إن الفترة ليست فترة رخاء ورفاهية واكتفاء حتى يقبل الناس التضحية بجزء من شهرياتهم عن طيب خاطر.. إنها فترة أقل ما توصف به بأنها قاسية ومحرجة وصعبة وصلت فيها الهوّة بين الشهريات والأسعار حدّا ضخما ومرعبا.. كل شيء صار اليوم ثمنه من نار.. والمشكل الذي زاد في تعكير الأجواء أن الغلاء لم يقف عند حدّ الكماليات بل مسّ الضروريات التي لا غنى عنها.. لقد شمل القوت اليومي حتى أنك تسمع من الناس من صار يقول: «حتى الدجاج ما عادش خالطين عليه»!! إن الناس يعانون وقد اكتووا بنار الغلاء وصار الدينار في وزن الريشة.. وتراجعت قيمته بشكل مفزع.. إنك لا تستطيع اليوم مواجهة موجة الغلاء إلا بالصبر.. وفي وضع كهذا لا يجوز أن يتجرأ الحاكم على قطع ولو دينار واحد من شهريات الناس.. وأظن حتى التفكير.. مجرد التفكير في خطوة كهذه غير مقبول.. وغير جائز.. وغير منطقي.. ولذلك يجب التراجع فورا ونسيان الموضوع أصلا.. إن ظروف الناس لا تتحمل التضحية.. ولو بربع دينار.. والحكمة تقول اذا أردت أن تطاع فاطلب ما في المستطاع.. ولذلك نرجو من سي حمادي الجبالي رئيس الحكومة أن لا ينسى وهو يقدم حكومته الجديدة الى الرأي العام أن يطمئن الناس على كل المستويات ويقول لهم بصريح اللفظ والعبارة أن عملية قطع أربعة أيام لن تتم.. وأنها كانت مجرد اقتراح سوف لا تأخذ به الحكومة.. وما أكثر التطمينات التي ينتظرها الشعب بكل فئاته وتياراته وأفراده من رئيس الحكومة الجديدة.. فيا حبذا لو أنه يركز عليها ويعطيها نصيب الأسد من خطابه المنتظر.. ويا حبذا لو يعطي الأمان للخائفين والمرعوبين والقلقين والمتشككين والمتوجسين والمترددين والمنكمشين وما أكثرهم.. ومنهم من هم في مواقع مؤثرة.. والبعض منهم في مواقع حساسة جدا.. بعد عام من الثورة علينا أن نحمي البلاد.. بعد أن حمينا الثورة فليس من الذكاء ولا من المصلحة ولا من المنطقي أن نضيع البلاد بدعوى الخوف على الثورة من الضياع. على سي حمادي الجبالي أن يكون في بيانه الأول في مستوى المسؤولية التاريخية.. وفي مستوى انتظارات الشعب.. ولعله لا يحتاج إلى من يذكره بأن البدايات هي التي تحدد المسارات والتوجهات والنهايات كذلك.