ما يحصل اليوم في البلاد من تسارع كبير للأحداث المؤثرة لا يزيد المشهد العام إلا لبسا وغموضا فكل المؤشرات تنبئ بأننا سائرون نحو المجهول أو نحو واقع تحكمه نظرية الفوضى الخلاّقة التي لا يعلم أحد نهايتها، وهي بالتأكيد مصير غير مهدد للأفكار التي قامت عليها الثورة فحسب وإنما هي نهاية مهددة لكامل مسار الانتقال الديمقراطي ولكامل الحلم الذي رافق الكثير من الشباب الذي وثق في الثورة وفي السياسيين الذين قادوها وفي المسار الذي اختير لها لإنتاج واقع أفضل من واقع النظام القديم غير أن حصيلة عشر سنوات بعد سقوط نظام بن علي كانت مخيبة للآمال ومحبطة للعزائم نتيجة تراجع كل الوعود لتغيير الواقع المتردي حتى رأينا وسمعنا من يتحسر على منظومة الاستبداد ويتمنى عودتها ويجري مقارنة بين الوضع الاجتماعي في ظل حكم حزب التجمع المنحل ومنظومة حكم بن علي والوضع الاجتماعي الذي نعيشه اليوم مع منظومة الحكم التي حكمت بعد 14 جانفي 2011 ومن ملامح هذا التراجع في وهج الثورة وإيمان الناس بالمسار الديمقراطي غياب كل حديث عن الثورة في وسائل الإعلام والترويج إلى فشل الانتقال الديمقراطي في تحقيق أهداف الثورة وتكثيف الحديث على أن ما يحصل اليوم من توتر اجتماعي وحراك احتجاجي في الجهات هو نتيجة منظومة الحكم التي جاءت بها الثورة، والتي وصلت اليوم إلى مداها ونهاياتها في إشارة إلى ضرورة تغيير هذه المنظومة بكل مكوناتها الحزبية ورموزها السياسية وهو خطاب خطير متورط فيه اليوم الكثير من الاعلاميين وجهات سياسية فقدت مواقعها المتقدمة بعد خسارتها في الانتخابات الأخيرة. اليوم أمام هذا الواقع الخطير الذي تجد فيه الدولة نفسها في أسوأ أحوالها بعد اتساع مجال الحراك الاحتجاجي في الجهات التي تطالب بالتنمية والتشغيل و بتغيير الأوضاع المتعبة في الداخل المهمش، وبعد الصعوبات المالية الكثيرة التي تعيشها الحكومة والعجز عن توفير موارد مالية جديدة لخزينة الدولة وما يترتب عن ذلك من صعوبات في الاستجابة إلى نفقاتها العامة وبعد تزايد حدة الخلافات السياسية بين مختلف المكون الحزبي المحسوب على منظومة الثورة وبعد استفادة منظومة الثورة المضادة والمنظومة القديمة التي يدافع عنها حزب الدستوري الحر من تعثر مسار الثورة وأمام هذه الصعوبات التي يعرفها المسار الانتقالي وهذه الاكراهات التي تعيق نجاح الثورة بات هناك انطباع عام لدى الكثير من الغيورين على المسار الثوري والخائفين على ضياع الحلم في بناء دولة اجتماعية عادلة من دون استبداد ولا عودة لحكم حزب التجمع المنحل الذي نحن اليوم نجني نتائج سياساته التي دمرت البلاد وسرّعت بقيام الثورة لضرورة حماية المسار الثوري وحماية الانتقال الديمقراطي الذي بات مهددا بالضياع وباتت هناك قناعة متأكدة وقناعة كبيرة إلى ضرورة تكوين جبهة وطنية لتصحيح المسار الثوري بعد أن خذله من وثق الشعب فيهم لتحقيق الحلم الجماعي والخلاص الجماعي وبعد أن أظهر من أوكلهم الشعب قيادة مرحلة الانتقال الديمقراطي فشلا ذريعا في القيام بهذه المهمة بعد أن أوصلت أفعالهم وتصرفاتهم وخياراتهم إلى عودة المنظومة القديمة وعودة حزب التجمع المنحل من جديد. إن التفكير اليوم في تأسيس جبهة لتصحيح المسار وإنقاذ الانتقال الديمقراطي هو اليوم مهمة ضرورية قبل أن تغرق السفينة بالجميع ويتهدم البناء بمن يسكنه وقبل أن يخسر الكل ما تحقق إذا ما عادت المنظومة القديمة للحكم وهي فرضية غير مستعبدة بعد أن كشفت نتائج سبر الآراء الأخيرة تقدم حزب الدستوري الحر سليل حزب التجمع المنحل في نوايا تصويت الناخبين في الانتخابات التشريعية. اليوم على كل الأحزاب السياسية التي قادت الثورة أن تترك جانبا خلافاتها وأن تتجاوز ما يقسمها وكل ما يلهيها وأن تستفيق من غفوتها قبل فوات الأوان وقبل أن يصعب التدارك وأن تتفطن إلى الخطر القادم التي يترصدها بعد سنوات قليلة لما تقترب المحطة الانتخابية القادمة .. ما هو مطلوب اليوم أن تتوقف كل أحزاب منظومة 14 جانفي 2011 عن معاركها التي لا تفيد الثورة في شيء ولا تحقق شيئا للديمقراطية الوليدة ولا تنفع الناس وأن تلتفت إلى بناء جبهة وطنية تحمي بها الثورة وتستعيد بها وهجها وتستعيد بها ثقة الناس فيها ، جبهة وطنية لمقاومة الردة التي نلاحظها اليوم في وسائل إعلامنا التي بدأت تشكك في المسار الديمقراطي وتنقل حنين خدم النظام القديم إلى الماضي ، جبهة وطنية من أجل أن لا يعود التجمع من جديد بعد أن تم حله وتقطع الطريق أمام المنظومة الاستبدادية من العودة هي الأخرى .. اليوم إلى جانب رهان الوضع الاجتماعي والمالي المأزوم هناك رهان آخر مطلوب من الأحزاب القادمة من رحم معارضة حكم بن علي أن تكسبه وهو التصدي إلى عودة المنظومة القديمة ورهان الحفاظ على مكتسبات الثورة التي هي اليوم مهددة لو عاد سليل التجمع إلى الحكم.