لئن أنشد الشاعر نزار قباني قرطاج قائلا «هل لي بعرض البحر نصف جزيرة *** أم أن حب التونسي سراب» فهل لنا أن نقول «قرطاج هل من بند مازال حيا في وثيقتك *** أم أن وثيقتك غدت سرابا»؟ يوم الخميس 18 جانفي 2018 يعتبر يوما حاسما في ما يسمى بوثيقة قرطاج ومنعرجا جديدا طرأ عليها بكل المقاييس، كيف لا وقد كانت تضم يوم امضائها تسعة أحزاب لم يبق منها اليوم إلا خمسة أحزاب بعد انسحاب الجمهوري وحركة الشعب وآفاق تونس ومشروع تونس. وقد كان متوقعا انسحاب حزب مشروع تونس بعد ما جاء تصريح أمينه العام محسن مرزوق في الندوة الصحفية الأخيرة معلنا بكل وضوح أن حزبه لم يعد مستعدا بعد اليوم لمواصلة دعم حكومة الشاهد والبقاء في وثيقة قرطاج معبرا عن ذلك بالألفاظ التالية «باسطة باسطة باسطة» معللا انسحابه بأن الانتظار قد طال حتى تتدارك حكومة الشاهد أمرها وقد نفذ الصبر وانتهت مهلة التماس الخير فيها مؤكدا على أن الكيل قد طفح وأنه لا سبيل لمعاضدة حكومة هي اليوم في واد والشعب في واد آخر كما كان الحال سنة 2010 قبل اندلاع ثورة انتفاضة 2011 حسب تعبيره. هذا وقد نشهد في الأيام القادمة خروج كل من حزب المسار والمبادرة اللذين يبدوأنهما غير راضيين على التحالف الندائي النهضاوي معتبرانه سبب البلية التي يعيشها المناخ السياسي وقد أضر بشؤون البلاد على جميع المستويات منذ الوفاق الذي حصل بين الحزبين بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في أكتوبر 2014 ، وفي المقابل تشهد وثيقة قرطاج التحاق منظمة اجتماعية ألا وهي الاتحاد الوطني للمرأة التونسية الذي التحق بكل من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة. ولكن ذلك في رأينا لا يمنعنا من القول أن وثيقة قرطاج أصبح لا وجود فعلي لها في المشهد السياسي كما أريد لها عند بدايتها وهذا يؤكد مرة أخرى ما كنا كتبناه في مقال أسبق أن حكومة الشاهد قد تزف ساعتها قبل انتخابات 2019 خاصة وأننا اليوم نسمع من هنا وهناك من يطالب بحكومة تكنوقراط تكون لا رغبة لها في الترشح لانتخابات 2019. ولكن لا ننسى أن جميع الأحزاب مقبلة اليوم وفي تسابق كبير على الانتخابات البلدية وما تتطلبه من استعدادات ولا يمكن بأي حال ألا تعني هذه الحملة جميع الأطراف بل إن كل الأعناق مشرئبة إلى ما ستؤول إليه وما ستبوح به من نتائج وخاصة مدى تأثيرها على حكومة الشاهد إذ أن الصراع سيكون على أشده في هذه الانتخابات بين الحزبين الذين يقودان البلاد أي النداء والنهضة. وقد يعتري الكثير من الندائيين وخاصة القيادات الكثير من الخوف من نتائج هزيلة في الانتخابات البلدية ولسان حالهم يقول يا خيبة المسعى لويتكرر سيناريوانتخابات ألمانيا وما لها من انعكاسات على الانتخابات التشريعية والرئاسية وما تمثله هذه الانتخابات من تحول مفصلي في تاريخ تونس. إننا نعتبر اليوم أن حكومة الشاهد ليست في وضع مريح بالمرّة بعد تصدع وثيقة قرطاج وما ينتظرها في الأيام القادمة ربما قد يكون في مستوى الزلزال خاصة في ظل وضع اقتصادي هش وبعد ما حدث من انتفاضة في الأسبوع الثاني من شهر جانفي لهذه السنة لم تمح آثارها بعد وكذلك في صورة نجاح أوفشل النداء في الانتخابات البلدية فالنجاح يجعل الندائيين «يتعنترون» في حلبة حكومة الشاهد وفي خيبتهم ضربة تقسم ظهر الحكومة جملة وتفصيلا. وكما انطلقنا ننهي بما أنشده نزار قباني: «بحرية العينين ياقرطاجة *** شاخ الزمان وأنت بعد شباب» ونحن نقول: مشلولة أنت يا وثيقة قرطاج *** قد شخت وأنت مازلت في المهد