تعددت الأحزاب التي دخلت ،خلال السنوات الست الماضية ، سباقات تكوين جبهات سياسية وجميعها مختلفة في مرجعياتها الفكرية والإيديولوجية ولكن قادتها كانوا يسعون إلى تجسير الهوة القائمة بينها أملا في تكوين جبهة جديدة تكسر الإستقطاب الثنائي لحركتي النهضة والنداء. لا شك أن هذا المسعى سليم في ظاهره ونبيل في مقصده إعتبارا لعدم قدرة هذه الأحزاب على تثبيت مواقعها في الساحة السياسية بشكل منفرد، ولكنه يبقى دوما محفوفا بالكثير من الصعوبات والعراقيل والمطبات خاصة وقد أثبتت التجارب السابقة أن مثل هذه التحالفات والجبهات سرعان ما تتفكك وتضمحل لأسباب مختلفة أولها التباين العميق على مستوى المرجعيات والأدبيات والإيديولوجيات ، وثانيها حرب الزعامات المتأججة ، إذ يعتبر كل قائد حزب من هذه الأحزاب أنه أولى من الآخر بزعامة الجبهة التي يعتزم تشكيلها ، ونتذكر جميعا كيف إنهارت كل التحالفات التي قادها الحزب الجمهوري في السنوات الأخيرة وتلك التي ساهم في بعثها التحالف الديمقراطي على سبيل المثال وليس الحصر، أما ثالث هذه الأسباب فهو إنقسام القواعد في التعامل مع هذه المبادرات و0ختلافها مع قياداتها، بقي قد تكون هذه التجارب المتراكمة قد مكنت قادة هذه الأحزاب من مراجعة مواقفهم السابقة و0ستخلاص الدروس المفيدة من الخيبات التي لاحقت ثم ذيلت محاولاتهم المتعددة فعادوا لتجديد التجربة على قواعد أخرى خاصة وأن الأوضاع تحتم عليهم إيجاد صيغة فاعلة لتأمين عودة تدريجية وثابتة لساحة الفعل السياسي، فالإجتماعات الأخيرة التي إنعقدت بين محسن مرزوق (المشروع) ورضا بلحاج (منشق عن نداء تونس ) وسليم الرياحي (الإتحاد الوطني الحر) وآخرين تمخضت عن بعث جبهة وصفوها ب" الوسطية الحداثية" ، بعد أن كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من مشاوراتها التي توزعت على عدة لجان وتوصلت إلى إتفاقات أولية حول مشروع أرضية مشتركة لم يتم عرضها بعد على هيئاتهم التنفيذية ، إن وجدت فعلا، و قواعدهم إن وجدت أيضا لدى تلك الدكاكين !!! ، وقد عبر قادة الأحزاب الأكثر تحركا في هذا المجال عن تفاؤلهم الحذر بنجاح هذه المحاولات الرامية إلى تكوين جبهة تكون قريبة أكثر ما يمكن من الأوساط الشعبية ومشاغلها خاصة في المناطق المهمشة والتي هي بحاجة أكبر للتأطير السياسي وكانت قد برزت بمقاطعتها للإنتخابات الماضية حسب ما أكدته النسب الضعيفة جدا لمشاركتها فيها، بالإضافة إلى محاولة إستقطاب كل الذين صوتوا لحزب نداء تونس في الإنتخابات السابقة ثم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة وفي طليعتهم مليون إمرأة والكثير من ناخبي مناطق الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى الذين دعموا بكثافة حزب نداء تونس قبل تفتته وتشرذمه، لكن ليس كل ما تتمناه هذه الأحزاب والدكاكين تدركه ! وها هي الخلافات قد إنطلقت في صلبها وكان حزب "المشروع" أكثرها تململا إذ أبدت أغلبية قياداته إحترازا على هذا التوجه وذهب بعضها إلى اعتبار ما أتاه محسن مرزوق الإ" هرولة" لا مبرر لها وتسرعا غير مقبول ، كما ذكرنا ذلك في تحاليل سابقة ، ، وهو ما يوحي بظهور أزمة جديدة قد تضع محسن مرزوق على صفيح ساخن ! أما في حزب الإتحاد الوطني الحر الذي يعاني من انسلاخ أهم قياداته فإن سليم الرياحي يبحث عن تموقع جديد يعيده إلى الساحة التي تخلت عنه بعد أن همشته ، لكن الأهم من كل هذا هو ما يروج في الساحة من أن محسن مرزوق يسعى من خلال إطلاقه لهذه المبادرة إلى تعزيز موقعه بالدعم المالي لسليم الرياحي رئيس حزب الإتحاد الوطني الحر ، والذي لن ينازعه في زعامة الجبهة من جهة ، والإستفادة من شبكة العلاقات الشخصية لبعض الشخصيات الدستورية من جهة أخرى، لكن إذا كان سليم الرياحي قد إنساق راضيا مرضيا في هذا المبادرة ل0ندثار حزبه وضعف رصيده السياسي ، وأن لا خيار أمام رضا بلحاج إلا إنقاذ نفسه من بطالة سياسية مبكرة فإن الدساترة لن يكونوا لقمة سائغة ولن يتخلوا عن أرصدتهم السياسية لمحسن مرزوق بعد أن إنكشفت أجندته ولم تعد خافية على أحد لذلك لن يتواصل وجودهم في هذه الجبهة وقتا طويلا . وكما فشلت كل الجبهات الأخرى ستفشل " جبهة الإنقاذ" حتما . ، لأنها بنيت على تراكمات من الخيبات.