شكر الله أخانا "أبو زياد" على ما يذّكر به الأجيال الصاعدة من محامد و خصال من عرفهم من رجالات تونس الذين أفضى الكثير منهم الى ربهم راضين مرضيين. وممن كتب ونشر عنهم في «الصريح أون لاين» الشيخين محمد الشاذلي النيفر ومحمود الباجي رحمهما الله، وقد عرفتهما من قرب وسافرت معهما في داخل البلاد وخارجها و حضرت معهما مؤتمرات و ندوات عقدت في طرابلس و الجزائر و موريتانيا والمغرب و المملكة العربية السعودية وغيرها، وحفظت لهما مواقف و مبادرات ترفع الرأس في زمن لا يكاد يلتفت الى أمثالهم أو تعطى أية قيمة لعطاءاتهم التي لم يكن الدافع اليها الا اخلاصهم في خدمة دينهم و حبهم الشديد لوطنهم تونس معتبرين ذلك من صميم الايمان مصداقا للاثر القائل (حب الوطن من الايمان). أذكر لفضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله الذي انتهت اليه الرئاسة العلمية للسادة المالكية الاشعرية الجنيدية أنه وهو عميد الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين وريثة الجامع الاعظم (جامع الزيتونة المعمور) أن الكلية في فترة عمادته التي جاءت بعد عمادة الدكتور محمد الحبيب بالخوجة رحمه الله، والذي انتقل منها لتولي الامانة العامة لمجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة (والتي دامت حوالي عشرين سنة) شهدت عمادة الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله انعقاد أسبوع الفقه الاسلامي الدولي و انعقاد المؤتمر العالمي بمناسبة مرور 13 قرنا على تأسيس جامعة الزيتونة و صدر في عهده قانون الدراسات العليا (الدكتوراه بمرحلتيها) و كادت أن تنطلق أشغال مبنى الكلية الزيتونية بضاحية رادس بعد أن وضع الدكتور ابراهيم بن حسن الاستاذ بالكلية و رئيس بلدية رادس أنذاك قطعة أرض فسيحة لتأوي مبنا متكاملا، وقد عبرت الكثير من الهيئات (البنك الاسلامي للتنمية- منظمة المؤتمر الاسلامي و غيرها) عن الاستعداد الفعلي للمساهمة في تشييد مبنى يليق بالزيتونة و هو في مختلف مكوناته يفوق بكثير المبنى الذي يؤوي جامعة الزيتونة حاليا و الذي عندما قدم مثاله في مجلس وزاري برئاسة الوزير الاول الدكتور حامد القروي التفت الى وزير التجهيز الاستاذ أحمد فريعة و قال باستغراب أهذا مبنى جامعة أم مبنى معهد ثانوي !!! تلك صفحة من صفحات تاريخ تونس العلمي و الثقافي و الحضاري لم يحن بعد أوان توثيقها. نعود الى فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله لنسجل للرجل أن أحد المسؤولين في الحفل الديني و العلمي باحدى الدول الشقيقة عرض عليه التكفل بتكاليف مبنى الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين شريطة أن يتولى هذا الطرف العارض وضع المناهج الدراسية للكلية الزيتونية فما كان من الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله الا أن أجابه قائلا : ( ان ذلك لا يمكن أن يكون و انا عميدا للكلية الزيتونية أم الجامعات الاسلامية مشرقا و مغربا). ياله من موقف أصيل وشجّاع، و ياله من إعتزاز بالزيتونة و منهجها الأصيل، منهج الاصالة والتفتح، منهج الوسطية و الاعتدال، منهج التسامح والتعايش، منهج الاجتهاد و التجديد، و هو المنهج الذي كان سدا منيعا ضد الطائفية و التعصب والتزمت والتطرّف والتوظيف الرخيص للدين الحنيف وهو ما يأمله و يرجوه الجميع من الزيتونة اليوم. مرة أخرى شكرا لأخينا أبو زياد و الى ذكريات أخرى مع رجالات تونس البررة ان شاء الله.