأحجار الثابتة الخفية، في قصور الرئاسات وكبريات المسؤوليات، تلك التي يسمّيها تعبيرنا الشعبي " مسامر مصدّدة " حريصة كل الحرص على المحافظة على الثوابت لغاية أو غايات ما، قد يكون من بينها استمرارية تحكمها ومسكها الزمام. لم يطل قلقي والحمد لله، لأنه بعد قصير مدّة، أخذ السيد الرئيس في تغييرات وتعيينات، شابها حسب وسائل الإعلام التردّد والذبذبة، بينما هي في الواقع بحث عن إيجاد الصالح والقادر والمناسب والكفء، لكل منصب وكرسي، حسب منهج وسياسة وطرق جديدة، غير التي تعودها الآخرون، وهي منقولة مجمّدة لا بديل لها. هذا على الأقل ما بدا لي من بعيد. الغريب في هذا الشأن، هو أن الملاحظين بأنواعهم واختصاصاتهم، لم يصبروا ولم يتبصّروا، بل سالت أقلامهم معبّرة عن الحيرة والتعجب، والشك في القدرة والصلاحية، إلى غير ذلك من الأحكام المبنية على المقارنة بالقديم المعتاد، خاصة بعد أن كادوا يقدّسون الرئيس السابق رحمه الله، معدّدين محاسنه ونجاحاته، دون التعرض طبعا لأخطائه أو هفواته – لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة – فبدوا، بكتاباتهم وتحاليلهم، كأنهم يريدون من الرئيس الجديد أن يكون صورة طبق الأصل مما كان ويجب أن يكون. كل هذا حق من حقوقهم التي يضمنها المنطق والتعقل والديمقراطية. غير أن هذه الأسس التي تضمن حق التعبير، لها شروطها وأولها احترام المخاطب بما يستحق.
هذا هو لعمري بيت القصيد الذي أردت التوقف عنده، لأن معظم ما قرأت – كي لا أقول كله – يٌشْتَم فيه، لدى من يحسن القراءة والفهم، نوع من " عدم الاعتراف " إن صح التعبير، بأهلية واستحقاق المخاطب أو المتحدث عنه، رئيس الدولة في هذه الحالة، لما كان أهلا واستحقاقا لسابقيه. فبعد سيادة الرئيس، والزعيم الفذ، وغير هذه من التعابير الفخمة، خوطب الرئيس الجديد باسمه لا غير، غير مسبوق ولا بالسيد. ليس هذا فقط بل هناك الكثير، مثل المواضيع والانتقادات غير المباشرة وما إلى ذلك، وجميعه يشتم منه عدم قبول ما يخالف ما اعتدنا عليه. إن الملفت للنظر في كل ما أشير إليه، هو أن اًصحاب الأقلام الكاتبة المعنية هنا، ليست من الشباب المتهوّر، ولا من هواة الكتابة والتحبير، بل هم كتاب مشهورون مشهود لهم بالمكانة البلاغية وجدية الرأي وحسن التعبير، وهذا لعمري ما يضاعف الحيرة والتساؤل. فهل كل هؤلاء، وهم ما هم وما عرفوا عليه وبه، من أنصار الحفاظ على السابق؟ لماذا؟ عشقا و تشبثا بمن سبق وفعل؟ أم هو محبة في الجمود ورفض التغيير؟ لست قادرا، ولا أريد أن أكون قادرا على شرح أو فهم كل هذا، فاحترام الآراء الأخرى لدي شبه مقدّس، والاختلاف المتعقل الرصين ثروة إضافية لها فوائدها ومنافعها. لكن ليكن التعبير والتوجه إلى رئيس الدولة، أو حتى النقد إن دعا الأمر، ليكن بتعبير لائق بالمقام، لأن رئيس الدولة – وهذا لا يجهله أحد – ما دام على كرسي الرئاسة، لا يمثل نفسه وليس هو ما هو، بل هو نحن جميعا، هو الدولة والبلاد والشعب، هو رمز الجميع ومن هنا وجب التعامل معه ومع مركزه بما يليق من أسلوب وتعبير. أما " الأكل بلا غسل اليدين " حسب المثل الشعبي، فلا يليق بمن يأتيه ولا بمن يوجه إليه ومن ثّمَّ بنا جميعا " شعوبا وقبائل. علما بأننا في حاجة ماسة إلى تغييرات عميقة في أساليبنا، ومعاملاتنا، ولغتنا، أي وبكلمة مختصرة، تغيير ثقافتنا وليدة أكثر من نصف قرن شابته عيوب كثيرة ليس دونها النفاق والتملق والركود. لنشرع إذن في تغيير ثقافة رسخت تحت وطأة الجبروت والطغيان، وإبدالها بأخرى وليدة التحرر والتحكم في المصير.
مدريد في 12-11- 2020


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.