كان من المفروض أن تزيد الأزمات المتفاقمة في البلاد في تعميق الوعي لدى كل التونسيين بضرورة تدعيم الوحدة الوطنية ، لكن العكس هو الذي حصل إذ إنطلقت بعض الدعوات الهستيرية المحمومة لإثارة الفتنة بين الجهات وفئات الشعب والتحريض على الإنفصال والإساءة لرموز البلاد ومؤسساتها الوطنية الساهرة على أمنها و0ستقرارها ومناعتها كالجيش الوطني ! لا يمكن إعتبار مثل هذه الدعوات المسمومة الصادرة عن شخصيات سياسية تحملت مسؤوليات عليا في هرم السلطة ، سلوكيات فردية معزولة ، كما يحاول العاجزون عن مواجهة هذا الخطر الداهم إيهامنا بذلك ، وكنا نددنا بمحاولات التعتيم هذه. ليست هذه التصريحات الإستفزازية الخطيرة والمبيتة والمشدودة إلى أجندات أجنبية مفضوحة هي الأولى التي تصدر عن فيلق العملاء والخونة الذين أصبحوا يجاهرون بعمالتهم منذ تأكدهم من عجز السلطة عن تتبعهم ومساءلتهم ، بل تعددت على إيقاع "تصعيدي" غريب لا يليق بمن دأبوا على تقديم أنفسهم ك:" ديمقراطيين وحقوقيين " ، فهذا الشعب الذي قدم دماء الكثير من أبنائه لتحقيق الإستقلال وتوحيد الوطن وبناء دولة حديثة لن يسمح لطابور العملاء والخونة بتنفيذ أجندات أسيادهم ومموليهم سواء كانوا من الأعراب الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ب:" أشد كفرا ونفاقا" أو من الغربيين الإستعماريين الذين مازال في قلوبهم المريضة حنين للهيمة على الشعوب الأخرى . يتساءل المحللون السياسيون والمتابعون للشأن التونسي بالداخل والخارج عن الأسباب التي دفعت بهؤلاء إلى الإنزلاق في هذا المنحدر الخطير الذي يهدد الوطن ، إذا كان يؤمنون فعلا بهذا الوطن كما يدعون ! إذ كيف لسياسي يفكر في الترشح مجددا للإنتخابات الرئاسية القادمة أن يدعو إلى التفرقة الجهوية والترويج لرسائل مشفرة تتضمن تحريضا على 0نفصال بعض المناطق ويضع "كل الشعب على ظهره" كما يقول المثل الفرنسي ويفقأ عينيه بأصابعه خدمة لطموحات شخصية تدعمها بلدان أجنبية .لم يدرك هؤلاء العملاء ، إلى حد الآن ، وبالرغم من إفتضاح أمرهم أن الشعب التونسي كان عبر تاريخه الطويل عصيا على عصابات الخونة وكان في كل مرة يفتك بها ، وتناسوا أنه تصدى لهم كلما دعوا إلى الفتنة الجهوية أو الطبقية أو نادوا ب0نفصال هذه المنطقة أو تلك ، وملاحم بنقردان وتطاوين وقبلي والقصرين وسيدي بوزيد والكاف وغيرها شاهدة على سقوطهم المدوي والعار الذي لاحقهم ومازال إلى يوم الناس هذا يطاردهم في حلهم وترحالهم . لا شك أن هؤلاء بلغوا " مرحلة اليأس" السياسي بعد أن تعددت سقطاتهم وتراكمت خيباتهم و0نهارت أقنعتهم وتعرت أهدافهم و0فتضحت مخططاتهم و0قتنعوا ، في قرارة أنفسهم ، ب:" نهايتهم السياسية المحتومة"، وهو ما دفع بهم ، في آخر المطاف ، إلى لعب كل أوراقهم الإستفزازية دفعة واحدة وذلك ب0ستهداف الوطن وسلامته والشعب ووحدته و السلطة الحالية وتركيبتها ورموزها ومؤسساتها وخاصة الجيش الوطني ، والأحزاب السياسية بمختلف إتجاهاتها ومهما كانت مواقعها في الحكم أو المعارضة ، لينزعوا عن أنفسهم آخر ورقة توت تستر عوراتهم ويمعن في الإرتماء في أحضان الدول الأجنبية المناوئةلتونس والتونسيين، والتي تحتضنهم وتأويهم وتشغلهم وتدعمهم بالمال الفاسد وتفتح أمامهم منابرها الإعلامية. بقي أن اللوم كل اللوم موجه للسلط المعنية التي لم تتحرك بالجدية المطلوبة لمواجهة هؤلاء الخونة والعملاء بوجوه مكشوفة ومحاسبتهم عما صدر عنهم وتطبيق القوانين المعمول بها دون حسابات مهما كان مأتاها . صحيح أنا وضعنا الهش ، بسبب سبع سنوات من الفوضى والإنفلات والتسيب والإنهاك ، يدعونا إلى التريث وعدم الدخول في مواجهات مع بعض الدول التي تدعيم هؤلاء الخونة ومموليهم ولكن سيادة الوطن ووحدته خط أحمر لن يسمح الشعب بتجاوزه مهما كانت الأسباب والمبررات.