البارحة جلست في ركن من مقهى هادئ قليل الرواد وضربت أخماسي في أسداسي وسرحت مع أفكاري وأسراري وأخباري دون أن يفارق خيالي ما حدث من هول ورعب في شارع محمد الخامس في ذلك المساء المريع وتذكّرت واحدا من أصحابي لنا أشهر ونحن في خلاف سببه تافه جدا السبب دينار واحد لا غير فحضر الشيطان بيننا فافترقنا ثمّ انقطع حبل الودّ واختار صاحبي أن يبعث صداقتنا الى الجحيم حتى أنه كلّما صادفني يشيح بوجهه عنّي أحييه فلا يردّ التحيّة هكذا سحب سفيره ولم يعد يطيق أن يراني على الاطلاق. فكّرت في الأمر ودرسته من جميع جوانبه فعرفت أنني على خطأ وكان بامكاني أن أتفادى القطيعة المشومة صحيح هو البادئ بالظلم ولكن أنا أيضا من زبيبة نسكر وما عندي فين يدور الريح ماذا سأخسر لو طلبت منه السماح وعادت المياه الى مجاريها بين صديق وصديقه. والحقيقة أن مثل هذه الخلافات وهذا العرك عرك الطبابلية في بلادنا تشمل عددا لا يحصى من التونسيين، ففي أسرة واحدة الخو ميكلّمش خوه.. والأم ليست على ما يرام مع حماتها والجدّة في قطيعة مع زوج ابنتها، والجار يكره جاره وولد الحومة يضمر الشر لأحد أبناء حومته.. وهكذا فهل من السهل أن نقف صفا واحدا ونرفع في وجه الأعداء يدا واحدة ويحدث هذا بين عشية وضحاها هل من السهل أن نتوحّد ونكون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا. أعرف رجلا له ربع قرن وهو في خصام حاد مع أخيه ووصلت الحكاية الى المحاكم بين الأخوين وآلاف مثل هذه الحالة السوداويّة نتمنى بطبيعة الحال أن تصفى القلوب وأن يعود الود الى كلّ التونسيين ولكن كيف ذلك فالأمر عسير للغاية وغير ممكن في هذه الأيام ولأننا من المتفائلين، ها أننا نقولها لكلّ تونسي يحب وطنه هيا ننسى أحقادنا وننسى عقلية اعفس في خوك ركبة والّي قلّك بَو قلّو بوّين. هيا نتسامح هيا نتصالح هيا نتعاطف هيا نتكاتف هيا نتجمّع في كلمة واحدة اسمها تونس يكفينا من العرك والمعروك يكفينا من التسابق والتلاحق من أجل وسخ الدنيا فلا حال يدوم الا الوطنية والتي لا تكون الا بين القلوب الصافية وفي العقول الباهية نقول هذا ونأمل أن نرى كلّ التونسيين في صفاء وبهاء