عادة لا أتابع البرامج الاجتماعية لأنّ المآسي التّي تعيشها بلادنا بعد الثورة تكفينا مؤونتها لعدّة أعوام قادمة، ولكن بمحض الصدفة تابعت الحلقة الأخيرة من برنامج " عندي ما انقلك " لعلاء الشابي.. وكم كانت تأثري شديدا بالابن علي البرني الذي أصرّ اصرارا بلا حدود على التبرع بكليته لفائدة والدته السيدة حياة التي تعاني قصورا في ذلك حتّى لا نقول انّها مهددة في حياتها دون حصولها على كلية، ولكن أمام اصرار هذا الابن البار للتبرع بأحد كليته نجد اصرارا أكثر وقعا من الوالدة لرفضها ذلك خوفها على حياة ابنها الشاب وكم كانت الصورة جميلة، التي قدمها كليهما وكم كان الدرس عميقا في التضحية والبر بالوالدين والإيثار والمحبة والخوف على الآخر، رغم الدموع التي انهمرت بغزارة لا من قبل الابن ووالدته بل حتى من قبل الحضور وأكيد كذلك من قبل المشاهدين الذين تابعوا هذه الحلقة. ولكن هل وصلت هذه الرّسالة النبيلة التّي حملت تقريبا كل معاني القيم الانسانية بعيدا عن النفاق و"الترهدين" والتزلف والكره والحقد والبغضاء في اسمى معانيها وتجلياتها،لأنّنا في المقابل نجد هذا الكم الهائل من الأحقاد والبغضاء عبر التلاسن والشتم التي اجتاحت حياتنا ودخلت إلى عقر ديارنا عبر القنوات التلفزية الموقرة لتزيد نار هذه الأحقاد تأججا عن طريق افساحها المجال، باسم حرية التعبير، لنشر غسيل بعض سياسيينا الأشاوس لبعضهم البعض بعيدا عن الكلمة الطيبة التي تجمع و لا تفرق وتبني أواصر اللحمة الوطنية وتبعث الأمل في النفوس و لا تساهم في الهدم عبر البذاءات الكلامية.. رجائي الأخير أن يكون موقف الابن علي تجاه والدته ملهما لسياسيينا خاصة ولبقية أفراد الشعب التونسي عامّة قصد التشبع بالقيم النبيلة وما أحوجنا اليها خاصة في الزمن الراهن الذي ذرف فيه التونسيون الكثير من الدموع على ما آل اليه الوضع بوطننا وبتونسنا الحبيبة...