نائب في البرلمان يصرح أمام الملأ وعلى مرأى ومسمع من الناس وفي وسيلة إعلامية أنه تم ابتزازه من طرف رجل أعمال حتى ينضم إلى كتلة نيابية أخرى مقابل حصوله على مبلغ قدره 150 ألف دينار ولا نجد من يتحرك….ووزير يرفض الانصياع إلى تعليمات رئيس الحكومة ويعلن دون تردد ولا احترام لواجب التضامن الحكومي من أنه لا يأتمر ببلاغات مرؤوسه وأنه يملك السلطة في تدبير أمور وزارته فتتم إقالته .. واتهامات متبادلة بين نواب الشعب في اليوم الأول من عودة العمل البرلماني وسباب و صراخ واستعمال لغة هجينة لا تليق بمن انتخبهم الشعب ومنحهم ثقته ليتولوا تدبير أمره فإذا به يجد عراكا لا طائل منه من دون أن يقدر أحد على إيقاف هذه المهزلة وهذا الترذيل المتعمد للعمل السياسي .. وتسيب كبير في صفوف الشعب وعدم انضباط واسع وتهور غير مفهوم في عدم التقيد بما يطلب منه من ضرورة احترام إجراءات التوقي من الاصابة بفيروس كورونا وكأن لا شيء يحدث ولا خطر يهدد الجميع في صحتهم و يرافق هذا التسيب تحد كبير وفي العلن للدولة وأجهزتها في محاولة لإضعافها وإرباكها بتوسيع دائرة الجريمة ووصولها إلى حد البشاعة والفظاعة ... كل هذه اللخبطة وكل هذا الشرود وهذا التيه لضياع البوصلة وصعوبة تلمس الطريق السالمة الآمنة انعكست سلبا على نفسية الكثير من أفراد الشعب الذي بدأ يطرح في أسئلة عميقة وحارقة في علاقة بانسداد الأفق والشعور بعدم القدرة على تغيير الأوضاع نحو الأحسن والشعور بالعجز من استعادة الأمل والثقة حتى تستعيد البلاد توازنها والحياة رونقها وهدوءها ويستعيد الشعب أمنه وسلامته .. كل هذه الفوضى العارمة وكل هذه الصعوبات التي ترهق البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وزادها الارهاق النفسي ارباكا جعل الجميع يطرح سؤال ما العمل للخروج من الوهن ؟ وكيف الخروج من هذا المأزق والوضعية التي وضع فيها الشعب نفسه ؟ وهل من بديل لهذه الوضعية المتردية المحزنة ؟ وهل من مخرج لهذا العجز الذي يأسر الشعب؟ هل البديل في تنحية هذه النخبة التي لا تصلح لهذه المرحلة والتي يتأكد من يوم إلى آخر أنها لا تفيد إلا لمعارضة الاستبداد وأنها فاشلة في بناء دولة ومجتمع جديدين بقيم جديدة مختلفة عن ثقافة المستبد من دون التضحية بالحرية لصالح الأمن أو التضحية بالديمقراطية في مقابل الفوضى .. هل البديل في هذه الطبقة الحاكمة التي اتضح أنها غير قادرة على انقاذ البلاد ولا تتوفر على القدرات الفكرية لإيجاد الخيارات البديلة عن خيارات المنظومة القديمة التي انتجت الفشل وألهمت الثورة فهذه النخبة التي حكمت منذ الثورة وإلى اليوم قد أثبت عجزها عن حكم البلاد وإرجاع هيبة الدولة وإيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية المتراكمة والتي قامت عليها الثورة وطالب بها من خرج لطرد المنظومة القديمة التي كان يقودها حزب التجمع المنحل. هل البديل في هذا الإعلام ونخبته ومؤسساته في خذلانها للثورة وتنكره لها وتعمده صناعة رأي عام كاره لها بعد تركيزه بكثافة على كل الصور السلبية التي رافقت الانتقال الديمقراطي والاشتغال على إظهار المعارك الحزبية والتموقع إلى جانب طرف دون آخر حتى أصبح الجميع يصرح بندمه على أنه قد قام يوما بثورة على القديم وفكر فيها ، هل البديل في تغيير هذه النخبة الإعلامية التي اتضح أنها تعمل ضد خط التغيير وضد استحقاقات الثورة والكثير منها يستبطن كرها لها بسبب أنه لم يجد انتماؤها السياسي والإيديولوجي ممثلا في قيادتها… هل البديل في تغيير كل هؤلاء وكل المنظومة التي تشكلت بعد الثورة بسياسييها ومثقفيها وأعلامها وأحزابها ونقابييها ؟ أم أن الحل والبديل في السؤال الذي سبق أن طرحه على نفسه " فلاديمير لينين " في كتابه " ما العمل " في علاقة بعدم قدرة الثورة على الصمود أمام الثورة المضادة وماذا يلزم فعله حتى لا تهيمن الأفكار البورجوازية من جديد وحتى لا يتراجع وهج الثورة ؟ وفي علاقة بضرورة وجود الحزب الثوري والبديل الثوري فالثورة حتى تنجح وتحقق أهدافها تحتاج إلى شروط و من شروطها القيادة الثورية الموحدة التي تمتلك برنامجا ثوريا يقطع مع الماضي ويكون قادرا على تحقيق طموحات الشعب الذي وثق في الثورة وطالما أن هذا غير متوفر فإن النتيجة هي إما العودة إلى الماضي والاحتماء بالقديم من منطلق أن المنظومة القديمة لا تزال قوية وهي من كان يحكم خلال السنوات العشر بعد رحيل بن علي من خلال الإدارة النافذة والرموز الموالين للماضي وإما الابقاء على حالة الفوضى والتسيب والقبول بما حصل للثورة من انحراف وتحويل لوجهتها ؟ أم أن البديل شيء آخر غير ما نطرحه ويبادر إلى الذهن من أن البلاد في حاجة إلى فعل شيء ما حتى يستوي حالها ويستقيم ولكن ما هو هذا الشيء أو هذا الفعل الذي لا نجد له طريقا واضحا ؟ هذا مقال قد يفهم منه اعتراف بالفشل وبنجاح المنظومة القديمة على إرباك مسار الثورة ومرحلة الانتقال الديمقراطي غير أنه في الحقيقة مقال حائر ومقلق حول كيفية مواصلة الثورة وهجها الذي قامت عليه.