هل أخطأ رئيس الجمهورية قيس سعيد في خياراته السياسية والدستورية حينما اختار لنا في مرة أولى رئيس حكومة متعلقة به شبهة فساد وأخرى لتضارب المصالح واضحة، ثم في مرة ثانية رشح لنا الشخصية الأقدر ليجعل منها رئيس وزراء على مقاسه وفي خدمته و يأتمر بأوامره ولكن لما رفض هشام المشيشي هذه الصورة وهذا الدور والمكانة إنقلب عليه؟ ومن يتحمل اليوم مسؤولية عدم الاستقرار السياسي الذي يلازمنا منذ انتخابات 2019؟ وهل من مسؤولية للرئيس فيما وصلت إليه الحياة السياسية من ترذيل وفوضى وانسداد للأفق ؟ وهل ساهم قيس سعيد بقسط في تحول مؤسسة الرئاسة إلى جزء من المشكل بدل أن تكون حلا لها؟ هذا جانب من النقاش والحيرة التي تدور اليوم في الشارع التونسي وفي وسائل الإعلام وعند النخب الفكرية وهو نقاش إلى جانب انزياحه نحو المقاربات القانونية وتأويل الدستور في علاقة برفض رئيس الجمهورية أن يؤدي الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه لأسباب يرجعها إلى تعلق بالبعض منهم شبهات تضارب مصالح فإن هذا النقاش يبحث في أسباب الأزمة العميقة التي تشهدها البلاد والتي لم تشهد مثيلا لها في كامل تاريخها المعاصر لتشعبها وغموضها وهو نقاش يحاول أصحابه أن يقفوا عن الجهة المتسببة فيه وعن المسؤول في هذا الانسداد الذي قيّد البلاد وخاصة وأن الجميع متفق على أن حل هذه الازمة لن يكون إلا سياسيا بالرغم من بعدها القانوني والدستوري. هناك رأي يعتبر أن أصل الأزمة وسببها الرئيسي هو رئيس الجمهورية الذي جلب لنا شخصية أولى قال عنها بأنها هي الأقدر لإدارة الشأن العام ليتم التخلي عنها بعد أن لصقت بها شبهة تضارب مصالح حالت دون مواصلة الحكومة لعملها ثم تقديمه لشخصية ثانية قال عنها هي الأخرى أنها الأقدر بالرغم من أن الأحزاب البرلمانية قد رشحت له أسماء أخرى أكثر كفاءة غير أن هذه الشخصية التي اختارها الرئيس من خارج الحزام الحزبي لم تشأ أن تكون طيّعة له وموظفة عند ساكن قصر قرطاج وإنما أرادت أن تمارس صلاحياتها وفق ما خوله لها الدستور… ومن هنا نشأت الأزمة وشبّ النزاع بين رأسي السلطة التنفيذية وحصل الانسداد السياسي الذي تعمق بعد القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة إعفاء الوزراء المحسوبين على الرئاسة وتعيين آخرين بدلا عنهم مع تغيير في تركيبة الوزارات بالتخلي عن فكرة الدمج لندخل في ما سمي بمعركة تأويل الدستور في علاقة بدور الرئيس في أداء اليمين الدستورية هل هو مقيد و رئيس الدولة ليس له الحرية في قبول أو رفض القيام بهذا الإجراء؟ أم أن للرئيس الحق في رفض أداء اليمين الدستورية لأسباب تخصه؟ كما أن هناك اليوم رأي قوي يذهب إلى أن أداء رئيس الدولة قد تجاوز نطاق المساحة التي منحها له الدستور وسمح له فيها بالتحرك وبذلك يكون قد تجاوز مهامه إلى صلاحيات رئيس الحكومة خاصة فيما يتعلق بتعيين واختيار الوزراء وكذلك رفضه قبول من يتم تعيينه للمناصب الوزارية بأداء اليمين الدستورية وهنا نجد أنفسنا أمام رئيس دولة يريد أن يلعب دورا سياسيا ويريد أن يكون فاعلا في العمل الحكومي ويريد كذلك أن يكون له دور قضائي في تأويل الدستور واعتبار أن رأيه هو الذي يجب أن تسير عليه البلاد بما يعني أننا اليوم أمام رئيس دولة يريد أن يجمع كل شيء عنده ويريد أن يتقمص جبة رئيس دولة في النظام الرئاسي في حين أن النظام السياسي الذي اخترناه هو النظام البرلماني المعدل والذي لا يسمح للرئيس بأن يتدخل في كل شيء وإنما له صلاحيات واضحة ومحددة… المشكل اليوم هو أن هناك ثقافة سياسية قطعنا معها وهناك اليوم نظام سياسي جديد مازال الكثير من الفاعلين السياسيين لم يستوعبوه بعد ولم يحينوا ثقافتهم مع متغيراته لنجد أنفسنا أمام طبقة سياسية و فكرية وإعلامية لم تفهم بعد أن المرحلة تحتم عليها تعديل ثقافتها السياسية بما يجعل من الرئيس يحترم الدستور بكل تفاصيله وأن يلتزم حدود صلاحياته التي خولها له الدستور وأن لا يتصرف وكأننا ما زلنا في ظل النظام الرئاسي الذي منح الرئيس صلاحيات عامة وواسعة. فهل اخطأ الرئيس قيس سعيد في كل خياراته إلى حد اليوم سواء في تعيين الشخصية الأقدر لتكون رئيس حكومة وكذلك خياراته في تعيين مستشاريه والمقربين منه في الديوان الرئاسي ؟ هل أخطأ الرئيس في اختيار المعجم اللغوي الذي يستعمله في كل خطاباته والذي لا يفهم منه إلا الغموض والمزيد من الغموض ؟ وهل يتحمل المسؤولية في الأزمة السياسية الحادة بتأويلاته للدستور والتي يرى فيها الكثير من المختصين أنها مجانبة للصواب ؟ وهل يتحمل الرئيس المسؤولية في الأزمة السياسية الحالية بسبب رفضه الحوار مع الجميع وفرضه رأيه بخصوص فهم الدستور وتأويله؟