الفن فكرة القلب المسافر في الدروب يمنحها شيئا من هفواته الجميلة ..الفن ما خلفته الأنامل و ما يأخذه الطفل في غفوته من الأحلام..الفن هذه الفسحة في الأرجاء حيث النظر بعين القلب تجاه العناصر و الأشياء . هكذا يصغي الطفل لذاته و هو يمرح متقصدا جمال فراشات من ذهب الأزمنة ..يصغي الفنان للجمال المبثوث في الأمكنة يرتجي عطورها الباذخة ..من هنا كانت فكرة الذهاب الى الفن من قبل ابن الجزيرة الطافح بالحلم و الطفولة لمحاورة الذات في ضروب من القول بالجمال..من الحجارة و مكعباتها الصغيرة و الملونة ينطلق لاهيا بممكنات التجديد و الابتكار ...من أرض الجزيرة جربة..المهد الأول لصاحبنا الفنان..جربة الحلم القديم.. جربة .. و أنت تمضي اليها..تشعر بشيء من السحر ينتابك بحيث يصعب أن تغفل للحظة عن القول بالعذوبة و الدهشة و الحنين تجاه ما تراه العين..و أما النظر هنا فهو بعين القلب ..لا بعين الوجه..هي الأرض التي تأنقت عبر العصور..من الحقب التي مرت بها تعلمت فن الجمال ..كيف لا و هي المحفوفة بالماء..الأزرق سرها الدفين..القباب عناوينها ..و المنازل المثقلة بالحكايا..و هل ثمة حكايات باذخة المتعة غير تلك التي عرفتها الأرض القديمة قدم ناسها.. قمر.. ونخيل ناعس و أحلام زرقاء .. و خضراء للرعاة وللبحارة في غنائهم الأبدي المأ خوذ بالشجن العظيم.. ثمة اذن ما يغري بالنشيد و بالنظر.. فسيفساء شاسعة المجد.. و الكلمات. من الفينيقيين و البونيقيين و النوميديين و الرومانيين و البيزنطيين ...إلى الفتح الإسلامي..كانت جهة للراحة و للعناق الرومانسي بين الأرض و البحر..جربة..المكان و المكانة..هكذا كانت..و هكذا ارتسمت في الكلام و في الألوان و في الخيال الفادح ..البشير الكونيالي ..الطاهر عويدة ..عزيزة تومانة ..الطيب زيود...و غيرهم لتبقى الحكاية مفتوحة على مصراعيها مثل أبواب المنازل بميدون و حومة السوق و قلالة و المحبوبين...انها حكاية و جد من حكاياتنا العربية التي يغمرها ألق هذا الكائن الانساني في حله و ترحاله.. تمضي اذن مع الجادة فترى البسمة على وجوه الاطفال عندها تقترب من مدرسة سيدي ياتي ..هي البراءة المأخوذة من موسيقى البحر الفاتن و التربة الناعمة..تجلس في الفضاء الأنيق المحلى بالمرقوم و بالادوات التقليدية الجربية حيث الشاب الحالم و قد شذب المكان و زينه دون خروج عن جماليات المكان الوفيرة..تجلس و تحتسي القهوة و ترسل نظرك بعيدا لترى جواهر الأشياء و عناوينها البارزة بعيدا عن هموم العولمة و رياحها الملوثة..و القاحلة..و بلغة أخرى تذهب مع الاصل..أصل العناصر و التفاصيل.. في فضاء القبة تشرب شايا و تستمتع بالنقوش ..لا كوبول..فسحة أخرى من الجمال المبثوث في اللوحات المعلقة ..و في كل ما يرتسم و ينحفر على الخشب الناعم ..تلقي بالنظر فترى الأشجار..النخيل و الظلال و القباب و الأبواب و الاقواس...و الفسيفساء في بهائها الناعم مثل نسائم صيف. الطيب زيود فنان تشكيلي من هذه الأجواء التي ذكرنا.. من جربة الأعماق.. قادته شؤون الحرفة و شجونها الى عوالم الفن الفسيفسائي يزخرف و يزين مساحات عمله الفني وفق تصاميم متعددة و مواضيع بين المشاهد و التقاليد و غيرها من الأجواء الجربية . عمل لسنوات جاهدا و باحثا عن آفاق جديدة لعمله الفني فبدت في أطوار منه رغبات البحث عن التجديد و القطع مع الصورة النمطية لفن الفسيفساء بما يحيل اليه من تناول مأخوذ بالتاريخ و التراث و ما هو قديم من أزمنة و عصور غابرة. في أعماله الفسيفسائية جانب تجريدي و هو ما يستدعي قراءات متعددة و تقبل جمالي مختلف و قد عمل الفنان الطيب زيود على أن تكون أعماله قابلة لوضعيات شتى منها اللوحات و الجداريات و الديكور و تجميل الفضاءات غايته في ذلك استعادة الفن الفسيفسائي بروحه الجمالية في هامش التقبل الجمالي للناس عامة و منهم أحباء الفنون . اشتغل على عديد المشاريع في التزيين و التزويق لأفراد و مؤسسات من خلال ابداء قدرات فنية في التعاطي الابداعي مع الموزاييك وفق روح تجديدية فيها حرفية عالية و نزوع بين نحو الابتكار . هذا كله قاده الى بعث مهرجان " حرفي – فنان " الذي كان يرمي من ورائه الى النهوض بالملكات الابداعية لدى الحرفيين لتجديد أساليب الابتكار في حرفهم من خلال الافادة من الفنانين التشكيليين المبدعين و حصل ذلك في دورات كانت بداياتها بجربة جمعت الحرفيين بالفنانين التشكيليين من خلال ورشات و معارض و ندوات بحضور مجالات للشعر و الموسيقى. الطيب زيود حلم بالارتقاء بعوالم الحرفيين باعتبارهم فنانين و لهم قدرات ابداعية و عمل على هذا الحلم لسنوات و هو القادم من خبرة سنوات كمكون في فنون المصوغ يعد الشبان في هذا الجانب بما فيه من دقة و تفنن و حرفية فائقة. تعددت أعمال الطيب زيود لتحيل الى حرصه الدفين على التجدد في هذا الفن العريق من خلال تخريجات فنية فيها الكثير من التخييل فالمساحة الفسيفسائية عنده مجال شاسع للجمال و التلوين و الابتكار. و الفنان التشكيلي الطيب زيود أصيل منطقة مليتة بجزيرة جربة حيث أسس ورشة لإنجاز الفسيفساء الفني و هو مؤسس وصاحب فكرة ملتقى " حرفي- فنان "الذي انتظم بجزيرة الأحلام لثلاث دورات ودورة بولاية نابل. تم عرض أعماله برواق العلاني بمناسبة مهرجان المدينة بالرياض بجزيرة جربة لعدة دورات . تم عرض أعماله برواق دار الثقافة ابن خلدون المغاربية بتونس العاصمة سنة 2019 الى جانب عرض لوحاته الفنية من الفسيفساء بالرواق الثقافي بفضاء الفندق بجربة سنة 2020 ..و هو يشارك ضمن معارض اتحاد الفنانين التشكيليين بتونس العاصمة . كما أنه عرض مؤخرا عددا من أعماله برواق الفنون علي القرماسي . 1 و عن فنه و تجربته يقول الفنان التشكيلي الطيب زيود "...رغم اختصاصي في صناعة المصوغ . اخترت الحجارة والرخام وتخليت و ابتعدت عن الحجارة الكريمة والمعادن الثمينة . اخترت الفسيفساء لأنني أرى في الحجارة الألوان والمواد التي تجذبني أكثر من غيرها من المعادن الأخرى. الكثيرون يرونفي الفسيفساء صنعة بسيطة بينما أنا أرى فيها فنا وحرفية وابتكارا . الفن مجال شاسع للابداع و الابتكار و قد وجدت في المواييك ذاتي التي نهلت من جمال جربة و قدمها و عراقة أحوالها .. الفسيفساء عالم بأسره فيه الابداع و هو ما أعمل عليه و فيه التأثيث الجمالي و منه تجميل الفضاءات منها الخاصة و التجارية و غيرها حيث أعمل وفق طلبيات تمنح المكان عبر منجزها الفني حالات من الجمال الذي يسر الناظرين و هذا بدوره فن .. الفن الفسيفسائي يجمع الحرفي و الفنان بما يجعل منهما بالنهاية ينجزان عملا يحبه الناس و يرون فيه ذواتهم و شيئا من أحوالهم المتعددة...". هذا حيز من الشغف الجمالي للفنان الطيب زيود تجاه لون فني أحبه و سار في دربه يبتكر ضمنه حالاته و أحلامه الأخرى في أرض الأحلام..جربة.