أتذكر أن الدينار التونسي كان يساوي ثلاثة دولارات في ستينات القرن الماضي بينما انقلب الأمر الآن إذ يلزم لشراء دولار واحد أكثر من دينارين ونيف بالتمام والكمال. لم نكن وحدنا من البلدان النامية الخارجة من الاستعمار الفرنسي دون أن يكن لها غاز أو نفط يغطي ميزانها التجاري أو للدفاعات، إذ كانت المغرب مثلنا ولكنها حافظت على قيمة عملتها المنظرة باليورو واقتصادها مزدهر وتكثر فيها المشاريع بالرغم من غلاء الأجور بالنظر لقيمة صرف درهمها في السوق. أقول ذلك ليعلم الجميع بأن تنظير تونس بالدول التي تشغل أقل منا في إداراتها ومؤسساتها وكتلة الأجور باتت تثقل ميزانيتها وتزداد، أن العبرة بالمقابل الذي يصرف لهؤلاء العاملين في القطاع العام والخاص بالدينار القار وليس بالدينار الذي لم تعد له قيمة وأصبح لا يلبي حاجة ماسكيه. لقد اصبحت الوظيفة العمومية عندنا تمثل هدفا بينما كان يجب أن تكون وسيلة لقضاء شؤون الأخرين. اتذكر في زمننا لما كانت الطبقة المتوسطة تتشكل من هؤلاء الاساتذة والمعلمين وصغار الموظفين العاديين في القطاع العام ولم يكن للقطاع الخاص وجودا إلا في الفلاحة وبعض الصناعات التحويلية التي لم تكن تسمن ولا تغني من جوع، أما وقد انقلب الوضع عندنا في بضع سنين، فكان علينا التأقلم معها من الجديد. أقول ذلك واعتذر لخبراء المال والاقتصاد لأني غير مختص في تلك العلوم، كان علينا أن نقارن كتلة الأجور الحالية بقيمة الدينار القار وليس بقيمة الدينار المتداول حاليا لأنه لم يعد نفس الدينار لو كنتم تعلمون. لقد باتت الاجور المدفوعة اخيرا للعملة والموظفين مشبهة بمنحة البطالة وهي لا تغطي قيمة العمل الذي يجب أن يحافظ على قدره، وذلك لن يمكن إلا بتقدير قيمته مقارنة بما هو معمول به في القطاع الخاص وحالة السوق. إنها الحلقة الجهنمية التي دخلناها ولن نخرج منها إلا بتغيير نمط العيش ولن يكون ذلك سهلا علينا ونحن مكبلين بالقروض.