كان الشعب التونسي يخاف من الوزير وكانت حركة المرور تتوقف في الشوارع حتى يمر ركب الوزير كان الشعب التونسي يخاف من الوالي وكان الوالي يلجم الأفواه إذا سل في اجتماع سوط لسانه وهدد به وضرب. كان الشعب التونسي يدخل الإدارة التونسية وهو يرفع سلام الخوف للحاجب ولكل من في الإدارة من الحاجب إلى المدير. كان الشعب التونسي يرتعد خوفا وهو يرى شرطيا أو حرسا، وإذا دخل مركز شرطة أو دار قضاء يردد بقلبه ولسانه (اللهم يا كافي البلاد قنا من البلاء قبل أن ينزل علينا من الشرطة أو من القضاء). كان الباعة المنتصبون الفوضويون إذا شموا رائحة عون التراتيب البلدية قادمة من أول الشارع جمعوا بضاعتهم بسرعة وهربوا واختفوا. كان التجار يرون المتفقد الاقتصادي يدخل عليهم فجأة وكأنه عزرائيل ملك الموت زارهم ليقبض أرواحهم. كنا نخاف من كل شيء وكان أولاد شوارعنا وصعاليكنا و(باربواتنا) يخافون من السلطة وتسلط أعوان السلطة لذلك كان أغلبنا يمشي (الحيط الحيط) وبروح الصدق أقول: كنا في ظل الخوف ننعم بشيء من النظام والأمن. ولما جاءت ثورة الكرامة، وقلنا أنعم الله علينا بثورة قوية جارفة جرفت سدّ الخوف فأطاحته وطهرت البلاد ونفوس العباد من خوف السلطة والتسلط. فماذا فعلنا بعد أن تحطم سد الخوف؟ ماذا زرعنا وماذا حصدنا بعد أن تحررنا من الخوف؟ هل كنا في النظام في مستوى الثورة؟ هل كنا في الأمن في مستوى الثورة؟ هل كنا في الحرية في مستوى الثورة المباركة؟ هل كنا في أخلاقنا وسلوكنا نرفع راية الثورة؟ أليست الأخبار التي تتساقط على رؤوسنا صباح مساء من وسائل إعلامنا جعلت المواطن التونسي يقول: كنت في العهدين السابقين لا أستمع إلى نشرة أخبار التلفزة التونسية لأنها أخبار مدائح وأذكار توهمنا أن تونس بخير من شمالها إلى جنوبها بفضل قيادة المجاهد الأكبر الرشيدة ثم بفضل صاحب العناية الموصولة واليوم لا يستمع بعض التونسيين لأخبار التلفزة التونسية لأنها تغرقه وتدق رأسه بأخبار الفوضى والغورة والاعتصامات وجبال الزبلة؟ من منا شارك وساهم في الثورة بحضوره وجسده أو بلسانه أو بقلمه أو بدعائه كان يتصور أن طرقاتنا تصبح مستباحة للاعتصامات؟ من كان من المواطنين والمواطنات العقلاء من كان يتصور أن حركة المرور تسير في فوضى والشرطي يرى ويسمع ولا يقدر أن يوقفه مخالفا لأن الشرطي صار يخاف من ردود فعل المواطن؟ من منا كان يتصور أن الوزير والوالي والمعتمد صاروا يهابون ويخافون من أي مواطن يقتحم عليهم مكاتبهم ويقول لهم (ارحلوا) فيرحلوا؟ من كان يتصور أن الثورة المباركة من بركتها تتكدس جبال الزبلة في شوارع مدن تونسية ونواب البلدية الوطنيون المتطوعون لا يجدون أمامهم الأيدي التي تساعد على دكها والقضاء عليها وإنما يجدون مواطنين يقفون في طريق البلدية وطريق النظافة ويرفعون مطالب لم يكونوا يرفعونها في زمن وعهد الخوف؟ من كان يتصور أن (العروشية) التي كانت وظننا انها ذهبت بنشر التعليم والثقافة تتحرك اليوم في عهد الثورة وتشعل نارها بأي عود من أعواد الكبريت وتعجز قوى الأمن عن إخمادها؟ من كان يتصور ان الأطفال والمراهقين والشباب يتسلحون بالسواطير والسكاكين ويعتدون على الأبرياء حتى إذا أذن القضاء العادل بالقبض عليهم وسجنهم خرج الرجال والنساء في مظاهرات يطالبون بإطلاق سراحهم؟ من كان يتصور أن المواطن في عهد الثورة يستدعي أحبابه وأهله إلى حفل زفافه في قاعة خاصة فيعتدي المعتدون على سياراتهم ويحطمون زجاجها وعندما يدعون أعوان الأمن لحمايتهم يتهرب الأعوان من القيام بدورهم خوفا من البلطجية ومن اتهام أهالي البلطجية للأعوان بإهانتهم والاعتداء عليهم بما يتنافى مع القانون؟ من كان يتصور أن المواطن صار يشعر أن القاضي في دار العدل صار يخشى من ردّ فعل الشارع الذي تتحكم فيه وتقود جحافله فوضى الشارع؟ أيها العقلاء والحكماء ويا أصحاب السلطة ويا قادة الأحزاب هل أرضاكم هذا فسكتم عليه أم أنه لا يرضيكم ولكنكم خفتم من الشارع فنافقتموه ؟ فهل في بحور الفوضى والغورة وجبال الزبلة سنغرق وتغرق الثورة المباركة أم ننتظر يدا قوية طيبة طاهرة تظهر وتمتد إلى سفينتنا وتنقذنا وتنقذها من الغرق؟ أين هذه اليد ومتى ستظهر؟ اسأل وأحب أن أفهم. ملحق : بعد أن كتبت مقالي ووجهته إلى (الصريح) استمعت إلى خطاب الوزير الأول المناضل السيد الباجي قائد السبسي فوجدتني أحييه وأدعو الله أن يكون مع تونس ومعه وأرجو أن يكون الشعب والشعب الصامت خاصة معه حفظنا وحفظ الله تونس وألهم جميعنا الرشد وهدانا إلى الحذر فالأيام حبلى قد تأتي بما لا يسر.