القصة تبدأ من تعيين نائب بمجلس نواب الشعب كان نائبا عن التونسيين والتونسيات بألمانيا.. فحصل بذلك التعيين شغور وجب سدّه. بماذا يكون السدّ؟ بانتخابات جزئية بألمانيا.. وأعلنت لذلك الهيئة المستقلة للانتخابات عن فتح باب الترشح لهذه الانتخابات.. فماذا حدث وماذا صار؟ تقاطرت الترشحات على الانتخابات حتى بلغ عددها السبعة والعشرين. سبعة وعشرون من التونسيين سوف يتخاصمون على مقعد نيابي في مجلس نواب الشعب. لماذا؟ هل للفوز بجراية شهرية تعدّ بالآلاف؟ هل لأن هذا الكرسي الذي يجلسون عليه صاحبه يتمتع بالحرية المطلقة؟ فهو حرّ اذا غاب وحرّ إذا حضر، وحرّ إذا تكلّم وحرّ إذا سكت، وحرّ اذا لعب بحاسوب الهاتف وحرّ إذا نام، وحرّ إذا صوّت ب«نعم» أو صوّت ب«لا» أو احتفظ بصوته؟ هؤلاء السبعة والعشرون هل يتخاصمون من أجل خدمة تونس وخدمة شعب تونس؟ هل يتصوّر كل واحد منهم أنه الأقدر والاكفأ في معرفة داء تونس ووصف الدواء لتونس وليس فيهم من يرى أن غيره أعقل وأحكم وأرشد وأصلح وأقدر؟ هؤلاء، السبعة والعشرون، المتخاصمون المتسابقون من أجل الفوز بمقعد نيابي بمجلس نواب الشعب ألا يقيمون الدليل بعددهم وكثرتهم على أن تونس الوطن مازالت تعاني وتقاسي من تشتت أولادها؟ كثرة الأحزاب، وكثرة الجمعيات، وتعدد المنظمات التي ظهرت وبرزت على الساحة التونسية بداية من بداية الثورة ألا تدلّ على أن الشعب التونسي أصابته لعنة التنازع والتخاصم، والفرقة، والتشتت ومازال يعاني من هذه المصيبة ولذلك عجز عن ترميم ما تهدّم وغرس ما انقلع قبل الثورة وبناء ما يجب بناؤه من مطالب الثورة؟ في تونس الشعار المرفوع هو (انا بوكم يا لولاد، أنا العارف العرّيف وغيري لا يعرف) وليس في تونس من يعيش ويعرف قدره ويقول: فلان أولى منّي وأقدر فليتقدّم وأنا ونحن معه ووراءه نسانده. في تونس وباء الأنانية يسري ويستشري تغذّيه وترويه ولاءات حزبية عمياء وسياسات خرقاء حمقاء تستظل بظلّ الديمقراطية وترقص على طبول الاعلام. فمتى يعود الرشد الى النفوس؟ ومتى يقع الاحتكام الى العقل الصافي؟ ومتى تصبح وتمسي الروح الوطنية والمصلحة الوطنية هي الأعلى وهي الراية التي تجمع، وهي التي تضع كل واحد في مركزه من طريق النضال الطويل الذي تحتاج اليه تونس وقد صفت القلوب من الانانية وتحرّرت من لعنة الحزبية؟ متى يطلع هذا الفجر؟ أسأل وأحب أن أفهم..