من الكتب التي لفتت إليها أنظار زوار معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الحالية لهذه السنة وانتبه إليها القراء والمغرمون بالمطالعة كتاب الكاتب المغربي رشيد إيلال " صحيح البخاري نهاية أسطورة " وهو كتاب تناول بالدراسة أحد أهم أعلام الحديث و أشهر كتب الحديث النبوي الشريف وأحد الصحاح الستة التي تقبلها المسلمون وأحد كتب الحديث التي لقيت الرضى لدى كل المسلمين على مر العصور وحظي بالاهتمام والعناية إلى درجة أن أصبح محل تبرك ويقسم به المسلمون. وقد أسعفني الحظ أن حضرت الندوة التي أقيمت على هامش معرض الكتاب والتي تم فيها تقديم الكتاب فيها وكذلك الندوة التي عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والذي استدعى صاحب الكتاب ليقدم مداخلة للتعريف بأهم الأفكار التي يدور حولها الكتاب والمشكل الذي يطرحه. من خلال ما تم تقديمه في هاتين الندوتين نقف على بحث قام بانجازه رشيد إيلال طرح من خلاله مسائل خطيرة قد تخلخل قناعة الناس بخصوص كتاب صحيح البخاري وتهز الإيمان والاعتقاد السائد في خصوص صحته وحقيقة نسبته للشيخ إسماعيل بن محمد البخاري حيث قدم نقدا للكتاب من خلال ثلاثة مستويات: المستوى الأول تناول قضية المنهج الذي اتبعه البخاري في كتابة وتجميع الروايات التي تنسب للرسول صلى الله عليه وسلم حيث انتقد علم الجرح والتعديل و أنكر أن يكون الاسناد علما واعتبر أن ضبط الروايات وتمحيصها من خلال التثبت في سلسلة الرجال الذين نقلوا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم منهجية غير علمية لصعوبة أن يروي كل من كان في السلسلة من الرواة نفس الكلام ونفس الحديث بكل دقة وأمانة فعملية الزيادة أو النقصان في نقل الحديث هي مسألة واردة فضلا على أن إمكانية أن يروي راوي الحديث ما تلقاه بالسماع بالمعنى لا باللفظ هي كذلك مسألة ممكنة وواردة بما يعني أن حفظ أحاديث الرسول بطريق التثبت في السند وسلسلة الرواة وعن طريق الجرح والتعديل في كل من نقل الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم هي مسألة غير مقبولة علميا عند رشيد إيلال . المستوى الثاني تعلق بأن صاحب البحث قد أورد الكثير من الأحاديث التي حواها كتاب صحيح البخاري قال عنها أنها روايات لا تستقيم مع العقل والمنطق وهي في نظره لا يمكن القبول بها واعتبارها من الدين لكونها تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام وللدين وتعارضها مع القرآن الكريم وحقائق العلم مثل حديث " اشتكت النار إلى ربها فقالت : رب آكل بعضي بعضا فآذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير " فكيف نقبل بهذا الحديث الذي يجعل من ظاهرة كونية علمية في تحديد الفصول تعود إلى شكوى النار إلى الله وقبوله أن تتنفس في الصيف فيكون فصل الحر وتختفي في الشتاء فيكون فصل البرد ؟ فرشيد إيلال يستنكر مثل هذه الروايات التي تنسب للرسول ونجدها في صحيح البخاري وغيره من كتب الصحاح وهي أحاديث لا تستقيم عقلا ومنطقا وذوقا وقد تتعارض مع قوانين البيئة والطبيعة والعلم الصحيح مثل حديث " إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس " فكيف نقبل أن تكون المرأة شؤما وتقارن بالجماد والحيوان؟ وكيف نقبل بهذه النظرة الدونية التي توصف بها المرأة ؟ فهو يعتبر ان مثل هذه الأحاديث التي جعلناها في مرتبة القرآن وقد تنسخه هي روايات نحن منحناها هذا المقام بسبب أننا قبلناها لصحة سندها والحال أن متنها لا يستقيم . المستوى الثالث وهو الأهم يتمثل في أن رشيد إيلال قد تعرض لصحيح البخاري ونقده من زاوية علم المخطوطات ومن خلال تتبع كل ما هو متوفر من مخطوطات حول الجامع الصحيح وقد أوصله بحثه إلى أننا لا نتوفر على أية نسخة للمخطوط الأول الذي كتبه البخاري المولود في سنة 194 ه ولم يعثر على الكتاب الأول الذي خطه البخاري بخط يده وأول ظهور للكتاب كان بعد خمس مائة سنة من وفاته كما عثر على ثلاث عشرة نسخة مخطوطا من كتاب صحيح البخاري جميعها و كتبها تلامذته من الطبقة الأولى وتلامذة تلامذته من الطبقة الثانية والثالثة وهي مخطوطات مختلفة من حيث عدد الأحاديث والترتيب كما أن البخاري قد مات من دون ان يتمم الكتاب وقد جاء في فتح الباري للعسقلاني أنه بعد أن ذكر مخطوطات تلامذة البخاري قال : رأيت فيه أشياء لم تتم وأشياء مبيضة منها تراجم لم يثبت بعضها في أحاديث لم تترجم فأضفنا بعض ذلك إلى بعض " بما يعني أن النسخة التي تنسب للإمام البخاري والتي يتعامل معها المسلمون اليوم هي ليست النسخة الأصلية الأولى التي كتبها البخاري وإنما هي نسخة من تجميع واجتهاد العسقلاني بالاعتماد على نسخ تلامذته وهي نسخ مختلفة عن النسخة الأصلية بما يعني أن صحيح البخاري الذي بين أيدينا اليوم هو عمل بشري ومن اجتهاد بشري وظهوره بهذا الشكل اليوم هو اجتهاد وترتيب بشري حيث قال إن تبويب الكتاب وفهرسته وعنونته وجعل له عناوين لم تكن من عمل البخاري وإنما من صنع تلامذته وخاصة تلامذته من الطبقة الثالثة . ما يمكن ملاحظته هو ان كتاب رشيد إيلال هو كتاب مهم من الضروري الاطلاع عليه ومناقشته والتوقف عند المسائل التي أثارها والتي جعلت من صحيح البخاري يحتل المكانة التي هو عليها اليوم والتوقف عند التقد الذي وجهه خاصة فيما يتعلق بعدم توفر نسخة لصحيح البخاري بخط يد صاحبها ومسألة التشكيك في نسبة الكتاب الذي بين أيدينا إليه والقول بأن تلامذته هم الذين كتبوا الصحيح وجمعوه من نسخ كثيرة خاصة وأن رشيد إيلال قد وقف على اختلاف بين نسخة وأخرى في أكثر من مئتين وخمسين حديثا. ما يمكن ملاحظته هو أن صاحب كتاب نهاية أسطورة البخاري قد ركز على أن قدسية الجامع الصحيح والمكانة التي يحتلها عند عامة الناس وعلى مر العصور إلى درجة ان جعلته في نفس درجة القرآن من حيث الصحة هي مكانة صنعها له من جاء بعد البخاري من تلامذته الذي اعتنوا بما لديهم من مخطوطات كتبوها. ما يمكن ملاحظته هو أن الكثير مما جاء في هذا البحث يستحق التوقف عنده خاصة فيما يتعلق بوجود الكثير من الأحاديث التي حواها صحيح البخاري وتحتاج اليوم إلى إعادة نظر ومراجعة من حيث متنها لتعارضه مع العلم والذوق السليم والقيم الجمالية الأمر الذي يدعو إلى ضرورة بذل جهد جديد لتنقية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من كل الروايات التي قد تتعارض مع القرآن أو مع ما توصل إليه العلم الصحيح واستقرت عليه المعرفة خدمة للسنة واحتراما للرسول من أن تنسب إليه روايات تسيء اليه .