تقيم عائلة المرحوم محمد الصياح اليوم السبت 21 أفريل 2018 موكب أربعينية له ببوحجر مسقط راْسه ومرقده الاخير فيها وكنت اليه من المدعوين، ولأسباب قاهرة يتعذر علي حضوره، فقدرت المشاركة فيه بهذه الأسطر القليلة كذكرى وفاء لروحه واستعراضا للبعض من تاريخه الحافل وما كان قدمه لتونس في حياته القصيرة. لقد عرفته في شبابي منذ ايّام الدراسة وكنت معه في الهيئة الإدارية للاتحاد العام لطلبة تونس وتواصلت صداقتنا واستمرت الى مرضه ووفاته وكنا تعاملنا معا كثيرا في خدمة تونس كل من موقعه وبقيت هذه الذكريات في نفسي عنه لن تغيب . لقد تميز رحمه الله عنا جميعا منذ تخرجه من دار المعلمين العليا فِي كل المواقع التي تحمل فيها المسؤولية، من أمين عام لاتحاد الطلبة وكانت مدتلم يسلم بعدها من المكائد وأرسل سفيرا لتونس بروما وبقي على حبه ووفائه لبورقيبة الذي كان كلفه بالاشراف على كتابة مسيرته الطويلة. كان قبلها تحمل ادارة الحزب الاشتراكي الدستوري لعدة سنين ولم تعرف تلك الإدارة مثيلا له الى حد الانقلاب على الرئيس بورقيبة، وكان عنصر تجميع ووفاق ارتاح له القدماء من المناضلين واحبه الشباب الذين وجدوا ضالتهم فيه. تعرض ليلة السابع من نوفمبر للايقاف التعسفي واجبر على الإقامة الجبرية في مسكنه لعدة سنين وبقي تحت الحراسة اللصيقة وتقبل ذلك صابرا بدون ان ينسى الرئيس الحبيب بورقيبة، وكان الوحيد الذي تجرا وطلب كتابيا من رئيس الجمهورية الأسبق التخفيف من عزلة الزعيم وفتح الباب لزواره كي يطمئنوا عليه، وبمجرد ان تم التخفيف عليه كان من بين القلائل الذين سمح لهم بزيارت قليلة، ولكنها كانت تحت رقابة البوليس اللصيقة الذي كان مرابطا في إقامته الجبرية بدار والي المنستير التي حولوها الى السجن الاخير لبورقيبة، وكما جسمها بعد الفنان رجاء فرحات في رائعته التصويرية. لقد بقي دائما للزعيم وفيا وحتى بعد وفاته مواضبا على التردد على تربته بالمنستير لقراءة الفاتحة على روحه الزكية. اما انا فقد كنت أتردد عليه في بيته بعدما تم رفع الحراسة عليه وكان هاجسه دأئما استقرار وازدهار تونس التي كان حبه لها كبيرا. لم يكن يخوض معنا كثيرا في ماضيه ولم يكتب مذكراته الخاصة مثلما فعله الآخرون، لكنني من جانبي كتبت عنه في قائم حياته ونشرت اكثر من عشر حلقات يومية على أعمدة الصريح، وبلغني انه كان يتابعها، ولكنه تعذر علي مناقشته وقتها لان المرض عجل به وحرمت من رأيه فيها. لذا كان على أصدقائه حسب رايي ان يدونوا تاريخه الصحيح للاجيال القادمة لانه حسب رأيي يعتبر مدرسة في النضال الدائم والوطنية. واخيرا وبهذه المناسبة التي تنظم له اكتب هذه الأسطر القليلة لاذكر بالبعض مما عرفته عنه واجدد ترحمي عليه . ه كلها انجازات تحققت للطلبة بالاضافة الى تميزه عنا بحبه للوفاق والتوافق بالرغم من ميولات الطلبة وقتها للمعارضة. لم يكن يميز احدا منا وكان بابه مفتوحا مسخرا وقته لقضاء شؤوننا والدفاع عنا لدى السلط المختصة الى ان أصبحت تلك المنظمة خزانا للحكومة التونسية بعد استقلالها عن فرنسا ومغادرة إطاراتها فجئيا، وكانت تنتدب منا الاطارات للوظائف العمومية، وتدرج أكثرنا في المسؤولية وتحملنا المواقع الأمامية في الحزب والحكومة وشاركنا بتلك الصفة زمن الزعيم الحبيب بورقيبة في بناء الدولة الحديثة. وَمِمَّا بقي في بالي عنه انه انخرط في الحزب الحر الدستوري عن قناعة وليس مثل غيره من الانتهازيين الذين التحقوا في الساعة 25 بعدما تاكدوا من خروج فرنسا نهائيا ثم حولوا ولاءهم بعدها للتجمع الدستوري الذي أنشأه المنقلبون على بورقيبة. كان انتماؤه للخط البورقيبة موصولا ولم نلاحظ عليه تغييرا او تبديلا حتى في الايام الصعبة التي اجتاز فيها امتحانات عسيرة، وكان يتعرض للدسائس من حساده وممن يغيرون منه لانه حاز دائما على ثقة بورقيبة. لم تكن الماجدة وسيلة في عز ايامها تعده من الدائرة المقربة اليها وكثيرا ما اثارت في طريقه المصاعب، لكن بورقيبة لم يتخل ابدا عليه، اما هو في المقابل فقد حافظ على احترامه للماجدة وسيلة بحكم انها كانت زوجة الرئيس بورقيبة، لم يكن ذلك خافيا عليها ولا علينا وحتى بعدما سحبت اسمه في آخر لحظة وحرمته من تولي الوزارة الاولى لما سقط الوزير الاول الأسبق الهادي نويرة مريضا بالجلطة الدماغية، وفضلت عليه المرحوم محمد مزالي، وبقي في موقعه كوزير للتجهيز والإسكان وكأنه لم يقع شيئا، لقد تفانى في عمله مثل العادة وما زالت اطارات تلك الوزارة تتذكره وتعتبره أحسن وزير مر بتلك الوزارة الفنية ولم يكن مختصا مثلما كان من سبقوه من اكبر المهندسين.