استقالة سليم عمامو من منصبه الحكومي.. يبدو أنها قد مرت مرور الكرام.. ولعلها لم تحظ بالاهتمام اللازم من طرفنا.. وحتى من طرف المتابعين لشأننا. والحقيقة أن سبب ذلك واضح.. باعتبار انشغالنا هذه الايام.. وانشغال المتابعين معنا بمسألة الانتخابات وبمعركة التعجيل والتأجيل وبطول حديثنا عن الشرعية.. وهي المسألة التي يتكلم فيها الجميع.. لكنهم يفتقدونها كلهم.. ولا يعترفون بذلك مع ذلك. المهم.. هذه حكاية اخرى قد أعود اليها مرّة أخرى خاصة وقد بدأنا نفهم وندرك خطورتها.. ونتصوّر أنها وأقصد غياب الشرعية عن كل هياكلنا وهيئاتنا.. وعموما عن كل الذين فكوا أيادي الحزازة وتحولوا الى ناطقين باسمنا.. والى مقررين مكاننا والى متبصرين بشأننا والى عالمين بما في قلوبنا.. والى حراس لثورتنا والى متصرفين في مصيرنا.. قلت هذه مسألة قد أعود الى تناولها.. مرّة أخرى بعد أن بدأ يتبين لنا نحن أبناء الشعب الكريم.. بأننا مطالبون اليوم وبكل قوّة.. بالتصدي.. لما يحاك ضدنا من ألاعيب ومن مخططات ومن مآمرات... وبالتقدم لأخذ زمام أمورنا بأنفسنا.. حتى ولو كان ذلك بإعلان الانقلاب على الكل وبالتكفل بانتخاب لجان محلية وأخرى جهوية وثالثة وطنية.. تكون نابعة منا ومكلفة من طرفنا بتسيير شؤون البلاد والعباد.. وبعيدا عن كل التكتلات وعن الحرص على ضمان المصالح.. وعلى البحث عن الكراسي وعن الرغبة في تقسيم «الكعكة» ونيل نصيبها منها. أعود الى استقالة الشاب سليم عمامو من الحكومة وهي المسألة التي مرّت أو كادت مرور الكرام دون أن تطرح علينا ما يجب طرحه من تساؤلات اعتبرها هامة وضرورية. وأبدأ الحكاية من أولها. سليم عمامو هو شاب «فايسبوكي» أي أنه من الشبان المغرومين بالفايسبوك وهو مدوّن معروف.. ولقد أسهم بجهده في الثورة.. ونال ما نال بسبب ذلك وتم ايقافه. ولقد جيء به بعد ذلك مباشرة الى قصر الحكومة.. ليتم اجلاسه على كرسي كاتب الدولة للشباب وهي مهمة سامية.. قد يلزم صاحبها أن يكون مكتسبا للخبرة اللازمة وللتجربة الطويلة. ولقد بدأ هذا الشاب عمله في موقعه الجديد.. لكنه قد قرر هذه الايام مغادرته.. معلنا الاستقالة منه ومعللا ذلك بأن دوره قد انتهى في هذا المنصب.. مكاذا يعني هذا؟ وكيف يمكننا قراءة ما حصل. الحقيقة أنه لا يمكننا القيام بالقراءة السليمة لهذا الحدث.. دون الحديث عن اختيار سليم عمامو لهذا المنصب من طرف الحكومة المؤقتة.. وعن الغاية منه في هذا الخصوص أدرك المتابعون منذ البداية أن تعيين هذا الشاب في ذلك المنصب من طرف الحكومة.. قد مثل عملا.. أو لنقل تصرفا مقصودا من طرف هذه الحكومة.. لعله لا يهدف الى استفادتها من خبراته ومن تخصصه بقدر ما يهدف الى اعتبار مسألة التعيين هذه خطوة هامة وضرورية ليس لإرضاء عامة الناس فقط بل وكذلك وهذا الأهم لإرضاء شباب الثورة، وللأخذ بخاطرهم ولاقناعهم بأن الوقت اليوم قد صار وقتهم وبأنهم قد تحوّلوا من مرحلة التهميش والاقصاء قبل الثورة الى مرحلة القرار والى أصحاب الرأي فيه. هذا ما بدا لنا من خلال تعيين هذا الشاب بذلك المنصب.. حتى أن بعضنا قد تنبأ له منذ البداية بإمكانية الفشل.. وحتى بالانسحاب من هذه الحكومة مبكرا. أقول هذا.. ليس بغاية التقليل من شأن عمامو.. وليس بسبب رغبتي في التأكيد على أنه «ما عندو ما يضيف» داخل هذه الحكومة بل لأن مجيئه اليها قد كان مختلفا في أسباب بين ما يحمله هو عنها وبين ما تحمله هذه الحكومة حولها. في هذا الخصوص قد يكون سليم عمامو قبل المنصب لإيمانه بحقه في الاشتراك ضمن حكومة ثورية تعمل بحق على انقاذ البلاد والعباد وفق تصوّرات جديدة وبالاعتماد على طرق عمل مختلفة مما كان سائدا في السابق.. وقد تكون الحكومة وهذا ما بدا لنا واضحا قد تولت دعوته للانضمام اليها في إطار تأكيد رغبتها في دغدغة مشاعر وعواطف الشباب ومن أجل ارضائهم وربما لكي تكسب ودهم.. أما ما حصل بعد ذلك وما قد يكون دفع بهذا الشاب للاستقالة فإنه يبدو واضحا ومنتظرا.. ذلك أن سليم عمامو وعلى فكرة وهذه أقولها على مسؤوليتي الخاصة والذي لم يقدم شيئا لأبناء جيله ولشباب الثورة من خلال مسؤوليته قلت أن هذا الشاب قد يكون دخل الحكومة حاملا لتصورات ثورية كبرى.. وقد يكون اصطدم بعد ذلك باستحالة تبنيها من طرفه ولعله قد اصطدم كذلك بأنه قد أخطأ العنوان باختياره الانضمام لحكومة قد تصور في البداية أنها ثورية وأنها انقاذية فاكتشف بعد دخولها أنها عادية وأنها تواصل التمسك بمناهج عمل الحكومات السابقة ولا تحيد عنها.. بل انها قد تتفوق عليها في درجة التخبط والتذبذب.. سليم عمامو.. قد تكون أصابته خيبة الامل فرضي بالتنازل عن منصب قد لا يمكنه ان يتوفر لغيره بسهولة. وسليم عمامو قد يكون فعل ذلك لنفهم منه وليفهم أبناء جيله بأن كل ما ظلوا يستمعون اليه من كلام جميل حول تحقيق أهداف الثورة وحول التغيير المطلق وحول العزم على تشريك الشباب في خدمة تونسالجديدة لا يمثل في الحقيقة غير مجرد عبارات جميلة يرددها البعض ولا يعملون على تطبيقها أو حتى على محاولة تجسيدها. هل يمكننا القول ان هذا الشاب.. لم يستقيل من مهامه وأنه قد تمت اقالته وأن من فعل به هذا هو اليأس.. الذي عصف به مثلما عصف بكل أبناء جيله ممن كثرت أحلامهم وكبرت آمالهم في الثورة.. لكنهم قد اصطدموا بصعوبة تحقيقها بعدها. هل ندعي أن سليم عمامو قد تصرف مثل الالاف من أبناء هذا الوطن والذين آثروا.. اليوم.. الحرقان الى خارج تونس بعد أن يئسوا من حقهم في العيش بكرامة.. هل نقول أنه قد فعل هذا.. فآثر بدوره الحرقان من داخل قصر الحكومة الى داخل المجتمع للقيام بدوره الاساسي فيه والمتمثل في مواصلته الاسهام في الثورة حتى تحقق أهدافها الحقيقية؟..