ما ان دخل برهوم بابا البيت حتى ارتمى فوق (البانك) في الصالة وغرق في النوم وبدا شخيره يتصاعد ويملا ارجاء البيت..فقالت امي الشفاعة...هاي بدات طبالة كل ليلة ...وفجاة صاح برهوم ورفع راسه بعض الشيء وظهرت على وجهه ملامح رعب مرعب...انكمشت قليلا ..ولكن الوالدة طمانتني وقالت لي بحنان(برة ولدي ارقد على روحك ..ماثمة كان الخير ...انا مستانسة بيه...راهو كل ليلة ملعوط...يرقد ويفيق...يتخيل اللي جاءت ساعتو..) وذهبت الى فراشي وانا مسكون بالرعب رغم تطمينات امي...والتمست العذر لبرهوم..وتفهمت حالته..واقنعت نفسي بنفسي انه رجل من كثرة معايشته للموتى فهو يعيش وكانه ميت..او نصف ميت ينتظر لحظة الموت الكامل...انه يقضي نهاره يوميا ومنذ اكثر من ثلاثين عاما مع جثث الموتى..ويتعامل مع هذه الجثث وكانها ملفات..او سلع..اوشكايررمل او سيمان..او تبن..ويتحمل روائحها...ويحملها من مكان الى مكان ..ويخرجها من الثلاجات ويضعها بكل عناية فوق طاولة التشريح...ويتابع بكل دقة عمليات فتحها من فوق الى تحت ...يرى الرؤوس من الداخل...ويرى (المصارن)...ويرى القلوب...ويرى كل ما في جسم الانسان.. انه يشتغل في بيت الموتى..في قاعة كلها ثلاجات تحفظ فيها الجثث التي سيتم تشريحها ونحديد اسباب وفاة اصحابها...وهو الذي يتسلمها ويتعهد بها ويقدمها للطبيب الشرعي ويساعده عند عملية التشريح...وقد قضى عمره المهني في القاعة باكبر مستشفى بالعاصمة..وقد حاول كثيرا ان يشتغل بمصلحة اخرى بالمستشفى ولكن دون جدوى ..وكل مدير جديد يعده بالنقلة..ولكنه لا يفي بوعده فبقي برهوم اسير غرفة الموتى..يعيش مع الجثث ويتعامل معها وكانها كائنات حية..وقد يحدث احيانا ان يتكلم معها وكانها تسمع..وتفهم...وتتنفس..ولكنه كثيرا ما تنتابه حالة من الهستيريا فيلعن الظروف..ويفكر في الاستقالة..ولكنه سرعان ما يتذكر ان (ما ثمة حد ياكلها بالساهل...وان الخبزة صعيبة ومرة)..فيهدا ...وينكمش على نفسه في ركن من اركان القاعة الباردة جدا..وينفجر بالبكاء..ويتذكر ايامه الحزينة...وحياته مع الموت والموتى..فهو ميت يختلف عن الموتى في الثلاجات الا بشيء واحد وهو انهم لا يتحركون بينما هو يقيم خارج الثلاجات ويتحرك. ولكي يتغلب برهوم على موته..ورائحة الموتى..فانه يشرب كل ليلة (حارة بيرة ..ودبوزة شراب احمر). يوميا يغادر المستشفى ويذهب مباشرة الى (بار النجوم) في حلق الوادي حيث يخرج من غيبوبة ليدخل في غيبوبة اخرى ..ويجلس مع موتى من نوع اخر ولايشبهون موتى قاعة التشريح..موتى يتكلمون ويحكون ويثرثرون وقد يحلمون..ولكن احلامهم لا تتجاوز الدبوزة والفراش والنساء من الجارات وزميلات العمل وبعض فروخ الحومة.. وقد يدلي هو بدلوه احيانا ويخوض معهم في ما يخوضون ..وقد يلتزم الصمت..وقد يدخل في مناوشة مع احدهم..وقد يعلن امامهم رغبته ان ياتيه الموت وهو فوق امراة يحبها... ان هذه الشهوة كثيرا ما تصبح جمرة تكويه ولا يستطيع ان يتخلص منها الا ب(دبوزة) ثانية...وفي اغلب الاحيان (يعمل كيف) باحلام واوهام اصدقاء (الدبوزة)..وحتى عندما تقع بينهم بعض المناوشات لاسباب تافهة فانه يقول لهم (هكة نكونو ماخسرناش السكرة)..