لست منجما.. ولا عرّافا ولا أفهم شيئا في التنجيم وهو عالم غامض ومليء بالأسرار.. ولكن لا أحد في هذا العالم لا يحب التنجيم ولا يصدقه ولا يتمنى أن يسمع تكهناته.. لا أحد على الاطلاق سواء كبر شأنه أو صغر.. فهناك ضعف إنساني عام أمام المجهول.. وأمام المستقبل.. وما سيأتي.. وما تخبئ لنا الايام والأعوام.. كلنا نريد أن نعرف ماذا تخبئ لنا الاقدار.. وماذا سنجني.. وماذا سنربح.. وماذا سنكسب.. وماذا سنحقق من النجاحات.. حتى الملوك وهم يجلسون على كراسيهم الوثيرة وفي قصورهم الفخمة يريدون معرفة المستقبل.. ويتطلعون الى من يقرأ لهم الكفّ.. ويكشف لهم عن كل ما سيصادفونه في ايامهم القادمة ويودون أن يعرفوا خطط ومؤامرات ودسائس خصومهم وهل ستفشل مؤامراتهم أم أنها ستنجح فتكون الطامة الكبرى.. وما أكثر الدجالين في هذا المجال!!! ولكن هناك مشكلة كبيرة وهي كيف نفرّق بين العرّاف الدجال.. والعراف غير الدجال.. بين الخبير والمزيّف؟ بل يمكن ان تكون هناك استحالة.. فأنت تستطيع أن تعرف الطبيب الحقيقي والطبيب المزيّف.. والمحامي الحقيقي والمحامي المزيّف.. والفلاح الحقيقي والفلاح المزيّف.. ولكن مع العرّافين والمنجمين فذلك غير ممكن على الاطلاق.. فليست هناك شهادات.. ولا مقاييس.. ولا قواعد.. أنا شخصيا مع جهلي الكامل بالميدان استطيع ان أتحول الى عرّاف فأزعم ان اسبانيا هي التي ستفوز اليوم بالمونديال وأن هولندا ستخرج من المولد بلا حمص.. وستكتفي بشرف الوصول الى نهائي المونديال اما الكأس فلن تكون من نصيبها.. أستطيع ان أتكهن بذلك وأذيع بين الناس هذا التكهن وأقدم ما يبرر ما تكهنت به ولا أحد سيمنعني.. أو يعترض.. فهذا تكهني وأنا حرّ فيه.. أما اذا صدقت نبوءتي وتحقق ما تكهنت به وفازت اسبانيا بالكأس فإن الجميع سيصفقون لي.. وسيمتدحون قدراتي.. وستتناقل وكالات الانباء العالمية «عبقريتي» وفي لمح البصر سأتحول الى عرّاف عالمي.. ان المسألة لا تتطلب غير شيء من الاقدام.. ومرّة تصيب.. ومرة تخطئ.. ولكن في نهاية الامر سيتعوّد الناس وتروج بضاعتي.. أما اذا انهزمت اسبانيا وفازت هولندا فإن الناس سوف ينسون بسرعة.. وسوف لا يغضبون.. بل سيضحكون وسيقولون.. ألم نقل لكم أنه «غفّاص».. لا أحد سيحاسبني حسابا عسيرا.. او يمنعني من الاستمرار في التنجيم.. فالمسألة بالنهاية أولها هزل وآخرها هزل.. وما أكثر الهزل والمهازل في هذا الزمان..