من منا لا يذكر قصة الشيخ وأبناءه التي تلقيناها على مقاعد المدرسة؟ كنا ننصت بانتباه لمعلمينا وهم يشرحون لنا الحكمة الكامنة بتلك القصة التي تداولنا على قراءة فقراتها بأصواتنا الرقيقة. يروى أن شيخا جمع أبناءه وأمامه تكومت مجموعة من الأعواد. مد الشيخ لكل فرد على حدة عودا وطلب منه كسره. فكسروها وكلهم حيرة مما يريده منهم أبوهم؟.. ثم أعطى الشيخ بالتناوب لأولاده حزمة أعواد بعددهم وطلب منهم أن يحاول كل فرد كسر تلك الحزمة. لم يفلح أحد في تحقيق ما طلب منه. وزادت حيرتهم، فبادر الشيخ قائلا «ما دمتم متحدين.. ما دمتم متآزرين.. لن يقو أحد على هزمكم أو الانفراد بأحد منكم، مثلكم مثل تلك الأعواد مجتمعة». وبادرنا نحن الصغار نردد «في الاتحاد قوة»... «في الاتحاد قوة»... اليوم وبفضل ثورة الشعب التي أهدت لكل فرد منا إحساسا جديدا.. إحساس بالحرية.. إحساس بالانعتاق.. إحساس بالكرامة.. بكل ما تحمله كلمة الكرامة من معان... أزاحت الثورة عن صدورنا انكسارا غمرنا عقودا.. في هذه الأيام المجيدة جالت بخاطري عدة مشاهد... عدة مواقف.. معاناة.. من منا لم يعان في ظل قهر وسلب للإرادة؟ من منا ليس له في عائلته أو ليس له صديق أبعد قهرا عن وطنه وهام سنين طوالا لاجئا وأحيانا هاربا من كيد الكائدين؟... من منا لم يطله استبداد من استبد ومن طغى وتجبر وقال أنا ربكم الأعلى؟ اليوم، وإن كنت استوعبت في صغري قصة الشيخ وتمتعت بشرح معلمي، أدركت المغزى الحقيقي لهذه القصة مباشرة.. على الهواء.. اليوم ثورة الشعب، بتوحد صفوفها، أثبتت أن الإرادة لا تقهر.. أثبتت أن القدر يستجيب لمن يريد الحياة... أثبتت أن إرادة الشعب تكسر القيود وتجلي الظلم.. أنا اليوم أدركت المعنى كاملا دون نقصان لقصة الشيخ.. ومن منا لم يدرك اليوم ذلك المعنى؟... قطعا كلنا أدركنا.. علينا إذن اليوم وفي الأيام التالية أن نحافظ على إدراكنا بوعي ونساهم في بناء الوطن ولا ندع مجالا لمن يريد، منتهزا، الرجوع بنا إلى العهود الغابرة... إلى العهود حيث غابتا واغتصبتا منا فيها حريتنا وكرامتنا.