بلغ الإستهتار والتسيب في البلاد مداه الكارثي ، ففي كل يوم تنزل علينا الفواجع والمصائب بسبب تقاعس المسؤولين وإخلال الموظفين والعملة بالمهام الموكولة إليهم ، وقد شهدت الأيام الأخيرة كارثة ذهب ضحيتها صبيتان مقيمتان في مبيت مدرسي لا بد من الإعتراف والحالة تلك بأن ظاهرة التسيب وعدم الشعور بالمسؤولية وغياب الضمير المهني والإهمال والتقاعس في القيام بالواجبات و0نعدام الرقابة في البلاد أصبحت شبه عامة دون رادع مهما كان مأتاه. تراجع العديد من الملاحظين والمتابعين للشأن التونسي الراهن ، عن قناعاتهم الأولى ، و0نطلقوا في إعادة تقييم مواقفهم مما حدث ويحدث في بلادنا ، بعد أن طالت مرحلة التذبذب والإرتباك والفوضى والتسيب والإستهتار أكثر من اللزوم وتواصل تدهور الأوضاع في المجالات الحيوية والإستراتيجية ، الإقتصادية والإجتماعية والبيئية والسياسية بالخصوص، وتقاعس المسؤولين في الدولة ومؤسساتها، والموظفين في القطاعات العمومية والخاصة ،عن أداء مهامهم . كان الإعتقاد بأن الحراك الشعبي الذي أطاح بالنظام السابق وأطلق عليه الغربيون إسم "ثورة الياسمين" سيغذي الرغبة في التحرر والإنعتاق والتحليق خارج القيود والمحرمات المفروضة بالقوة على الشعب ، ويدفع إلى القطع النهائي مع سياسات الإهمال والإستهتار بحقوق الناس ومكاسبهم وأرواحهم ،ويبث لدى الجميع رغبة جامحة في العمل والإنتاج والبناء، لكن يبدو أن هذا الإقتناع لم يعد جائزا وظهر جليا أن العديد من المسؤولين الكبار والصغار على حد سواء والكثير من الموظفين والعملة ،إنتهجوا مسالك مضرة بالعباد ومسيئة للبلاد و0ستقرارها ومدمرة لصورتها وسمعتها. في خضم هذه الأوضاع السيئة وجدت السلطة الحاكمة بكافة مكوناتها صعوبة كبيرة في التعامل مع تداعيات الأحداث الكارثية المتراكمة بسرعة في البلاد وخارجها. ومما يزيد الأوضاع ترديا وصورة البلاد تشويها أنه مع كل حادثة أو واقعة درامية تشهد الساحة السياسية بالخصوص" كرنفالا" من الشطحات الغريبة يأتيها الكثير من المشعوذين في هذا الزمن الموبوء بالرداءة والإنتهازية . تصريحات شعبوية مقرفة ، ومواقف سياسية وضيعة، ومزايدات مشحونة بكل أنواع البذاءة ، وشيطنة تحريضية للمنافسين السياسيين ودفاع هستيري عن المخطئين والمخلين بواجباتهم ومسؤولياتهم لأسباب إنتمائية حزبية ، ليتأكد مجددا ما أشرنا إليه، مرارا وتكرارا في تحاليل سابقة بهذا الركن وأركان أخرى، من أن أصل الكوارث التي حصلت بالبلاد يكمن في انخرام المنظومة بأكملها. لن أتحدث عن السمسرة والمتاجرة بآلام الناس والضرب تحت الحزام والغدر وتوظيف الكوارث والأحداث الدرامية لمآرب دنيئة ولكني سأتوقف عند التصريحات الغريبة التي دافع من خلالها العديد من السياسيين عن المتسببين المباشرين وغير المباشرين في الكارثة والتشكيك في الإجراءات الفورية التي اتخذتها الحكومة ، بالرغم من عدم تناسبها مع حجم الحادثة ، فهذه المواقف الشعبوية لا تقل خطورة عن التصريحات التي دأب بعض السياسيين في المعارضة على الإدلاء بها لبعض وسائل الإعلام الأجنبية وفيها من الإساءة للبلاد الشيء الكثير وفي وقت تحتاج فيه إلى ترميم صورتها المتداعية ، كما أن الإيهام المتعمد لبعض الثورجيين بوجود مؤشرات إنقلاب على المسار الديمقراطي والحريات الأساسية ، كلما تحركت السلط لردع المخالفين والحد من التسيب والتقاعس والفوضى ،يصب هو الآخر في مصب تشويه البلاد . إن حالات التهديم عديدة ومتنوعة ولا يمكن حصرها في هذا الحيز ، وهي تعبر بوضوح عما وصلت إليه الأوضاع في ساحة منفلتة على جميع الأصعدة وموبوءة بكل الآفات التي تعرقل الإصلاح ومحاولات النهوض، وتمنع الديمقراطية من النمو على قواعد سليمة والحريات من التوسع في صلب الهامش الذي توفره القوانين.إن ما لا يعرفه الشعبويون والإنتهازيون والفوضويون هو أن حكومات البلدان الشقيقة والصديقة تتابع بدقة ما يحدث في بلادنا ، وعلى أساسه تضع سياساتها تجاهنا، ولا شك أن ترددهافي تقديم الدعم الذي وعدت به ، مرده ما يحدث في ربوعنا من مظاهر مزرية وما ترتكبه الأيادي العابثة للمتقاعسين وفاقدي الضمائر ، وقد تعود كبار المسؤولين التونسيين ، خلال زياراتهم الرسمية إلى البلدان الشقيقة والصديقة، على إستقبالهم من قبل مضيفيهم بحزمة من التساؤلات والإستفسارات عما يحدث في تونس ، ومدى قدرة الدولة وأجهزتها على تثبيت الإستقرار ونشر الأمن ومقاومة الإرهاب بكل أشكاله وهي أسئلة تطرحها ب0ستمرار كل الدول المعنية بنجاح التجربة الديمقرلطية في تونس وعودة الدولة إلى سالف نفوذها وهيبتها. لم تنجح السلط الحاكمة إلى حد الآن في ترميم المشهد المتداعي وطمأنة المسؤولين الأجانب، وذلك برسم صورة متفائلة لتونس، يكفي أن يعلم المستثمرون الأجانب أن العديد من الكوارث التي يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء مردها التقاعس والإخلال بالواجب المهني وانعدام الضمير والإستهتار واللامبالاة، كما حدث في كارثة المبيت المدرسي ، ليتراجعوا عن المجيء إلى بلادنا و0ستثمار أموالهم فيها.