تغطية إعلامية كبيرة في فرنسا مداره النقاش الذي يدور اليوم حول موضوع المخدرات وتحديدا حول كيفية التعاطي مع ظاهرة تمدد استهلاك مادة القنب الهندي المعروف في بلادنا "بالزطلة " واهتمام واسع في الصحف والقنوات التلفزية الفرنسية بالخلاف الحاد والذي يشق بلد الأنوار والحريات المطلقة والعلمانية الحادة حول من هو مع ومن ضد تقنين استهلاك الزطلة؟ في اتجاه التخلي عن العقوبة وعن التجريم بحق كل من يستهلك القنب الهندي وتحويله إلى تجارة تحت سيطرة ورقابة الدولة وذلك على خلفية التقرير الذي أصدره مؤخرا مجلس التحليل الاقتصادي الفرنسي وهو هيئة مسؤولة عن تقديم المشورة لرئيس الوزراء والذي أوصى بإجراء تغييرات تشريعية على قانون المخدرات ودعوة الحكومة إلى القيام بتعديل جديد على قانون استهلاك هذه المادة خاصة وأن الإحصائيات الرسمية قد أثبتت أن العدد الكبير من الموقوفين في فرنسا هم من المستهلكين للزطلة وأن الفرنسيين هم أكثر الشعوب الأوروبية استهلاكا للقنب الهندي وأن هناك حوالي 17 مليون فرنسي جرب ولو مرة واحدة مادة القنب الهندي وأن هناك حوالي 7 ملايين فرنسي يستهلكون بانتظام "الكانابيس"، هذا التعديل في يراد له أن يكون في اتجاه التماهي مع بعض التشريعات العالمية والسير على خطى بعض الدول على غرار كندا والأوروغواي وبعض الولاياتالأمريكية التي سمحت باستهلاك الزطلة وتخلت عن معاقبة مستهلكها وجنت مئات الملايين من اليورو بعد تقنينها وبعد أن أصبحت الدولة تشرف على بيعها وترويجها شأنها شأن المواد الغذائية الأخرى. ما يلاحظ في هذا النقاش الذي يدور اليوم في فرنسا حول دعوات تحرير مادة القنب الهندي وتسهيل استهلاكها من خلال سن تشريع جديد يرفع التجريم والعقوبة عن مستهلك الزطلة أنه نقاش نسخة مطابقة للأصل للحديث الذي يدور عندنا ويتبناه أنصار التخلي عن العقوبة الحبسية السالبة للحرية من بني جلدتنا بل نكاد تقول بأن ما يدور في فرنسا يتم نقله وتبينه عندنا حرفيا وبنفس المنهجية والمبررات. الملاحظة الثانية هي أن النقاش الفرنسي حول الزطلة قد أوضح أنه ليس هناك اتفاق أوروبي حول هذا الموضوع وأن الخلاف كبير في فرنسا وقد تسبب في تقسيم الفرنسيين بين مناصر ورافض لتسهيل استهلاك الزطلة وكل طرف له حججه ومبرراته ولكن الثابت أن كل النقاش يدور حول تداعيات التساهل مع القنب الهندي على حوادث المرور وما تتسبب فيه الزطلة من مشاكل مرورية ومخاطر هذه المادة على الصحة العامة وازدياد انتشار الاستهلاك في فرنسا وعلاقته بالجريمة. الملاحظة الثالثة تتعلق بمراجعة القناعة التي يروج لها مناصرو تحرير مادة القنب الهندي من أن تقنينها من شأنه أن يقلل من نسبة استهلاكها ومن عدد مستهلكيها بعد أن تصبح الدولة هي الجهة الوحيدة المتحكمة في تجارة هذه المادة حيث أوضح النقاش الفرنسي أنه ليس صحيحا أنه حينما نسهل للأفراد وخاصة فئة الشباب استهلاك الزطلة فإن الاستهلاك يقل والمستهلكين بدورهم يقلون حيث هناك شكوك كبيرة من ازدياد الظاهرة لما يسهل الوصول إلى المادة المخدرة من دون الخوف من رادع تشريعي بل أن التساهل في تعاطيها سوف ينتهي بالضرورة إلى ازدياد المستهلكين وكل ما حصل في البلدان التي قننت القنب الهندي هو أنها خفضت من جريمة الترويج وحاصرت من ينقلها من خارج الحدود بما يعني أن توزيعها كان في السابق تقوم به الكارتلات والعصابات فأصبح بعد التقنين من مهام الدولة أما الاستهلاك والمستهلكين فقد بقي على حاله إن لم يتمدد في العدد وكمية الاستهلاك. الملاحظة الرابعة التي ركز عليها النقاش الفرنسي تتعلق بالمعلومة الخاطئة التي يروج لها أنصار الزطلة ونجدها في بلادنا والتي تقول بأن القنب الهندي ليس له نفس خطورة المخدرات الثقيلة الأخرى بل هو في نظرهم أقل ضررا على الصحة من الكحول والتدخين في حين أن الدراسات العلمية ومنها دراسة المعهد الوطني للوقاية والتعليم الصحي الفرنسي قد أثبتت أن للقنب الهندي أثارا صحية ضارة وتزداد خطورته كلما كان سن المستهلك صغيرا فالاستخدام المنتظم من قبل الشباب يؤدي إلى خفض معدل الذكاء لديهم ويؤثر على أدمغتهم مع تأثيراته النفسية حيث أن مكونات مادة القنب الهندي الرباعية ومنها الهيدر الكانابيديول THC)) والكانابيديويل (CBD) لها العديد من التأثيرات السلبية منها ضعف الإدراك وضعف الانتباه وتراجع الذاكرة الفورية مع عواقب تؤثر على التعلم أو قيادة السيارة وما يعرف بالتسمم الحاد و كثرة القيء وظهور حالة من الهلوسة والذعر والاضطرابات وحالة التردد. الملاحظة الخامسة والتي كشف عنها هذا النقاش هو الإقرار بأن الذي يجعل ظاهرة استهلاك القنب الهندي تنتشر وتتزايد في فرنسا وتتمدد في صفوف الناشئة والشباب ( 9.7% في صفوف المراهقين من الذكور مقابل 4.5% في صفوف المراهقات من الاناث) سببه الوضع التعليمي وما يحصل من انقطاع عن التعليم حيث أن 21% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 عاما والذين تركوا مقاعد الدراسة يستهلكون الزطلة بانتظام وأن تقنينها أو عدم تقنينها لن يقلل من الظاهرة طالما وأنه لا يلتفت إلى السياسة التعليمية والنظام الدراسي الذي ساهم بقدر معتبر في تمدد هذه الظاهرة لذا فإن التعاطي معها لا يكون بتقنين الاستهلاك أو تحرير بيع مادة الكانابيس. الملاحظة الأخيرة في هذا الحوار الفرنسي هو أن كل هذه الدعوات التي تظهر اليوم والتي تطالب بتخفيف التشريعات والتساهل مع استهلاك الزطلة وراءها مبرر واحد قوي وأساسي وهو العامل الاقتصادي والعامل التجاري وكل المبررات الأخرى التي تقدم هي تمويه وتزييف للحقيقة وتحويل وجهة النقاش إلى مسائل قانونية وطبية وحقوقية والحال أن لب الموضوع أن وراء قضية تحرير استهلاك القنب الهندي رهان تجاري وسياسة اقتصادية يخفونها فالغرب الرأسمالي يعمل اليوم على التخلي عن تشريعاته التي تجرم الاستهلاك نحو تبني قوانين جديدة تقنن هذه الظاهرة حتى يجني أموالا طائلة من وراء احتكار الدولة هذه التجارة حيث قدم المعهد الوطني للدراسات الأمنية العليا والعدالة الفرنسي في مذكرة صدرت عنه سنة 2016 رقما يتراوح بين 809 مليون إلى 1424 مليون أورو وهو ما يمثل 48% من إجمالي مبيعات المخدرات غير المشروعة في فرنسا وهو رقم مغر يدفع السياسيين إلى تبني دعوات تقنين صناعة وبيع وترويج مادة الزطلة . فهل نحتاج في تونس إلى نقاش صريح وواضح ومباشر للتصدي إلى مثل هذه الدعوات التي تتجاهل مخاطر الظاهرة وتتجنب الحديث عن الأسباب التي تجعل استهلاك الزطلة يزداد في صفوف الشباب ؟ وحديث آخر حول مخاطر اقتباس حلول واستنساخ مقاربات مجتمعات آخرى نختلف عنها من حيث التاريخ والثقافة والقيم والدين وهي لا تلزمنا وتحاصرنا في رؤيتها وحلولها ؟