قبل أيام اتهمت الوزيرة الفرنسية السابقة، وعضو البرلمان الأوروبي، نادين مورانو الكاتبة والناشطة الفرنسية في مجال مناهضة العنصرية رقيّة ديالو بأنها مجرد «فرنسية ورق». وما تعنيه هو أن رقيّة ديالو ليست فرنسية أبا عن جد وإنما ولدت في فرنسا لأبوين مهاجرين. وتعبير «فرنسي الورق» تعبير قديم كان أول من نحته منظّر اليمين الفرنسي الشهير شارل موراس أوائل القرن العشرين، قاصدا به المجنّسين أو المولودين في فرنسا لأبوين مهاجرين، والذين تشملهم الجنسية الفرنسية آليا بموجب قانون 1889. وواضح أن التعبير يشير إلى أن التجنيس هو تركيب لهوية إدراية سندها وثيقة رسمية (مجرد ورقة). أي أنها، في عرف اليمينيين، هوية عديمة المعنى لأنها بلا جذور. وكان السياسي اليميني البريطاني نورمان تبّيت، الذي تولى مناصب عدة وزارية في حكومات مارغرت تاتشر، قد عبر عن المعنى ذاته قبل أعوام أثناء حوار ثلاثي في راديو بي بي سي، حيث رفض توجيه الحديث إلى المعلقة الصحافية اللامعة ياسمين البهائي – براون، بل رفض تسميتها بالاسم، وعندما اعترضت عليه وقالت له إن اسمها كذا وإنها بريطانية مثله، قال للمذيع لا شك عندي أن هذه المرأة قضت ما شاء الله من الزمن في البلاد وأنها حصلت على جواز سفر… ولكنها ليست مناّ في شيء. أما العام الماضي فقد حمل على زملائه في مجلس اللوردات لأنهم اقترحوا تعديلا على مشروع قانون البركسيت يهدف إلى حفظ حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، قائلا إن مجلس اللوردات «لا همّ له سوى حقوق الأجانب»، وأنه لا يعبأ بالبريطانيين! ثم أعرب عن الأسف لأنه «ليس لدينا القوة لرعاية مواطنينا في الخارج هذه الأيام، حيث لم يعد لدينا كثير من السفن الحربية». ما هو المغزى من هذه المواقف؟ إن العنصرية متأصلة في أوروبا سواء لدى قطاعات من الجمهور أم شرائح من النخبة. وإذا لزم أن تعزى كارثة البركسيت إلى سبب أصلي وحيد لا ثاني له، أمكن القول إنه العنصرية. فقد ظن الناخبون البيض من القطاعات ذات التعليم المحدود والدخل الضعيف أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يخلصهم من حوالي مليونين أو ثلاثة ملايين أوروبي شرقي أخذوا يتوافدون على بريطانيا طلبا للعمل منذ انضمام بلدانهم إلى الاتحاد الأوروبي في ماي 2004. ولكن هؤلاء العنصريين سرعان ما اكتشفوا أن الوهم لن يتحقق، وإلا فإن الدول الأوروبية سترد بالمثل. ذلك أن أكثر من مليون بريطاني، وخصوصا من كبار السن المحالين على التقاعد، يقيمون في اسبانيا والبرتغال وفرنسا، حيث دفء الشمس وطيب المقام. ويكفي أن يقارن المرء بين وضع المقيمين في دول الخليج على سبيل المثال، حيث يمكن للمهاجر أن يعمل هناك أربعة عقود أو أكثر ويظل رغم ذلك أجنبيا حتى لو كان عربيا، وبين وضع المقيمين في جميع البلدان الغربية بدون استثناء ليتذكر أن مسألة حقوق المواطنة، بصرف النظر عن الأصل والعرق واللون والدين، ليست مسألة بديهية أو طبيعية. بل إنها نتاج تطور تاريخي في مفهوم الدولة من ناحية، وتقدم ليبرالي في الثقافة السياسية من ناحية أخرى. ولكن الثقافة السياسية المعنية هي ثقافة النخبة وليست ثقافة الجمهور. إذ لو ترك الأمر للجمهور الأوروبي، لكان وضع المقيمين الأجانب في أوروبا اليوم شبيها بوضع المقيمين في دول الخليج. وبالمثل، لو ترك الأمر للجمهور الأوروبي في منتصف القرن العشرين لكان الاستعمار ما يزال قائما إلى اليوم. ولهذا فإن شجاعة الجنرال ديغول في قضية استقلال الجزائر، على سبيل المثال، قد كانت استثنائية: حيث أنه واجه كلا من تعصب الجمهور وتعصب النخبة. هذه بعض من شواهد لا تحصى على أن العنصرية حقيقة من حقائق الشرط الإنساني. إنها من أجلى تجليات ما يسميه سبينوزا «الأهواء الحزينة». ولكن الغريب في الموجة الجديدة من العنصرية هو أنها عنصرية بأثر رجعي. عنصرية لم يعد يكفيها كره الأجانب، فصارت تتصيد المواطنين (غير البيض). هكذا وصفت وزيرة العدل الفرنسية السابقة كريستيان توبيرا (أصيلة غوييانا) عام 2013 بأنها أشبه بالقردة. كما أن عضو البرلمان الفرنسي المحامية ليتيسيا آفيا أعلنت الأربعاء أنها تلقت رسالة مفرطة في الشتم العنصري المقترن بالتهديد بالقتل: «لقد صارت أيامك معدودة. سوف نتولى أمرك». لماذا؟ لأنها امرأة «سوداء بدينة (..) تسمح لنفسها بالتدخل في حياة الفرنسيين!».