اختارت تونس بعد الثورة طريقة التصويت على القائمة والاخذ بأكبر البقايا وجربته في انتخابات المجلس التأسيسي وأعادته في الانتخابات التشريعية وربما تنوي استعماله في الانتخابات البلدية والجهوية القادمة التي تعطل إصدار قانونها بسبب حاملي السلاح. لم يكن اختيار تلك الطريقة صدفة بل كان بتدبير من طرف الهيئة العليا لحماية الثورة والتحول الديمقراطي التي كان تراسها العميد عياض بن عاشور واختار لتونس نظام حكم لا هو البرلماني ولا هو الرئاسي. واخيرا اعترف بخطأ اختاره لتلك الطريقة في التصويت والحكم الهجين الذي فرضه على الناخبين فباتت تونس سببه تحكم برأسين وفي بعض الأحيان بثلاثة رؤوس. لم تكن النية صافية من الأول وبدأ بنصب الفخاخ أمام حركة النهضة حتى لا تفوز بأي أغلبية في المجلس التشريعي أو في السلطة التنفيذية بدون استعانة بالآخرين، ولكنها كانت أذكى من الجميع وتأقلمت مع تلك الفخاخ وقدمت قائمات مناصفة بين الرجال والنساء وتحالفت أخيرا مع الحزب الذي اختص بشيطنتها وقسم الناخبين الى فسطاتين! كان المقصود بالتناصف بين النساء والرجال تعجيز ذلك الطرف الذي يتهم بالرجعية ومحاولة العودة بتونس الى قرون التخلف التي جعلت من المرأة رهينة البيت وبعيدة عن الشأن العام باعتبارها محرما لا يمكن القرب منها وخاصة للمتخونجين. أما بالنسبة للسلطة التشريعية فإن ذلك النظام الانتخابي لا يسمح لأي حزب مهما كان وزنه أن يحوز على الأغلبية ولو كانت نسبية ويجبر على التحالف مع آخذين. وذلك ما حصل لما تحالفت النهضة مع حزبي التكتل والمؤتمر وشكلت حكومة ثلاثية وتقاسمت المناصب العليا معهما ولكنها أجبرت على الخروج من الحكومة وبقيت في المحكم بالرغم من ذلك. أما في الانتخابات الأخيرة وبالرغم من انفراد حزب النداء بالمناصب الثلاثة، فقد خير التحالف مع خصمه اللدود لتبقى النهضة في الخفاء تجذب كل الخيوط. هكذا تم الاتفاق على تونس وليس التوافق من اجلها وضاعت المحاسبة على الجميع، ويذكرني ذلك بالدم الذي يوزع على القبيلة، وبأداء الدية تهدأ النفوس. وأعود لطريقة التصويت على القائمة، وأكد بانها بدعة لم يكن فيها الاختيار مباشرا كما يروج له واضعوها في العلن وهم يعرفون، لأن الناخب فيها مجبرا على التصويت لكامل القائمة ويحرم من المزج والتشطيب وبذلك يصبح تصويته بالوكالة التي لم يعطها لواضع تلك القائمة بدون معرفته لأسماء المرشحين والبعض منهم ليست له به معرفة لا من قريب أو بعيد. لذلك رأينا نساء ورجالا في مجلس نواب الشعب أتت بهم الصدفة والظروف، لم يعرف لهم اي نشاط قبلها في اي ميدان من الميادين. أكتب ذلك الآن خشية من تكرار ذلك الأسلوب في التصويت بالجهات والبلديات ونحكم من طرف الغرباء عن الشؤون العامة لنصبح بعدها من النادمين! أنا اقترح أن يكون التصويت على القائمات مثلما وقع في أول انتخابات بلدية اجريت سنة 1957 سمح فيها بالخلط والتشطيب ويختار فيها الناخب من شاء منها وأراد، وتكون شهادته بما علم تطبيقا لما جاء في سورة يوسف عليه السلام في القرآن الحكيم. وأذكركم بما جرى وقتها في بلدية المنستير التي ترأس قائمتها الرئيس بورقيبة وتجرأ وقتها جمع من المنستيريين وقدموا قائمة معارضة فاز منها واحد وهو المرحوم محمود الشاوش على حساب قائمة الزعيم، فتم إدماجه في قائمة الرئيس وأصبح بعدها من أحسن المستشارين.