اليوم وغدا: تونس دون قطارات    وزارة المالية: قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس    قافلة "الصمود" تواصل طريقها نحو معبر رفح وتفاؤل بإمكانية العبور إلى الأراضي المصرية    اليوم: طقس صاف والحرارة تصل إلى 41 درجة مع ظهور الشهيلي    مصادر إسرائيلية: وحدة "سهم" التابعة لحماس تعدم 12 فردا من "عصابة أبو شباب"    الجزائر.. قرار قضائي جديد بحق ملكة الجمال وحيدة قروج    وزير الخارجية الليبي.. لا يوجد أي تواصل رسمي مع الجانب المصري بشأن قافلة الصمود    بعد العثور على جثته في منزله بالعمران...أسرار انتحار الطبيب قاتل زوجته طعنا    إيطاليا تتوج «رقوج» والتلفزات العربية تشيد ب«فتنة» الدراما التونسية ... نحو العالمية    معدات حديثة وكفاءات جديدة بمستشفى عبد الرحمان مامي لدعم جودة الخدمات    إقرار إضراب في السكك الحديدية يومي 12 و13 جوان 2025 بعد فشل المفاوضات    لاغوس نيجيريا تونس ... لأول مرّة في معرض الأغذية    اُلْمُغَامِرُ اُلصَّغِيرُ وَاُلْأَسَد اُلْأبْيَض    محمد بوحوش يكتب: في ثقافة المقاومة    غفت أمّة يعرب وطالت هجعتها    وزارة المالية.. قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس 2025    البنك الدولي: توقع إرتفاع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2،7 بالمائة سنة 2025    متابعة نشاط حقل 'عشتروت' البحري    توزر: وكالات الأسفار بالجهة تدعم أسطولها بسيارات جديدة رباعية الدفع استعدادا للموسم السياحي الصيفي ولموسم شتوي واعد    بداية من الغد: الأطباء الشبّان في إضراب ب5 أيام.. #خبر_عاجل    البنك الدولي:الإقتصاد العالمي يتجه نحو تسجيل أضعف أداء له منذ سنة 2008 باستثناء فترات الركود    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الأولى من المهرجان الفرنكوفوني للفيلم الوثائقي الرياضي    عاجل/ الإطاحة بمنحرفين روّعا أهالي خزندار    وزير التربية يؤدي زيارة لمركز إصلاح إمتحان الباكالوريا بمعهد بورقيبة النموذجي بتونس 1    تقديم النسخة الفرنسية من رواية "توجان" لآمنة الرميلي    الإعلان عن قائمة مشاريع الأفلام الوثائقية المختارة ضمن برنامج "Point Doc"    عاجل/ هذه الولاية لم تسجّل أيّ حالة غش باستعمال التكنولوجيات الحديثة في البكالوريا    تسجيل رجّة أرضية بقوة 3،2 درجة على سلّم ريشتر بخليج الحمامات    سواحل تونس تحت التهديد: معركة الإنقاذ تتسارع ل15% من الشريط الساحلي بحلول 2030!    جندوبة: افتتاح موسم حصاد القمح    استعدادات بمدينة مصراتة لاستقبال قافلة الصمود لكسر الحصار على غزة    عاجل: درجات غير مسبوقة... هذا هو اليوم الأشد حرارة عالميًا    لسعة الحريقة في البحر: مخاطرها وكيفية التعامل معها    الملعب التونسي: ثلاثي في طريقه لتعزيز صفوف الفريق    نائبة بالبرلمان تنشر فيديو لتجاوزات في شركة اللحوم " لحم متعفن يرش بالصودا ولحم شارف يتحول لمرقاز    عاجل/ إيران تهدّد بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة    عاجل/ وصول أول رحلة عودة من الحج    قافلة الصمود عالقة على أبواب مصر... والرد الرسمي لم يصل بعد    وزير الشؤون الاجتماعية: تونس تعمل على استكمال إجراءات المصادقة على اتفاقيتي العمل الدولية 155 و129    بطولة السيدات لكرة اليد: الإفريقي اليوم يواجه المهدية .. ودربي كبير بين المكنين والساحل    الكرة الطائرة: تونس تنظم بطولة إفريقيا للدنيوات    استعدادا لبطولة العالم (بولونيا 2025) : المنتخب الوطني للأواسط يخوض مباراة ودية ثانية غدا الخميس بالحمامات امام منتخب الاكابر    الحمامات تحتضن المرحلة الأولى من الجولة العالمية لكرة اليد الشاطئية للأكابر والكبريات يومي 13 و14 جوان    عاجل -مونديال 2026: 13 منتخباً يحجزون مقاعدهم... فمن سبق الجميع؟    ضربة شمس: خطر صيفي يجب الانتباه إليه    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    البرازيل والإكوادور تتأهلان إلى كأس العالم 2026    كأس العالم للأندية : توقيت مباراة الترجي ضد نادي لوس أنجلوس في ناشفيل    الندوة الصحفية لمهرجاني دقّة والجم الدوليين .. الأولوية للعروض التونسية... و«رقّوج» ينطلق من دقّة    عاجل - فضيحة البكالوريا تهز سوسة: أستاذة وشبكة غش تسقط في قبضة الأمن!    عاجل: متحور ''نبياس'' يصل إلى 11% من الإصابات عالميًا... وتونس بلا أي حالة حتى الآن!    طقس اليوم: رياح ضعيفة والحرارة تصل إلى 40 درجة مع ظهور الشهيلي محليا    المخرج علي العبيدي في ذمة الله    المنستير: مواطن يذبح خروفه فوق السور الأثري يوم العيد...    تطوير القطاع الصيدلي محور لقاء وزير الصحة بوفد عن عمادة الصيادلة    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة وعدد من الجمعيات الفاعلة في مجال السيدا والإدمان    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    









"بن يغلان...وإرهابي غير ربع"
نشر في الصريح يوم 07 - 08 - 2017

حضرت مع العائلة مطلع هذا الأسبوع مسرحية رؤوف بن يغلان "إرهابي غير ربع" بمسرح الهواء الطلق بنابل. وبقدر حماسي المبدئي للحضور تشجيعا لهذا الرجل الذي اقدّره كمسرحي ملتزم بقضايا وطنه، بقدر انزعاجي من عديد نقاط الضعف التي صاحبت هذا العرض شكلا ومضمونا وأثارت في البداية غضب الجمهور وفي النهاية صمود القليل منه إلى آخر لحظة...هذا المقال محاولة نقد بناء موجهة بكل لطف للمنظمين وصاحب العرض عسى أن يتفادوا ما شابه من ثغرات ونقائص ويحسّن من صورة الطرفين التي تشوّهت تلك الليلة بشكل لا يليق بهما...فكانت مسرحية وراء المسرحية...
المشهد الأول "من المرسى... لا من نابل بدينا نقدّفوا..."
من البداية اصطف كل الجمهور أمام بوابة المسرح من جهة "الكراسي" لان المنظمين اختاروا توحيد المدخل فأغلقوا بوابة "المدارج"...ويا ليتهم ما فعلوا...أولا لان الحاجز الواقع مباشرة أمام الباب كان متحركا وبالتالي غير مانع لجمهورٍ تجمّع هناك نصف ساعة قبل موعد المسرحية المبرمجة للساعة العاشرة في وضع يشبه تلك الجموع التي تقف أمام "كوشة" الخبز ربع ساعة قبل موعد إفطار رمضان...لا علينا... بالمقابل أغلبية الجمهور احترمت الطابور في هدوء ونظام وراحت في راحة بال تنتظر فتح البوابة الموحدة ...حرم صديقي في هذه الرحلة الليلية تكرّمت علينا بملاحظة نزلت على قلوبنا بردا وسلاما حيث سمعت هذا اليوم بن يغلان... لا أدري أين... يؤكد لأحد المستفسرين حرصه على احترام مواعيد العرض ويقسم انه سيشرع هذه الليلة في تمام الساعة العاشرة لا أكثر ولا أقل...قلنا الحمد لله هذا فنان يحترم جمهوره... الآن الساعة العاشرة إلا ربع ولا شيء ينبئ بقرب فتح الأبواب حيث جاء احد الحراس يذكّر الجمهور بأن الباب لن يفتح طالما تواصل هذا التجمع الفوضوي أمامه ونسي صاحبنا أن ذلك مرده توحيد المداخل وعطل الحواجز...لا يهم...الساعة العاشرة والربع جاء زميله ليؤكد أن صاحب العرض هو السبب في هذا التأخير لأنه غير جاهز بعد... كم نحن أبطالا في إلقاء المسؤولية على الغير...
المشهد الثاني: الجمهور من الرُضّع... وميكرو الفنان مُعطل
العاشرة والنصف ونحن في تلك الحالة بدأ القلق يسري في قلوب المصطافين المصطفين وراح بعضهم يعبر عن الإمتعاض والاحتجاج...وأخيرا وبفضل تدخل أحد ضباط الأمن، فتحَ سمسم أبوابه فدخل الأطفال والرضّع..نعم الرضّع رفقة الكهول من الرجال والنساء ومع ذلك حمدنا الرب على هذا الفرج... ونحن داخل المسرح كان علينا مزيدا من صبر أيوب في انتظار حلول ركب الفنان ولكن طالت رحلة الانتظار... وذهبت الآراء شتى منهم من يشتم هذا التخلف الحضاري ومنهم من يبحث عن عذر فني ومنهم من فضل نظرية المؤامرة ورأى في هذا التأخير محاولة لتخريب عرض هذا الفنان الملتزم في مسرحيته بفضح الإرهاب والإرهابيين...
وكادت هذه النظرية أن تكون لها الغلبة ولكن ما إن دقت الساعة الحادية عشرة إلا ربع ليلا حتى حل ركب بعض المسؤولين الذين ما أن ولجوا المسرح حتى وضعت لهم الكراسي في صف إضافي أمام جمهور الكراسي ... وبعدها بدقيقة رأينا الوجه الصبوح والقامة المديدة لبن يغلان على الركح فاستقبله الجمهور بالتصفير والصراخ ولما فتح فاه لم نسمع شيئا فازداد الصراخ شدة "ميكرو...ميكرو" ... صعد شاب إلى الركح لإصلاح العطب فلم يفلح ولحق به كهل فانطلق الصوت كالصاروخ مع صدى قوي يصم الأذان...لا علينا... اضطر بن يغلان إلى الاعتذار ويا ليته لم يفعل...فقد قال أولا انه على عكس ما يشاع فقد كان جاهزا للعرض في موعده وان المنظمين رجوه الانتظار قليلا...ثم حاول شراء الجمهور بمزحة ثقيلة قائلا انه جاء متأخرا لأنه يحب عادة التأخير ثم صار يبحث عن الأعذار فلم يجد ما يشفي الغليل فمرّ مباشرة لعرض مسرحيته...
المشهد الثالث: مسرحية جيدة... ولكن
انطلق أخيرا بن يغلان في تقديم مسرحيته ...وهي من حيث الشكل ممتازة فقد اختار أسلوب الحوار الثنائي بينه كمؤلف وبين بطل المسرحية شخصية "الإرهابي غير الربع" الذي ما زال "مشروع" إرهابي لم يكتمل بعد... فهو "مشروع" بحكم الظروف النفسية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية الذي جعلت منه شخصية مهيأة لاختيار هذا الطريق المظلم طريق الموت... بدلا من أن يسير في درب الحياة والفن والجمال، درب الحب والتفاؤل والأمل وهكذا بات على وشك أن تزل به القدم فيصبح قاتلا مجرما إرهابيا عدوا لوالديه ولشعبه ووطنه.
حوار بين مؤلف يحاول فك عقد شخصية "البطل" والمسك بتلابيبه وإرجاعه إلى الصراط المستقيم وبين شخصية هذا الشاب "البطال المقهور المحروم المظلوم" الذي وجد نفسه في قبضة صُنّاع الإرهاب فأصبح أسيرا لهم بالمال يأتمر بأوامرهم ويضحك من المؤلف-المجتمع-الوطن الذي لم يعد قادرا على السيطرة عليه وتوجيهه الوجهة الصحيحة...صراع بين الحياة والموت...حوار بين العقل والعاطفة... حوار بين "الوطنية" و"الإرهاب" حاول فيه بن يغلان بفضل حنكته وقدرته على "إعطاء كل ذي حق حقه" إلى درجة أن المشاهد شعر أحيانا بالمبالغة في إبلاغ صوت "الإرهابي" ... وكان بن يغلان يحاول بذلك سبر أغوار هذه الشخصية المعقدة التي تابعها عبر العديد من مسرحياته القديمة لفهمها بل وحتى لتفهم مبررات اختياراتها الفظيعة... كل ذلك باسم حرية الرأي والتعبير... محملا المسؤولية على كاهل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ...في الحكومة والإدارة والأحزاب والنقابات والإعلام، داعيا الى المسك بناصية بعض الحقائق التي لابد من معالجتها للتوقي من الإرهاب...
إلى هنا الرسالة واضحة والقصد بيّن وجليّ ولكن بن يغلان أطنب في الحديث والتحليل والتكرار والسؤال والجواب بين المؤلف وشخصية الإرهابي وكان من حين لآخر يتوقف ويخرج عن النص ليلفت انتباه الجمهور والمنظمين طورا إلى إسكات بعض الأطفال المشاكسين أو الرضع الذين لم يخلدوا بعد إلى النوم، وطورا إلى ضرورة الامتناع عن التصوير بالفيديو والهواتف خشية أن تكون الصورة مشوهة للعرض من حيث الدقة والجمالية بسبب محدودية الإمكانيات الفنية المتوفرة بالركح، والحقيقة انه إلى جانب ذلك يخشى بالخصوص من "حرق" مسرحيته بعرضها مجانا على شبكة التواصل الاجتماعي...
ويتواصل العرض بين النص الجيد والمتوسط بالرغم من الحضور الركحي النشيط للمؤلف وشخصيته ولكن ذلك لم يقنع جانبا من الجمهور من العائلات وفيرة العدد التي بدأت تغادر مقاعدها حاملة الرضّع بين أحضانها والأطفال زقفونة... وبعض آخر من الجمهور ملّ من طول المسرحية التي تحتاج ولا شك إلى تقليص وتشذيب...ولم يكن يعلم انه بمغادرته أضاع المشهد الأفضل من المسرحية حيث أبدع بن يغلان في تحليل شخصية "مشروع الإرهابي" بهدف فضحها وكشف أسرارها وتفكيك عقدها وإماطة اللثام عن المسؤولين الحقيقيين الذين يقفون وراء الإرهاب ويتحكمون في لعبته الإقليمية والدولية...داعيا الشباب إلى ترجيح العقل وفهم أبعاد هذه اللعبة الخطيرة التي لا نتحكم في خيوطها والتي ستعود بالوبال على الجميع في حال الخضوع لها والركوع أمامها مهما كانت الأسباب والمسببات ومهما كانت النوايا والخفايا...
لقد كان على المؤلف- المخرج أن يدمج هذا المشهد في مكان أرحب وكان من الأفضل شطب العديد من مقاطع الحوار المكررة وغير المفيدة وربما أيضا التقليص من الأغنية التي أخذت -على جودة مضمونها- قسطا لا يستهان به من زمن المسرحية.
ومع كل ذلك لا يمكن إلا أن نشكر جزيل الشكر هذا الفنان ونشدّ على أيدي هذا المؤلف الذي اجتهد في بسط قضية حارقة في زمن صعب وتوّج اجتهاده بختم رسالته نحو الجمهور وشخصية مسرحيته "مشروع الإرهابي" بالتأكيد على رفع راية الوطن وتفضيله على ما سواه والتجنّد من أجل الدفاع عنه وتحيته بالنشيد الرسمي... والغريب حقا هو وقوف بن يغلان طويلا لأدائه فيما تراخى البعض من الجمهور عن مساندته في البداية قبل أن يصفق معه كثيرا باستثناء مجموعة أمامية رفضت الوقوف لتحية النشيد الرسمي والله اعلم بسرائر قلوبها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.