هذا اللغز يتعلّق بالشيخ عبد الفتاح مورو الذي تصرّفت معه صناديق الاقتراع وكأنه.. نكرة.. وكأنه غير مؤهل.. وكأنه «رجل غير مهم»!... إنه تصرف غريب.. عجيب لم أستطع له فهما.. ولا تفسيرا.. كنت أتوقع أن يكون فوز الشيخ مورو كاسحا.. ودون حدود.. وفي مرتبة متقدمة جدا.. ولكن نتائج الانتخابات كذبت توقعي مع أنه كان في محلّه وأسبابه موضوعية وواقعية.. إنني لم أفهم كيف لا ينجح من يحظى بمحبة واحترام وتقدير الناس.. ومن يتمتع بشعبية واسعة.. ومن إذا خاطب الشعب سمع منه.. ومن لا يختلف عن التوانسة في كل شيء تقريبا فهو منهم وإليهم.. ويكاد ينطق بصوتهم.. ويعبر عنهم تعبيرا حضاريا جميلا.. لقد قامت قيامة البعض عندما كان الشيخ مورو يظهر يوميا في رمضان بعد الافطار من خلال حصة رمضانية على قناة «حنبعل» بدعوى أن هذا الظهور المتكرر يخدم حملته الانتخابية.. فأين اليوم هذه الخدمة؟؟.. وهل ساعدته على النجاح؟.. ويبدو أن النجاح في الانتخابات لا تحققه الشعبية حتى وإن كانت واسعة وكاسحة بدليل أن فوزي البنزرتي الذي تتجاوز شعبيته الشيخ مورو بأشواط ويعرفه الداني والقاصي لم ينجح هو الآخر وأسقطته صناديق الاقتراع.. ولكن الشيخ مورو لا يتمتع بالشعبية والصيت الحسن فقط.. فله مؤهلات أخرى منها الثقافة والمعرفة والقدرة على الاقناع.. والشرعية النضالية.. إن للرجل مجموعة من الخصال.. ثم هو بلغتنا التونسية «باع وذراع».. فكيف لا يصوّت التوانسة لرجل كهذا؟.. إنني حاولت أن أعثر على إجابة عن هذا السؤال ولكنني لم أظفر بالاجابة المقنعة التي تزيل حيرتي وشكّي وتساؤلاتي.. والأمر الوحيد الذي تيقّنت منه بعد هذه الانتخابات ونتائجها أنني لا أعرف التوانسة وأنا الذي كنت أدعي وأزعم أنني أعرفهم وأعرف «ڤمح بلادي» جيّدا.. لقد تبيّن لي أنني أجهل الناس بالتوانسة بدليل أنني توقعت فوز الشيخ مورو مائة بالمائة وإذا به لا يفوز وكأنه كائن غريب عن التوانسة قادم إليهم من كوكب المريخ!!! بالفلاڤي الصريح أقول: إن الشيخ مورو «واحد منا».. يشبهنا.. ومن «قاع الطنجرة».. ولكن ما أعجب صناديق الاقتراع.. أو ربما ما أعجبنا نحن التوانسة؟! «كان صبّت اندبي.. وكان...!!!» مرة أخرى يجد صديقي عبد الله العريان نفسه مجبرا على الغضب والاستياء الى حد البكاء.. طلبني عشية أمس من «التاكسيفون» ليقول لي أنه منذ صباح الأحد وهو «يعوم وينكت» جراء الأمطار التي داهمته هو وجيرانه في الحومة التي تحوّلت حسب قوله الى بحيرة واصبح التنقل من زنقة إلى زنقة لا يمكن أن يتم إلا بواسطة «فلوكة».. وقال لي صديقي عبد الله وهو يصرخ: «يرزيك فيها «الزيڤوات» اللي عندنا في الحومة.. راهي غير موجودة أصلا».. ثم سألني: بجاه ربي إلى متى سنظل مع كل مطرة نرتعد خوفا وتتعطل مصالحنا ويعوم علينا الماء؟.. وإلى متى سنظل نردد: «كان صحات اندبي.. وكان صبّت اندبي».. ثم وبصراحة شديدة لقد تعبنا من «النديب.. اندبنا.. اندبنا حتى تهدينا.. وتعبنا.. وفدّينا».. ثم صمت قليلا فرُحت أقول: «ألو.. ألو..».. وإذا به يقول: «سامحني راني باش نعلّق على خاطر التاكسيفون» هجم عليه الماء.. راني واقف نكلّم فيك وساقيّ في الماء كأنني حاططهم في «بانو ماء».. أما بارد مڤلّص»..