تونس الشروق حوار محمد علي خليفة: أكد الباحث الجزائري عبد النور بن عنتر أن اشكالية اندماج المهاجرين المغاربة والمسلمين في المجتمعات الاوروبية يثيرها اليمين المتطرف الذي يعتمد خطابا عنصريا يعيد انتاج نفسه في ضوء عدم فهم بعض الفئات من المهاجرين لهذا الخطاب والرد عليه بشكل انفعالي. وأوضح بن عنتر، الاستاذ المحاضر بجامعة بانة الجزائرية في حوار ل«الشروق» أن بعض المهاجرين وقعوا في فخ اليمين المتطرف فالذين تم اقصاؤهم وتهميشهم داخل المجتمعات الاوروبية باتوا يلجؤون الى أساليب وأقوال وسلوكات أصبح اليمين المتطرف يستخدمها ليقول ان هؤلاء يرفضون الاندماج ولا يقبلون النظام الديمقراطي والقيم العلمانية. وأضاف أن الاقصاء الاجتماعي الذي عانت منه الجاليات المغاربية والاسلامية جعل بعض أفرادها يسلكون سلوكات تفتقر للمنهج القويم وهذا ما اتخذه اليمين المتطرف مطية لتمرير مشاريعه وأفكاره القائلة ان الحل هو في طرد هؤلاء والتضييق عليهم. وردا على سؤال حول مدى تأثير تنامي اليمين واليمين المتطرف في عدة دول اوروبية في الوضع الاجتماعي والنفسي للجاليات الاسلامية المهاجرة قال الاستاذ بن عنتر ان هناك نوعا من الخلل في تعامل اليمين المتطرف مع قضية الهجرة فلو أردنا صياغة الخارطة السياسية لليمين في أوروبا نجد أن التيارات المتطرفة وصلت الى السلطة في دول ليست معروفة باستقبال المهاجرين كالدنمارك والسويد والنمسا مثلا، فنسبة المسلمين المقيمين هناك ضئيلة قياسا بفرنسا وايطاليا واسبانيا وهولندا. وأوضح الباحث الجزائري أن مشكلة الهجرة اليوم تطرح من زاوية جديدة وهي أن الدول الاوروبية تتعامل مع مهاجرين هم في حقيقة الامر أوروبيون ولدوا من رحمها، مشيرا الى أن المسألة تتعلق بالجيل الثالث والرابع، الذي كل ما يعرفه هو بلده (الاوروبي) والاتحاد الاوروبي، وبالتالي فإن الحديث عن الاندماج لا يستقيم وانما كان تعامل اليمين المتطرف مع هذا الجيل الجديد من المهاجرين مع ما يفرضه من تحديات هو الذي أثار الاشكاليات الراهنة التي تتلخص في الاندماج والحفاظ على الهوية والخصوصية. ورأى أن الاشكال الأساسي هو كيف التعامل مع الأوروبيين الجدد الذين لديهم خلفيات ثقافية ودينية مختلفة لكنهم صاروا بمنطق التاريخ والجغرافيا مواطنين أوروبيي المولد والمنشإ وإنما فقط آباؤهم وأجدادهم من أصول مغاربية أو عربية أو إسلامية. وأشار بن عنتر الى الحالة الفرنسية بشكل خاص حيث كان الخطاب السائد طوال السنوات الماضية هو التعامل مع الفرنسي من أصول أجنبية على أنه فرنسي من أصول مغاربية وبذلك نشأ في اللاّ وعي لدى المواطن الفرنسي أن هذا المهاجر لم يرق الى مستوى الفرنسي 100% وهذا ما خلق أيضا في نفسية المهاجر تلك النظرة الدونية ودفع به الى المناداة والرجوع الى أصوله ومحاولة ادخال مطالبه الهوياتية ومن هنا حصل التصادم وظهرت قضايا منع الحجاب والنقاب مثلا وظهرت فكرة رفض بناء المساجد في بعض الدول الاوروبية. وأشار بن عنتر أيضا الى أن بعض السلوكيات التي يأتيها شق من المهاجرين تسيء كثيرا للعرب والمسلمين وبالتالي يتخذها اليمين المتطرف مطية للتهجم على الاسلام مما يضاعف من تحديات الاندماج أمام المهاجرين من ذوي الأصول الاسلامية. الباحث الألماني توماس شيلر ل«الشروق»: الاندماج ليس بدعة يمينية بل قضية تشغل الجميع تونس الشروق حوار محمد علي خليفة: أكد الباحث الألماني توماس شيلر أن قضية اندماج المهاجرين المغاربة والمسلمين داخل المجتمعات الاوروبية هي قضية سياسية تتم معالجتها وفق أبعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية موضحا أن الاحزاب اليمينية لم تستأثر لوحدها بإثارة هذه المشكلة وانما هي قضية تشغل الساحة السياسية الأوروبية بمختلف توجهاتها وتياراتها اليمينية واليسارية. وفي حديث ل«الشروق» قال ممثل مؤسسة «كونراد أديناور» البحثية الألمانية في تونس ان قضية اندماج المهاجرين قضية مهمة للحكومات الاوروبية التي تحتضن دولها أعدادا كبيرة من المهاجرين وأيضا للجاليات المهاجرة التي تسعى الى أن تجد لها موطن قدم داخل مجتمعات تختلف عنها من حيث العادات والقيم. ورأى شيلر أن صعود بعض الاحزاب اليمينية في عدة دول أوروبية لم ينتج جدلا حول مسألة الاندماج موضحا أنه داخل أي بلد ديمقراطي يجري الحديث والحوار بين مختلف المكونات السياسية حول القضايا التي تهم أمن ذلك البلد واستقراره السياسي والاقتصادي وأن اثارة مسألة اندماج المهاجرين تهدف بالأساس الى حل مشاكلهم. وردا على سؤال حول ما صرحت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرا من أن مسألة الاندماج ستكون أولوية حكومتها في المرحلة المقبلة وأن على المسلمين في ألمانيا أن يطيعوا الدستور قال شيلر ان قناعة باتت راسخة لدى أحزاب اليسار واليمين في ألمانيا بضرورة حل قضايا الهجرة والاندماج في اطار سياسة تحاورية غير اقصائية موضحا في هذا السياق أنه لا وجود لأحزاب تمثل اليمين المتطرف في ألمانيا، ذلك أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية منعت القوانين الألمانية والنخبة السياسية والأعراف الاجتماعية الأحزاب اليمينية من الفوز بما يكفي من الاصوات للفوز بمقاعد في البرلمان منكرا مخاوف البعض من أن ترسخ الحركة المعادية للهجرة في أوروبا جذورها في ألمانيا. واعتبر الباحث الألماني أن مسؤولية معالجة هذه القضايا لا تقع على عاتق السياسيين فحسب بل لابد من أن تبذل منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام جهدا في هذا المجال من أجل التوصل الى حلول عملية. وحول سبل ومجالات التعاون بين دول المنشإ ودول استقبال المهاجرين أكد شيلر أن الحديث عن خلق فضاء تعاوني يعني بالضرورة معالجة قضية الهجرة، موضحا أنه لا يكفي أن تكون لدى الحكومات الاوروبية وحكومات دول جنوب المتوسط سياسات محددة للحد من ظاهرة الهجرة السرية ولكن يجب أن يكون هناك تعاون أشمل بكثير وأوسع من هذا الباب، أي يجب ايجاد حل لقضايا اللاجئين الذين يمثلون فئة من فئات المهاجرين الجنوبيين ويجب الحديث أيضا عن سياسة الاندماج وسبل تطبيقها وباختصار يجب توسيع أفق التعاون والشراكة في هذا المجال.