يعيش العالم على إيقاع تحولات جذرية لم يشهد مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية فأوروبا تهتز على إيقاع الخلافات الحادة بين أقطارها و بينها وبين حليفتها الكبرى الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وهذه الأخيرة تسير في طريق عزلة دولية بسبب شطحات ترومب كما أن الحلف الداعم للإسلام السياسي في الخليج والشرق الأوسط بدأ في التفكك وأطل المارد الروسي برأسه ليغير معادلة الإستقطاب الأطلسي الأحادي تغييرا قويا ، في هذا المناخ العالمي المضطرب فإن إبقاء الحال في تونس على ما هي عليه من هشاشة و0رتباك وتجذيف بالرؤية هو محاولة يائسة لتأجيل الأزمة وربح بعض الوقت في انتظار مرور العاصفة التي لا يعرف أحد كم ستدوم ! وهو سلوك يفتقر للمنطق والموضوعية والواقعية ويدفع بالبلاد نحو المجهول . من المؤسف أن الأحزاب السياسية ، سواء الموالية للسلطة الحاكمة أوالمعارضةلها غارقة في مستنقعات صراعات النفوذ والزعامات وغير عابئة بما يحدث في البلاد وخارجها بل هي في الحقيقة غير واعية بها وبمخاطرها . إعتقد التونسيون في لحظة أمل وتفاؤل عابرة أن تشكيل حكومة "وحدة وطنية" بمشاركة ودعم المنظمات الوطنية الكبرى كالإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سيمكن من حل العديد من القضايا الهامة والأساسية ومنها بالخصوص ترميم هيبة الدولة واسترجاعها لنفوذها المعنوي والتنفيذي وإقرار مصالحة وطنية شاملة وإنهاء حالات الإقصاء والتهميش وإعادة الكفاءات الوطنية إلى مواقعها الطبيعية ، ووضع حد نهائي لكل مظاهر الفوضى والتسيب والإنفلات ولكن آمالهم تبخرت تماما . فحل هذه المسائل الكبرى جذريا وفي إطار توافق داخل حكومة الوحدة الوطنية و0ستنادا للقوانين وأحكام الدستور هو السبيل الوحيد لدعم الإستقرار وإجراء إصلاحات جوهرية ، و0تخاذ قرارات شجاعة ، وبالتالي طمأنة شركائنا الإقتصاديين والمستثمرين التونسيين والأجانب وتحفيز وكالات الأسفار على جذب السياح ، لكن لا شيء من كل هذا تحقق أو ظهرت مؤشرات عن إمكانية تحقيقه مما عمق الشعور بالإحباط لدى المواطنين فعاد بعضهم إلى أساليب الإحتجاج والتظاهر وقطع الطرقات وتعطيل العمل والتخريب والإعتداء على الأملاك العامة والخاصة . لا خيار أمام التونسيين اليوم إلا تجنب إضاعة آخر فرص الإنقاذ المتاحة ، فالفشل يعني إنهيار المسار الديمقراطي بأكمله والعودة إلى مربع الفوضى والإنفلات وغياب سلطة ونفوذ الدولة.