كتب فؤاد عبد المنعم رياض في "الشروق" المصرية تم تأسيس دولة إسرائيل كما هو معلوم بتوصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نوفمبر 1947 وتضمنت هذه التوصية نظاما خاصا لمدينة القدس نص فيه على أنه «يُجعل لمدينة القدس كيان منفصل Corpus Separatum خاضع لنظام دولى خاص وتتولى الأممالمتحدة إدارة المدينة عن طريق مجلس وصاية»، وحددت التوصية مدينة القدس بأنها «تشمل بلدية القدس الحالية مضافا إليها القرى والبلدان المجاورة»، وقد حرصت التوصية كذلك على ألا يكون حاكم القدس مواطنا لأى من الدولتين ويمارس عمله نيابة عن المنظمة الدولية. وبعد أن تم تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وعبرية كما ورد بالتوصية، لم تكف إسرائيل عن الاستيلاء تدريجيا على الجزء الأكبر من إقليم دولة فلسطين التاريخية وتهجير سكانها قصرا أو إبادتهم. وقد تقبلت الغالبية العظمى من دول العالم دون مبالاة جميع هذه الاعتداءات وهذا الاستيلاء المصاحب بالاعتداء والمخالف لقرار الأممالمتحدة. ولم يتحرك ضمير العالم إزاء هذه الوحشية بشكل جدى بأى شكل من الأشكال. *** وقد فشل مجلس الأمن فى 18 ديسمبر الحالى فى إصدار قرار يليق بمكانته الدولية وبالتزامه بفض المنازعات وفقا لما تمليه قواعد القانون الدولى والمواثيق الدولية إثر استعمال الولاياتالمتحدة لما تملكه من حق النقض (فيتو)، كاشفة بذلك عن حقيقة مرة تتمثل فى هشاشة القانون الدولى والمواثيق الدولية وكذلك عجز القضاء الدولى عن فرض أحكامه طالما لم تجد هذه الأحكام هوى فى نفس القوة الغاشمة التى تسيطر على العالم. والأمثلة على ذلك عديدة كما هو معلوم، ولعل من أهمها وأحدثها عدم الاعتداد بالاستشارة التى صدرت من محكمة العدل الدولية مقررة عدم مشروعية الجدار العازل الذى أقامته إسرائيل للفصل بينها وبين عرب الضفة الغربية. ومن الملاحظ فى هذا المجال وجود فرق شاسع فى الحياة العملية بين قرارات الأممالمتحدة التى تحرص الأممالمتحدة على تنفيذها وتلك التى قد تتعارض مع مصالحها أو مصالح إسرائيل. من ذلك ما لمسناه من قدرة المحاكم الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ولرواندا على تنفيذ أحكامهما نظرا لتأييد الأممالمتحدة لهذه الأحكام بينما لا يتم تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية فى حالات عديدة إذا كانت تتعارض مع المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية. ومن ثم لا مفر من التسليم بعجز الأممالمتحدة وحدها عن القيام بدورها على أكمل وجه طالما ظلت موازين القوى على ما هى عليه من خلل فضلا عما تتمتع به عدة دول كبرى بحق الفيتو بحيث يستطيع أى منها شل النظام الدولى. ويجدر التنويه بأن قرار الأممالمتحدة المنشئ لدولة إسرائيل لم يمنح إسرائيل أى حق فى السيادة على مدينة القدس كما سبق الإشارة، ولا يزال هذا القرار ساريا كغيره من الكثير من قرارات الأممالمتحدة التى لم تلق التنفيذ، ولا شك أن هذا القرار يجب أن يكون له دوره الأساسى فى حل مشكلة القدس بل كذلك فى تسوية القضية الفلسطينية بأسرها. ويحضرنى فى هذا المقام ما أعلنت عنه زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق «إلينور روزفلت» التى ساهمت بجهودها فى إصدار الميثاق العالمى لحقوق الإنسان، من أن تأسيس منظمة الأممالمتحدة فى نوفمبر 1947 قد أيقظ الضمير العالمى. غير أن الحقائق التاريخية منذ نشأة إسرائيل لم تنم بحال من الأحوال عن ميلاد هذا الضمير العالمى، لذلك فإن تصدى جميع الدول الأعضاء فى مجلس الأمن لموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية والذى دعمته توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 20 ديسمبر بأغلبية ساحقة لدول العالم برفض جعل القدس عاصمة لإسرائيل ورفض نقل سفارات الدول إليها يبشران بميلاد ضمير عالمى يعى خطورة انتهاك إسرائيل وأمريكا لأحكام القانون الدولى ولحقوق لصيقة بالإنسان كالحق فى الحياة وفى الحرية وفى المعيشة الآمنة دون تهجير إجبارى أو اعتداء على النفس وعلى المال وتفرقة عنصرية وهو ما لا تكف إسرائيل عن فعله منذ نشأتها. وجدير بالذكر أن هذه الحقوق جميعها تشكل جزءا لا يتجزأ من النظام العام الدولى، كما أن أى اعتداء عليها يمثل جريمة دولية تستحق العقاب الرادع. وغنى عن البيان أن الإجراءات القانونية جميعها ليس فى إمكانها وحدها أن تضع حدا لإهدار العدالة وإهدار حقوق الإنسان الأساسية سواء فى أراضى فلسطينالمحتلة أو أراضى أى دولة أخرى فى مواجهة القوى الغاشمة طالما لم يوجد رأى عام عالمى يعى خطورة هذا الانتهاك ويرفضه. *** ويجب أن يكون للعالم العربى دور فعال فى ترسيخ هذا الوعى وإطلاع العالم على فساد حجة وجود إسرائيل وأطماعها غير المحدودة وتكذيب ادعاءاتها بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة وسط شعوب همجية لا صلة لها بالحضارة الإنسانية. ولكى يكون لنا صوت مسموع فى المجتمع الدولى المتحضر، يجب أن نثبت أن إسرائيل ليست الدولة الديمقراطية الوحيدة وسط شعوب همجية بل إن هناك من هو أكثر منها حضارة غير أنه لا يكفى أن نتشدق بحضارة أجدادنا بل نؤكد للعالم عدم خروجنا الآن عن دائرة العالم المتحضر وذلك بالفعل وليس بالتصريحات الجوفاء التى لن يخفى على العالم تناقضها مع الحقائق. ولذلك يجب إدراك أنه لن يكون لنا أى صوت مسموع فى دحض ادعاءات إسرائيل المزعومة لتبرير جرائمها ضد الإنسانية فى فلسطين إلا إذا أقمنا الدليل على أن نظمنا الداخلية تحترم جميع الحقوق اللصيقة بالإنسان، وذلك بالفعل لا بالتصريحات الجوفاء.