عاجل: سفارة تونس بالدوحة تدعو الجالية التونسية إلى التحلي بالهدوء والتقيد بالتوجيهات    نابل : نفوق كميّات كبيرة من الأسماك بشاطىء سليمان    هذا ما تقرر في حق رجل الأعمال لزهر سطى    في سابقة في إفريقيا... 733 عملية مجانية في «صحّة العيون» في يوم واحد في تونس    وزيرة الصناعة تؤكد في اول اجتماع للجنة الوزارية لتنفيذ عقد الاهداف للشركة التونسية للكهرباء والغاز اهمية المشروع في تحسين وضعية الشركة    صابة الحبوب: تجميع حوالي 5,751 مليون قنطار...التفاصيل    استئناف حركة الملاحة الجوية في أجواء قطر    عاجل: ترامب يعلن اتفاقا لوقف شامل لإطلاق النار    الخبير العسكري توفيق ديدي ل «الشروق» إذا تواصلت الحرب لأسابيع... الكيان الصهيوني سينهار    دول عربية تتضامن مع قطر    قالت إن إدانة الاعتداءات الصهيونية الأمريكية على طهران لا تكفي .. تونس تدعو إلى وقف العدوان على إيران... فورا    ترامب يعلن نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران    تصفيات بطولة ويمبلدون للتنس : التونسي عزيز دوقاز ينهزم امام الياباني شيمابوكورو    أخبار النجم الساحلي.. .الجمهور متفائل ونفخة يقود التحضيرات    مونديال كرة اليد الشاطئية ..اسبانيا تتوج باللقب ومركز خامس للمنتخب الوطني    المهدية: الخامسة وطنيا..47,12 ٪ نسبة النجاح في الباكالوريا    النفيضة .. . الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي .. مختبر تجريب ،كتاب في الملتقى و للشعر والرسم نصيب    ألف مبروك... صبري شعبوني يحصل على الاجازة في المسرح وفنون العرض    أولا وأخيرا: «باي باي» أيها العرب    في الصّميم .. تونس.. الترجي وأمريكا    أخبار الحكومة    أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    المنستير: إحداث جائزة أفضل مشروع خلال الدورة 20 لتظاهرة "موداستير" للمعهد العالي للموضة يوم 28 جوان (مديرة المعهد)    عاجل/ إيران تقصف قواعدا أمريكية في قطر والعراق    وزارة التشغيل والتكوين المهني تطلق اختصاصا تكوينيا جديدا لمهنة "مرافق حياة"    قطر توقف حركة الملاحة الجوية "مؤقتا"    نسب النجاح في الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025: تفاوت جهوي لافت وتفوّق لبعض المعاهد النموذجية    وزارة الدفاع الوطني تُعلن عن شروط جديدة للالتحاق بالأكاديميات العسكرية 2025 : التفاصيل كاملة للناجحين في البكالوريا    آية البرهومي... التلميذة التونسية التي صنعت الفرق ب19.76...سر التفوق مع تفاصيل مهمة    للناجحين في الباكالوريا: كلّ ما تريد معرفته عن الاكاديمية العسكرية بفندق الجديد    تأجيل النظر في قضية بوغلاب الى هذا الموعد.. #خبر_عاجل    السياحة البديلة: خيار إستراتيجي مكمّل للسياحة    مُشطّة ومرتفعة جدا: هذه كُلفة يوم واحد اصطياف لعائلة من 4 أفراد    تعرف على أول حارس عربي يحصد أول جائزة في كأس العالم للأندية    منتجات تونس البيولوجية تغزو 38 دولة: زيت الزيتون في الصدارة    في تحذير رسمي : مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا تدلي بهذه التصريحات    القصرين.. المصادقة على مقترحات مشاريع المخطط التنموي بسبيطلة للفترة 2026-2030    معين الشعباني يقود نهضة بركان المغربي الى نهائي كأس العرش    مباراة إنتر ميامي ضد بالميراس فى كأس العالم للأندية...التوقيت    طبيبة تونسية تحذّر من التعرّي في الشواطئ: خطر صيفي حقيقي يهدّد صحتنا وصحة صغارنا!    تحذير للتوانسة: هواء بيتك ملوّث أكثر من الشارع ب5 مرات بسبب ''الكليماتيزور''    الصهد يبدّل المزاج؟ الحرارة العالية تنفع وتضر نفسيتك... هذا إلي لازم تعرفوا!    مول 35 مشروعا/ ناجي غندري: بنك الأمان يعمل على تشجيع الشركات للانخراط في مجال الإنتقال الطاقي..    صفاقس: 100 % نسبة نجاح التلاميذ المكفوفين في بكالوريا 2025    7 سنوات سجنا لوالد عنّف ابنه الرضيع وتسبّب له في إصابة خطيرة    3 سيناريوهات لحرب إيران وإسرائيل بعد القصف الأميركي..تعرف عليها..    رحاب الظاهري تتوّج بذهبية 3000 متر موانع في الجولة القارية البرونزية لألعاب القوى    في العيد العالمي للموسيقى: الأوركستراالسيمفوني التونسي يقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية    جبال الظاهر: وجهة سياحية أصيلة تنبض بالسكينة والتراث    بقلم مرشد السماوي…بعد أن توزعت ظاهرة مجموعات الغناء بالمنازل و الجمعيات في جل المدن الكبرى جل روادها من كبار السن هل أصبحنا في مجتمعنا نعيش فراغ أسري و عاطفي مريب ؟    بعد ما نجحت في ''باكالوريا ''2025 ...احسب سكورك بهذه الخطوات    مهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير بالجزائر يفتح باب الترشح للمشاركة في دورته الأولى    كأس العالم للأندية 2025: ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي 3-1    طقس اليوم: قليل السحب والحرارة تتراوح بين 30 و39 درجة    في مسابقة دولية بلشبونة: تتويج التونسية ملاك العبيدي بجائزة أفضل مؤلف عن الطبخ في العالم    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوت العرب : مصر وعودة «مبدأ أنا الدولة والدولة أنا»!
نشر في الصريح يوم 10 - 03 - 2018

عاد مبدأ لويس الرابع عشر [1638 1715] «أنا الدولة والدولة أنا» إلى الحياة بعد أكثر من ثلاثمئة عام من إعلانه، وبعد أن اجتازت فرنسا حقبة المد والجزر العشرية شديدة الوطأة فيما بين سنوات 1789 و1799، وما حدث خلال تلك القرون من عنف وحروب وغزو لا يعد ولا يحصى، ومع ذلك أثرت الثورة الفرنسية على الحياة في كل مجالاتها الاجتماعية والثقافية والروحية والعسكرية والإنسانية. ومبدأ لويس الرابع عشر يحسب على عصور ما قبل الثورة الفرنسية، وعاش تحت سقف القيم والتقاليد الإقطاعية، وبقوة النزوع الإقطاعي وتطلعات النبلاء للحكم المطلق.
كانت العلاقات الإقطاعية سائدة.. وحق الملوك في الحكم بنظرية التفويض الإلهي كان غالبا، وعودة ذلك الآن في مصر، وقد عاشت عمرها المديد على العمل والانتاج والتفاعل والتضحيات؛ أمر ليس مستغربا في حقبة تضافرت فيها جهود «المشير» ونتنياهو وترامب ومحمد بن سلمان، فمصر تحت الحكم الحالي تعيش التيه، ونتنياهو يتطلع ل«صفقة القرن» وترامب يقول أنه يحكم بلد الحرية، وخلفه تاريخ أمريكي مجلل بعار إبادة الهنود الحمر بتأثيراتها الراسخة في الوجدان الإنساني، واستمرار التفرقة العنصرية؛ لمجرد اختلاف اللون، مع وجود قوانين تُجَرِّمها، وأسود صفحات التاريخ الأمريكي كُتِبت فيما بين 1950 و1955 مع ولادة المكارثية. وآثرت على حروب أمريكا في آسيا؛ حرب شبه الجزيرة الكورية في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وصولا للحرب الفيتنامية في نهايتها وحتى منتصف الستينيات، وأخيرا زادت سوادا بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة للدولة الصهيونية.
والمكارثية تعود لجوزيف مكارثي، بعد وقفته في بداية عام 1950، وكان عضوا في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، وقف وسط جمهرة الناخبين في مدينة ويلينغز بغرب فيرجينيا؛ في ذكرى ميلاد الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لينكولن؛ وأعلن أن وزارة الخارجية الأمريكية تعج بالشيوعيين، وبالجواسيس الروس، وبعدها توالت الحملات الأسوأ في التاريخ الحديث؛ من مصادرة الرأي وتوجيه الاتهامات وتلفيق القضايا وإلقاء المعارضين في السجون والمعتقلات.
وصار جوزيف مكارثي الشخصية الأشهر في زمن زادت فيه «شيطنة» أي معارض، في ظروف كانت الحرب الباردة في ذروتها، وفرصة إلصاق تهمة الشيوعية لأي معارض ومناوئ للمكارثية، وذاعت شهرة مكارثي مع تصاعد الدعاية المضادة للمعارضة، وانتشار رهاب «فوبيا» الشيوعية، والمبالغة في خطر الجواسيس السوفييت والمتعاطفين معهم على الحكومة الاتحادية، وسرعان ما ضعفت مصداقية مكارثي، وعرضته للوم وتعنيف مجلس الشيوخ، وينسب إليه ظهور مصطلح المكارثية. ومات في سن الثامنة والأربعين بمرض التهاب الكبد الوبائي.
وأصبحت المكارثية كريهة وسيئة االسمعة، وترمز إلى الإرهاب الفكري والبدني ضد الثقافة والمثقفين، وأوحت ممارساتها ل«راي برادبري» بكتابة روايته «فهرنهايت 451» في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وتنبأ فيها بمصير الثقافة والمثقفين في أمريكا، والبطل فيها رجل إطفاء؛ يعمل فى إدارة البلاغات والتحري والبحث عن الكتب وحرقها؛ تنفيذا لقرار منع القراءة، وإلقاء القبض على من يقتني كتابا، وقَصُر المعرفة والثقافة على برامج التلفزيون. وجاءت حبكة الرواية، ووقع البطل فى المحظور وكان قراءة كتاب، ليتحول إلى عاشق للقراءة.
المغزى الفلسفي للرواية جعلها عصية على التناول السينمائي؛ حتى ظهر من حولها إلى فيلم عام 1966؛ حمل نفس الاسم دون تعديل. ولم يحقق الفيلم النجاح التجاري المأمول، وبعد أقل من نصف قرن أصبح الإعلام المرئي والمتحرك والألكترون مسيطرا على العقول والأفكار، وربط نمو «وسائل التواصل الألكتروني» الناس بخليط من العوالم الواقعية والافتراضية؛ انتزعهم من محيطهم الاجتماعي والإنساني وسلامهم النفسي؛ هذا بينما ينظر الرأي العام للوسائط الألكترونية كوسائل تواصل اجتماعي، وليس فيها من الاجتماعية شيء. وسقطت الفروق بين عالم الحقيقة وعوالم الخيال والزيف. وصل الإنسان حد حمل الهاتف المحمول عوضا عن الكتاب وعن كل ما هو مطبوع أو مدون على الورق. وكسدت تجارة الكتب، وقل الاعتماد عليها كوسيلة للثقافة والمعرفة.
ورواية 451 فهرنهايت جاءت تالية لرواية «آلف وتسعمائة وأربعة وثمانين»، أو 1984؛ لجورج أورويل، ونُشِرت سنة 1949، وتقع أحداثها في مقاطعة «أوشينيا» بدولة عظمى؛ لا تتوقف فيها الحروب، وتخضع لرقابة حكومية شديدة، وتتلاعب بعقول شعب خاضع لنظام يأخذ بالاشتراكية الانجليزية زورا، وجسَّد «الأخ الكبير» طغيان الحكم؛ زعيم يدعي الصواب الدائم. والحزب يسعى للسلطة لذاتها وليس لمصلحة الجموع. وشغل بطل الرواية «ونستون سميث» عضوية الشعبة الخارجية للحزب، ويعمل في وزارة الحقيقة؛ المسؤولة عن الدعاية ومراجعة التاريخ.
ويعيد «ونستون» كتابة المقالات القديمة ويعدل في وقائعها التاريخية لتتفق مع ما يعلنه الحزب على الملأ. ويعكف عدد كبير من موظفي وزارة الحقيقة على تدمير الوثائق الأصلية، وإخفاء أدلة الكذب الحكومي. ويؤدي عمله هذا على أكمل وجه، ويبغض الحزب في السر، ويتمنى الثورة على «الأخ الكبير». وتعد رواية 1984 عملا خياليا سياسيا، وشاعت مصطلحاتها مثل: الأخ الكبير، والغرفة 101، واختارتها مجلة تايم الأمريكية ضمن أفضل 100 رواية صادرة باللغة الإنكليزية في 2005.
ويتجاوز الواقع السياسي المصري ما جادت به قرائح المبدعين والموهوبين في الأدب والرواية والشعر والرسم، وإذا اخترنا مصطلح «أهل الشر» الشائع في أحاديث «المشير» والمنقول عنه في الصحافة والإعلام مع غيره من تعبيرات كاشفة لمستوى الفقر الفكري والضحالة الذهنية وغياب الوعي؛ أساس معاناة الإدارة العليا، التي أصدر نائبها العام تكليفا للمحامين العامين ورؤساء النيابة بمتابعة وسائل التواصل والمواقع الألكترونية، «وضبط ما يبث منها ويصدر عنها عمدا من أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع، بما يترتب عليها من إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية، واتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات جنائية»، وطالب البيان «الجهات المسؤولة عن الإعلام ووسائل التواصل» بإخطار «النيابة العامة بما يمثل خروجا عن مواثيق الإعلام والنشر»!!.
ولو جاء ذلك على لسان شخصية في رواية أو قصة لاعتبرها كثيرون أنها تفوق الخيال.. بجانب أن أذرع «المشير» الشبابية والأمنية والإدارية أتت بما تجاوز ذلك بكثير، وإذا ما تأمل المرء الاتهامات الموجهة إلى المعارضة ووصفها ب«أهل الشر»، فسوف يتأكد أن زمن «المشير» تجاوز عوالم جورج أورويل ورواية 1984 وتخطى رؤية راي برادبري في فهرنهايت 451.
وعلى الأقل لم يكن بين شخصيات الروايتين ذلك رهط محامين؛ متربصين بأصحاب الرأي وبكل من ليس على هوى «الأخ الكبير».. دون استثناء أو شفيع من تاريخ أو دور أو موقف..
وعلى كل من يطلب السلامة في مناخ كهذا قبول العمل ضمن قطيع «الأخ الكبير»؛ بما يملك من سبل ووسائل تمكنه من شيطنة الملائكة (مع الاعتذار لتلك المخلوقات النورانية والسامية) ومن اغتيال الأنبياء معنويا (الاعتذار موصول لمقامهم العالي والروحي).. ويبدو أن السحر في طريق الانقلاب على الساحر، فما جرى للإعلامي خيري رمضان؛ الأكثر تأييدا ل«المشير» وللقوات المسلحة والشرطة؛ طالته «مكارثية» الأخ الكبير.. واتهمته بإهانة الشرطة، فهل بدأت النار تأكل نفسها؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.