يُعَدُ الشباب في تونس القوة الأساسية في المجتمع ، إذيصل عدد الشباب من الفئة العمرية من 15 إلى 29سنة ، الذين لم يتلقوا أي تعليم، وليس لديهم وظيفة، ولم يحصلوا على أي تدريب، إلى 33% من إجمالي الشباب التونسي، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة، بينما تبلغ نسبة الشباب التونسي30 % تقريبا من إجمالي عدد سكان تونس ، البالغ عددهم 12مليون نسمة.غير إنّ الفرص المتاحة للشباب التونسي للتواصل و العمل و التأثير في المشهد السياسي الانتخابي لم يسبق لهامثيل ، فالتحديات التي يواجهونها غير مسبوقة، بدءًا بالبطالة لا سيما بالنسبة للحاملين شهادات جامعية ( حوالي 250 ألفًا)، ووصولاً إلى أشكال متعددة من عدم المساواة، و التهميش، و الانخراط في العنف،إذ أصبح الشباب التونسي الذي لا يتمتع بمستوى تعليمي متقدم ، ويعاني من كبوات الفقر، أكثر استهدافًا من قبل التنظيمات المتطرفة والإرهابية،يشهد على ذلك تنامي ظاهرة "المقاتلين التونسيين" في بؤر التوتروالحروب الأهلية في بلدان الشرق الأوسط وليبيا. ورغم إنّ الشباب التونسي شارك مشاركة فعالة في ثورة الحرية والكرامة مع بداية سنة 2011،وكان فرس الرهان في معارك التغيير السياسية للنظام الديكتاتوري السابق،فإنّ الشباب في تونس واجه إشكاليات متعددة، لعل أبرزها الإشكاليات السياسية، لا سيما أزمة المشاركة السياسية التي تتمثل في إحجام الشباب عن المشاركة السياسية في الانتخابات العامة،أو في أنشطة الأحزاب السياسية ،أو التمثيل النيابي.وكانت إحدى مؤسسات سبر الآراء في تونس أوردت إحصائية مفزعة في منتصف سنة 2017 عن نسبة انخراط الشباب التونسي في الحياة السياسية التي لا تتجاوز 2.7في المئة ،وأنّ نسبة ترشحهم ضمن القائمات الانتخابية السابقة لا يتعدى 3 في المئة، ولا يضم مجلس نواب الشعب في تركيبته سوى 3 نواب أعمارهم تتراوح بين 20 و30 سنة ،و28 نائبا تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة ،بينما الأغلبية الساحقة من حيث التركيبة العمرية لنواب البرلمان تنحصر بين 50 و60 سنة لما يزيد على ثلث المجلس النيابي (82 نائبا). غير إنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس ، كشفت مؤخرًا في شهر أبريل/نيسان الجاري، عن مفاجأة تتعلق بنسبة المشاركة للشباب التونسي في القائمات المترشحة للانتخابات البلدية التي ستجرى يوم 6مايو/آيارالمقبل ،حيث يؤشر هذا الإقبال المكثّف للشباب بحصول تحولات سياسيّة في السنوات المقبلة.وتمثلت هذه المفاجأة في ارتفاع نسبة المشاركة إلى 75 بالمئة لمن يقل عمرهم عن 45 سنة وإلى أكثر من 50 في المئة لمن تقل أعمارهم عن 35 سنة.ويعتقد المحللون انّ هذا الحضور المكثف لدى الشباب في المجالس البلدية سيشكل خير دافع لحضورهم بكثافة خلال الانتخابات البرلمانية و الرئاسية التي ستجرى في خريف سنة 2019، ما سيعبد لهم الطريق لسيطرتهم التدريجية على المشهد السياسي وإمساكهم بسلطة اتخاذ القرار، لكنهم لن يجدوا كثافة شبابية تصوت لهم. بل سيبقون تحت رحمة الناخب المتقدم في السن. إنّ السؤال الذي لا يزال يحير علماء الاجتماع هو وجود هذا التناقض بين أن يعترف الدستور التونسي بأنّ الشباب هم القوة الدافعة في بناء الأمة ،وبين العزوف الذي يمارسة الشباب في الحياة السياسية، والاستحقاقات الانتخابية منذ سنة 2011، ولغاية الآن. أسباب عزوف الشباب أولاً: على نقيض موجة جيل الشباب من الستينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي ، التي شهدت وصول الكثير من القيادات الشابة إلى مواقع العليا في تونس، شهدت الموجة الثانية الممتدة من نهاية الثمانينيات و حتى اندلاع الثورة التونسية مع بداية عام 2011، عزوفًا حقيقيًا عن مشاركة الشباب التونسي في الحياة السياسية، والسبب في ذلك، يعود إلى التراجع الكبير الذي عرفته الحركة الطلابية التونسية ذات الطابع اليساري و القومي ،التي كانت مهيمنة في الجامعة التونسية ،وكانت تنتج النخب الفكرية و السياسية و الثقافية الشابة.فكانت مرحلة حكم بن علي هي اسوأ مرحلة عاشتها تونس على المستويين السياسي و الثقافي، إذ قادت السياسة الداخلية و الخارجية التي اتبعها إلى تعميم التصحر الفكري و الثقافي على صعيد فئات المجتمع التونسي، و لا سيما فئة الشباب منه.فقد تفاقمت الأزمات التي واجهت النظام السابق، ما قاد إلى إنتاج أزمة ثقة بين الشباب و النظام،و تبلور صورة سلبية عنه، أدت إلى عزوف الشباب عن الأحزاب السياسية القائمة التي كانت تدور في فلك السلطة باعتبارها أحزاب إدارة وشرفية،أو الاتجاه نحو تشكيل حركات سياسية جديدة، بعيدًا عن الأحزاب التقليدية. ثانيًا: منذ قيام الثورة التونسية، و إجراء أول انتخابات ديمقراطية في 23أكتوبر 2011، ظل الوضع الاقتصادي في ظل الديمقراطية الناشئة التي ولدت بعد سقوط النظام السابق ، هشًا، لأنّ النمو الاقتصادي ليس مرتفعًا بالقدر الكافي لإحداث تغيير ملموس في مستوى البطالة، ولا سيما بين الشباب التونسي ، الذي واجه مجموعة من التحديات ،لعلّ البطالة تعد أخطر هذه التحديات الاقتصادية وما تفرضة من تداعيات اجتماعية سلبية ، حيث تزايدت معدلات الفقر في المحافظات الداخلية، وتدهور الخدمات الصحية، وسيادة الصراعات الاجتماعية ، إذ نزل الشباب إلى الشوارع للمطالبة بالشغل فاندلعت صدامات جديدة بينهم وبين أفراد الشرطة،فقد تطور منسوب الإحتجاجات الإجتماعية من 4960 سنة 2015 إلى 9532 سنة 2016.وهذا دليل على عودة التوتر إلى العلاقة التي تجمع شقًا واسعًا من الشباب بمؤسسات الدولة وهو ما أدّي بدوره إلى تواصل القطيعة بين الشباب ولاسيما في الجهات المهمشة و الدولة ، فدفع قسم من الشباب إلى الهجرة غير النظامية نتاج تزايد نسبة اليأس والإحباط لديهم، إضافة إلى الأسباب الإقتصادية والإجتماعية، والأداء الضعيف للحكومات المتعاقبة، وتفاقم عدد شبكات التهريب عبر البحر، ودور الشبكات الإجتماعية في نشر هذه الظاهرة. ثالثًا: يعتبر العزوف للشباب التونسي نتيجة طبيعية لما جرى في الثورة التونسية التي كان الشباب محركها الرئيس ، لكنه لم يجن منها سوى أزماتها، بينما الذي جنى ثمارها أحزاب الإسلام السياسي و اليمين الليبرالي، التي اتسم خطابها السياسي في مختلف المحطات الانتخابية التي شهدتها تونس في خريف 2011، وخريف2014، بالشعبوية المليئة بالوعود الزائفة السابقة بشأن خلق مواطن شغل ومجانية النقل العمومي وغيرها. كما أنّ عزوف الشباب على الشأن السياسي يعود أيضًا إلى إنّ الحزبين الحاكمين (النهضة و النداء) اللذين هيمنا على السوق الانتخابية، كرّسا نوعًا من الاستقطاب السياسي و الأيديولوجي داخل المجتمع التونسي ، بين ":مشروع الدولة الوطنية "لحزب نداء تونس، و"مشروع الإسلام السياسي"لحركة النهضة، علمًا أنّ هذه المعيارية الأيديولوجية ، لا تعكس صراعًا فعليًا بين مشروعين مجتمعيين.فاليمين الديني و اليمين الليبرالي المهيمنان على صعيد الحياة السياسية في تونس استقطبا ناخبيهما في الاستحقاقات الانتخابية الماضية من خلال "الثقافة الانتقامية والعداء"، التي ارتكزت على اختلاق المعارك الوهمية في ثنائيات عديدة مكنت كل جهة سياسية من تكوين رصيد انتخابي تسعى اليوم إلى إعادة إنتاجه دون حاجة إلى أي مكون من ضمن الأغلبية الصامتة بما في ذلك فئة الشباب التي تعد ارتدادا على منظوماتهما الانتخابية.بدليل إنّ الحزبين الحاكمين(النهضة و النداء) تحالفا على صعيد ممارسة السلطة ضمن ما يسمّى بالديمقراطية التوافقية التي تختلف عن الديمقراطية التمثيلية،وتقوم على نظام "المحاصصة الحزبية" الذي ثبت فشله في إدارة القضايا المجتمعية ،وعجزأيضًا عن بلورة استراتيجية وطنية تقدم أجوبة عقلانية وواقعية للتحديات التي تواجهها تونس خلال السنوات السبع الماضية، و لاسيما وضع استراتيجية لتأهيل الشباب في تونس ،على أن تشمل هذه الاستراتيجية جميع التحديات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، واستجماع طاقات الشباب وتوحيدها نحو الأهداف العامة، وتوظيف هذه الطاقات بأفضل السبل نحو هذه الأهداف بحسبان قضية الشباب جزء من الحل، وليس جزءًا من المشكلة. رابعًا: يكمن العزوف الانتخابي للشباب في تنامي ثقافة اليأس والإحباط والفشل التي حتمها غياب الآليات في تكريس الأمل في غد أفض للطبقة الشبابية التي خذلتها الطبقة السياسية الحاكمة ،وتحديدا الأحزاب المنتخبة تباعا في 2011 و 2014 لمطالب الشباب وتطلعاتهم بعد ثورة الحرية والكرامة،حيث استفادت حركة النهضة من قاعدتها الاجتماعية الكلاسيكية –التي تربطها صلات عقائدية بالحركة- مُضاف إلى ذلك تزويدها بخطاب سياسي دعائي يزعم الانفتاح على بقية الشرائح الاجتماعية. أما نداء تونس فقد اشتغل على تفعيل الروابط بالقاعدة النشيطة المُبعثرة لحزب التجمع المنحل واستمالة جزء منها عبر استقدام قيادات من نظام بن علي وتكليفهم بمهام حزبية أو حكومية.وتتمثل مصادر الإحباط في ظروف سوق العمل، ورداءة التعليم، بجانب الفوارق بين المحافظاتالتونسية الداخلية المهمشة تاريخيا والفقيرة،والمفتقدة للمشاريع التنموية،والمحافظات الساحلية ، والتفرقة بين الجنسين. فبناء مستقبل جديد للشباب ، يحتاج إلى جهود ضخمة لجمع أصحاب المصلحة، من أجل تحسين واقع الشباب في تونس، والذي يجب أن يشمل المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع العام، وصانعي السياسات، ومستثمري القطاع الخاص، والمنظمات غير الهادفة للربح التي تهتم بقضايا الشباب، والحكومات المحلية، وفوق كل هذا الشباب أنفسهم. محطة الانتخابات البلدية تشكل الانتخابات البلدية محطة مهمة للشباب في تونس، لكي يثبت فاعليته ، لا سيما بالنسبة لعدد الشباب الذين لا يشاركون في الشأن العام و يشمل ذلك أيضا العمل الجمعياتي والحزبي و المواطني و ارتياد دور الثقافة الذي يقارب المليون شاب لا تعرف الدولة، طرق أنشطتهم وإسهاماتهم في الحياة العامة. و إذا كان الشباب يرفض استخدامه من قبل الأحزاب السياسية لغاياتها السياسية والإنتخابية ، فإنّ عليه أن يقرّر في نهاية المطاف هل هو فاعل أو مفعول به. فالمادة الثامنة من الدستور التونسي الذي صدر في سنة 2014، تنص على أن "الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن، تحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدراته، وتفعيل طاقاته، وتعمل على تحمله المسؤولية، وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية ، والاقتصادية، و الثقافية، والسياسية". وهنا نتطرق أيضًا إلى المسؤوليات التي تقع على الشباب التونسي ، ومنها الالتزام بروح المسؤولية عبر التحرر من العزوف الانتخابي ، واحترام القانون، والتحلي بقيم الاعتدال و الوسطية، ورفض التطرف و العنف، وتعزيز قيم الاعتماد على الذات،وتأهيل أنفسهم بالعلم، واكتساب المهارات و الخبرات وتكنولوجيا العصر، حتى يشاركون في هذا الاستحقاق الانتخابي المقبل ، ما دام قانون الجماعات المحلية يسمح لأكبر عدد ممكن من الشباب بما في ذلك الشباب المقاطع للانتخابات او غير المشارك في السياسة بصفة عامة من المشاركة في صنع القرار لأن التشاركية خيار لا مفر منه، اذ أن البلديات التي لا تشرك المجتمع المدني والمبادرات الوطنية المستقلة لن تتمتع بالمنح العمومية ولن يكون لها الحق في القروض. إن تفعيل دور الشباب التونسي من الجنسين ليكون له دور فعال ، يبتدأ من امتلاك الشباب القدرة على المشاركة في الحكم المحلي و المساهمة في دفع عجلة التنمية محليا و جهويا وذلك عبر المشاركة الفاعلة في المجالس البلدية و التي سيتم انتخابها قريبا.كما أنّ للشباب دور في المشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي المحلي والحدِّ من الفساد المتفشي في البلديات منذ النظام السابق.